أدّى ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى فتح شهية الشركات الأميركية المُنتجة للنفط الصخري. هذه الشركات التي خفّضت الكثير من تكاليفها منذ بداية الأزمة في آب العام 2014، تتجه إلى رفع الإنتاج مما يضع تطبيق الاتفاق النفطي الأخير لمنظمة الأوبك موضع شكّ ويطرح السؤال عن وضعية سوق النفط في الفترة القادمة.

من المعروف أن كلفة إستخراج برميل النفط التقليدي أقلّ بكثير من كلفة إستخراج النفط الصخري. وتتراوح كلفة إستخراج النفط التقليدي بين 8 (الكويت) إلى 38 (روسيا) دولار أميركي للبرميل الواحد مقارنة بـ 40 إلى 50 دولار أميركي للنفط الصخري. وعلى الرغم من التطور التكنولوجي الذي قدمته الصناعة النفطية في عمليات إستخراج النفط الصخري، لم تستطع هذه الشركات تحمّل سعر برميل نفط أقلّ من 40 دولار أميركي للبرميل الواحد بدليل وقف الإنتاج في العديد من مواقع الإنتاج مثل كولورادو أو تكساس.

وبالعودة إلى العام 2014 وبالتحديد شهر حزيران، أحد أسباب إنخفاض أسعار النفط في ذلك الوقت تعود بالدرجة الأولى إلى الزيادة الهائلة في الإنتاج من قبل روسيا (11 مليون برميل)، المملكة العربية السعودية (10.5 مليون برميل)، وشركات النفط الصخري الأميركية (1600 منصة) في حرب إلغاء خصوصًا بين المملكة وشركات النفط الصخري الأميركية. كل هذا من خلال زيادة الإنتاج وبالتالي خفض سعر برميل النفط إلى ما دون كلفة إستخراج النفط الصخري. وإعتقدت المملكة في ذلك الوقت أن إستمرار إنخفاض الأسعار عام أو عامين كفيل بإفلاس الشركات النفطية الأميركية.

لكن التصريحات التي أطلقها مدير شركة "كونتنونتال ريسورسز" عقب إعلان منظمة أوبك خفض الإنتاج يدلّ على أن حرب الإلغاء التي خاضتها المملكة لم تُحسم حتى الساعة. فقد صرح "هارولد هام": لقد أرادوا سحقنا لكننا بقينا هنا وأصبحنا أقوى!

وهذا القول يخفي عدد من الفرضيات وعلى رأسها إحتمال أكتشاف تكنولوجيا جديدة لإستخراج النفط الصخري بتكاليف أقلّ. أو أنه بكل بساطة ارتفاع أسعار النفط سيُعيد هذا القطاع إلى الحياة عملًا بظاهرة الـ Yoyo الإقتصادية. وقد علّق أحد المُحللين في بنك بركلي على هذا الأمر بقوله أنه "في الحرب بين الشيوخ والصخري، ربح هذا الأخير جولة".

بالطبع فإن أسعار أسهم شركات النفط الصخري الأميركي إرتفعت في بورصة نيويورك وحصدت مليارات الدولارات نتيجة إعلان الأوبك خفض إنتاجهها. فمن وجه نظر المُستثمرين، قرار الأوبك بخفض إنتاجها خفف من الضغط المالي على الشركات النفطية الأميركية وأعطى زخمًا وآفاقًا لنمو هذا القطاع الذي عانى الكثير منذ منتصف العام 2014. وبالتالي أخذت المصارف الأميركية بإعاداة تمويل هذه الشركات وهي التي توقفت من عامين عن إقراضها، وتُشير طلبات القروض أن الشركات الأميركية ستزيد من إستثماراتها في العام 2017 بنسبة 33٪.

الأزمة أنهكت الشركات النفطية الأميركية، لكن...

أدّى إنخفاض أسعار النفط إلى إقفال أكثر من 100 شركة نفط أميركية (ظاهرة الـ Yoyo) وإلى صرف ما يزيد عن عشرات الألوف من الوظائف في هذا القطاع كما وإقفال العديد من الآبار التي كانت تعمل. وبالتالي يُمكن إعتبار الفترة التي إمتدّت منذ العام 2014 حتى قرار الأوبك خفض إنتاجه بأنها الفترة الأسوء في تاريخ هذا القطاع.

هذه الفترة دفعت العديد من الشركات خصوصًا القويّة ماليًا إلى الإستمرار مع خفض كبير للإنتاج لكن في نفس الوقت كانت تقوم بإستثمارات في التكنولوجيا بهدف خفض كلفة الإنتاج أكثر. وبالفعل وبحسب تصريحات المسؤولين في هذه الشركات، فقد تمّ خفض الكلفة 30 إلى 40%. وهذا يعني أن عتبة الـ 70 دولار أميركي للبرميل الواحد التي كانت ضرورية في العام 2014، إنخفضت إلى 40 دولار للبرميل الواحد! أي أن شركات النفط الصخري الأميركية أصبحت تربح على سعر 40 دولار أميركي للبرميل الواحد.

وبالتالي، فإن ارتفاع سعر برميل النفط إلى 50 د.أ آتى ليدعم مالية هذه الشركات على صعيدين: الأول مباشر عبر الأرباح المُحقّقة من بيع النفط والثاني غير مباشر عبر ارتفاع سعر السهم أو عبر القروض التي أعطتها المصارف لهذه الشركات. وبالتالي فإن فترة العامين ونصف التي مرّت فيها هذه الشركات والتي فرضت ارتفاع مديونيتها إنقضت وأصبحت هذه الشركات قادرة على سد ديونها بالفائض المالي الذي حققته نتيجة قرار دول الأوبك.

وكنتيجة لهذا الواقع، أخذت الشركات بالتموضع من جديد في سوق حرج جدًا خصوصًا أن الطلب العالمي ليس بالكاف لإستيعاب الكمّيات المُنتجة. وبزيادة الإستثمارات ستزيد حكمًا منصات الإستخراج وتُشير المصادر إلى أن الأسبوع الأول من كانون الأول 2016 شهد ارتفاع بـ 20 منصّة جديدة تمّ تركيبها مما يجعل الرقم الإجمالي 500 منصّة.

التدعيات على سوق النفط...

من الطبيعي القول إن زيادة العرض ستؤدّي حكمًا إلى خفض الأسعار، لكن هذه المرّة إطار الحرب بين الشيوخ والصخري مُختلفة. ففي العام 2014 نوايا الفريقين كانت بإلغاء الأخر وكانوا يملكون الموارد المالية الكافية لشنّ مثل هذه الحرب. اليوم الوضع مُختلف خصوصًا أن الموارد المالية للفريقين شحّت ولا يُمكن لأي منهما خوض لعبة إغراق السوق. فإغراق السوق سيقضي على شركات النفط الأميركية وسيُعيد دول الأوبك وروسيا إلى نقطة ما قبل خفض الإنتاج. من هذا المُنطلق، نتوقع أن لا تعمد شركات النفط الصخري الأميركية إلى الإنتاج بكثافة كبيرة بل بشكل يحفظ سعر برميل النفط فوق الـ 45 دولار أميركي للبرميل الواحد.

هذا الأمر يضمن إستمرارية شركات النفط الصخري ويسمح لدول الأوبك بالإستمرار بالإستفادة من أسعار عالية. لكن الدول المُنتجة للنفط (مدخولها الأساسي) ستكون مُلزمة الإستمرار بسياسات تقشفية في موازاناتها.

كيف سيكون الوضع في المُستقبل؟

اللعبة النفطية أصبحت في وضع توازن مع هامش تحرك ضئيل جدًا يفرض البقاء على هذا الوضع أقلّه لعام كامل. فكل تخفيض إضافي في الإنتاج من قبل دول الأوبك وروسيا، ستعمد شركات النفط الصخري الأميركي إلى ملئه وبالتالي إنتزاع حصص من هذه الدول. في المقابل لن تتخلّى الشركات النفطية الأميركية عن حصصها إلا إذا إنخفض السعر وهذا ما لا يُمكن أيضًا لدول الأوبك وروسيا تحمّله بعد اليوم.