شاب لبناني.. وجد نفسه فجأة في موقف عليه أن يتخذ فيه قرارات جديّة تتعلق بمصير شركة عائلته العقارية، بعد أن كانت دراسته الجامعية بعيدة كل البُعد عن مجال عمل الشركة، لذا قرر أن يبحث في أدق التفاصيل لكي يُحصّل "المعرفة" والخبرة في مجال التطوير والعقارات بنفسه، .. فخرج من مكتبه الذي يداوم فيه يومياً من السابعة صباحاً حتى وقت متأخر من الليل ليختلط مع فريق العمل، يكتسب من خبراتهم ويحفّز طاقاتهم الإيجابية.

فهو يولّي أهمية كُبرى لفريق العمل وضرورة تقديره وإحترامه.

إهتماماته الإنصات إلى النقد البنّاء الذي يعتبره مساراً لطريق النجاح والتطوّر.

كما يُمتعه الإستماع إلى العبارات التي تهدف إلى تحطيم عزيمة الشخص، كـ "لن تستطيع.." وغيرها، فيعتبرها بمثابة وسيلة لتحدي ذاته.

برأيه عدو الإنسان الوحيد هو نفسه، و"المعرقلات الذاتية" التي يسمح لها بالسيطرة على أفكاره.

أما روحه فهي عاشقة للتحدي ومتعطشة لتحقيق أهدافها المهنية.

المدير العام لشركة "Socodeco" العقارية ومقرها أفريقيا .. مهدي دخل اللّه، الذي خصّ الـ"الإقتصاد" بمقابلة حصرية شاركنا فيها أبرز محطات حياته المهنية والنصائح التي ينقلها لنا من منطلق خبرته الخاصة.

- من أين إنطلقت مسيرتك الأكاديمية وصولاً إلى إستلام منصبك الحالي؟

ولدت في كينشاسا في جمهورية الكونغو، ولكني حصّلت دروسي في لبنان وتخصصت في مجال إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت.

فور تخرجي كان من المفترض ان أتابع دراستي العليا، أي رسالة الماجستير، في لندن، ولكن طرأ أمر في العمل أجبرني على التوجه مباشرة إلى كينشاسا لأشارك في متابعة أمور شركة العائلة ومن هنا بدأت حياتي العملية بالتبلور.

وكانت أول مرحلة إنتقالية لي وكأني وُلدت من جديد ..وفي عالم آخر..

- كيف استطعت أن تجتاز المرحلة الأولى كونها الأصعب نظراً لاختلاف إختصاصك الجامعي عن طبيعة الشركة؟

أنا أؤمن بمقولة :"متاع الحياة عندما يقول لك الآخرون : لن تقوى على تحقيق هدفك." هذه الجملة حتى هذه الساعة بقيت "محفورة" في ذاكرتي وترافقني في كل محطات حياتي المهنية. هذا الأمر خلق في نفسي روحاً تعشق التحدي وتتعطش لتحقيق أهدافها المهنية.

و أعتبر أنه لو مهما كانت طبيعة مجال العمل، طالما الشخص يمتلك رؤية مستقبلية واضحة وروحاً قيادية، بالإضافة إلى الشهادة الجامعية سيتمكن من الوصول إلى أهدافه.

ولكن بالنسبة لي، لا يمكن لأي فرد أن ينجح في بلاد الإغتراب طالما هدفه الأساس هو "الهروب من وطنه أو من الواقع." 

-كيف تُرتب العناصر التالية بحسب الأولوية لتأسيس مشروع ما: الخبرة، رأس المال المادي والشهادة الجامعية؟

برأيي العلم يحتلّ المرتبة الأولى، لأنها المرحلة التأسيسية التي تتطلب الإطلاع على مجال العمل الذي يسعى المرء للإنخراط فيه، من بعدها تأتي تطبيق هذه الخبرة العلمية على الحياة العملية، أي أرض الواقع.

لكن العمل من دون علم لا يكفي والعكس صحيح، برأيي الخبرة تؤدّي دوراً أساسياً في طريقة النظر إلى الأمور وصولاً إلى التعمّق في أدقّ التفاصيل، وتمتدد إلى الإسترتيجات التي يعتمدها كل فرد.

وأنا أُشدد أن الخبرة لا تتكون خلف المكاتب، على الإنسان أن يجتهد ويسعى ويحضر على الأرض ليتابع يومياً تفاصيل شركته كلها. عملية التطور تتطلب الحضور والإختلاط المباشر مع كل مكونات، عناصر وأفراد الشركة وصولاً إلى "المنتج" المشترك الذي ينشأ نتيجة هذه الجهود المشتركة اليومية.

- ما هي أبرز العراقيل التي واجهت مسيرتك في الشركة وكيف تخطيها؟

أنا لم أملك الخبرة الكافية في المجال العمراني، ولست خريج هندسة، ولكن شاءت الظروف فجأة أن أكون أحد كوادر هذه الشركة، و اكتشفت حينها أني بحاجة لأتعلم تفاصيل هذه المهنة من الصفر.

دخولي إلى مجال المقاولات بحد ذاته كان كالولادة في عالم جديد... عليّ مواجهته في سنّ الرابعة والعشرين، والمطلوب مني تحمّل مسؤولية كُبرى، فهذه المباني بعد انتهاء المدة المحددة ستحمل عائلات!

هذا القرار كان أكبر من طاقتي وخبرتي، ولكن إيماني بالله كان المعيار الأول لخوض هذه التجرية، ثانياً الثقة بالنفس، وثالثاً الإنصات الجيّد إلى النقد البنّاء بهدف ضمان مسيرة مهنية تتحلى بالتطوّر والتنوّع الدائمَين.

أُحب أن أستمع إلى إنتقادات الناس السلبية كـ "لن تستطيع.." وغيرها من العبارات التي تهدف إلى تحطيم عزيمة الشخص، لأنني أعتبرها بمثابة حصنٍ لي يساعدني على استجماع طاقاتي وتحدي ذاتي. لا شك أن هذا الأمر يخلق نوعاً من الصراع مع النفس؛ كالحوارات التي تدور في فكر الإنسان تهمس له ليُصدق كلام المشككين، لأن عدوّ الإنسان الوحيد هو نفسه! هنا الثقة في النفس تلعب دور الرادع الأكبر والوحيد لهذه "المعرقلات الذاتية".

- برأيك ما هي الصفات التي تضع الإنسان على أولى درجات النجاح؟

أولاً: أن يضع الإنسان نُصب أعينه هدفاً واضحاً قابلاُ للتنفيذ، ولكن هذا الهدف يتطلب مقومات، وفريق عمل ناجح.

كما نعلم أنه لا يمكن لرجل واحد أن يبني مجمعاً سكنياً بنفسه، لذا فإنّ التعاون والأُلفة بين فريق العمل الواحد يشكلان عنصراً أساسياً في مجال عملنا.

أنا أعتبر أن فريق العمل هو الأساس، وعلى المدير أن يتعامل مع الموظفيين والعمال كأنهم شركاء في المشروع نفسه، وأن يعتبر نفسه واحداً منهم، التعامل بفوقية مع العامل يضرّ بالعمل وبالشركة.

علينا أن نوفّر البيئة الحاضنة المتحرمة لهذا العامل الذي يبني مشروعنا بيديه، كل إنسان يستحق أن يحظى بالإحترام وأن يتعامل كما يحب ان يُعامل. لذا فانا دائماً أسعى للبحث عن الأفضل وأحفز كل النقاط والصفات الإيجابية التي يتحلى بها كل موظف،أو عامل ما يخلق روحاً إيجابية بين الفريق الواحد، وبالتالي سيقوم كل شخص بمهامه بشغف وضمير.

- هل تعتبر أنك حققت كل تطلعاتك المستهدفة على المدى القريب؟

أنا دائماً أسعى إلى الأفضل ولم أبتكر في يوم من الأيام أي من الحدود أو القيود .. هدفي الأكبر والمستدام هو التطوّر الدائم.

- ما هي مشاريعكم المستقبلية؟

أطمح للخروج من أفريقيا في السنوات العشر القادمة،  فالمشاريع التوسيعية ضرورية في مسيرة الإنسان المهنية.

- ما هي النصيحة التي تود إيصالها للشباب من خلال خبرتك الخاصة؟

أنا أدعو الشباب ألاّ يعيروا المردود المادي النسبة الأكبر من اهتمامهم في المراحل التأسيسة الأولى، هذه المرحلة هي الأهم والأدق لأنها "التكوينيّة".

إصعدوا سلم أهدافكم درجة درجة .. ولا تتسرعوا!

ورسالتي للشباب العاطلين عن العمل حالياً: باشروا في أي مجال، كوّنوا هويتكم المهنية التي ستضمن لكم السمعة الطيبة فيما بعد.. حاولوا مرة واثنتين وعشرة .. ولاتستسلموا لسهولة العبارة "ما في شغل".