العملة الموحدة تهدد مستقبل اوروبا! هذا ما خلص اليه جوزيف ستيغليتز، الاقتصادي العالمي وحائز جائزة نوبل للاقتصاد في كتابه الجديد حول ​اليورو​.

ف اليورو هو السبب الرئيسي الذي يقف خلف كل المشاكل التي تعاني منها اوروبا: البطالة، النمو وصعود اليمين المتطرف. يقول ستيغليتز انه حتى مع صناع سياسة عباقرة، ولو تم تطبيق افضل السياسات، فانه من المستحيل تقريبا ان تستمر منطقة اليورو بأدائها.

ورغم انه يخلص في كتابه الى مجموعة من التعديلات الجذرية لانقاذ منطقة العملة الموحدة، فهو يشير الى احتمال الطلاق بين اعضاء الاتحاد الاوروبي.

اما معهد كارنيغي يوروب فقد عدد اربع مألات لاوروبا تبدأ بتأكيد ان اوروبا تتجه الى مزيد من الاندماج على المديين المتوسط والبعيد خاصة في مجالات السياسة الخارجية والامن والدفاع ولكن ذلك سوف يمر بمخاض موجع بسبب النزعة الوطنية التي تجتاح دول اوروبا والتقرير يذكر بان اوروبا لديها خبرة بالانتحار الجماعي رغم انه لا يراهن على ذلك.

بعد هذه الالام الموجعة، سوف تصل اوروبا الى سوق واحدة والى مقاربة موحدة لموضوع الهجرة خاصة ان مستوى الاندماج الاقتصادي قد ساعد كثيرا اوروبا في مرحلة العولمة الاقتصادية وسوف يكون اكثر افادة في مرحلة العولمة السياسية.

الاهم ان اوروبا ، برأي كارنيغي، سوف تخرج من الاتحاد القائم على القيم الى الاتحاد القائم على "الريل بوليتيك" او الواقعية السياسية: اتحاد فعال اكثر ولكن بايديولوجيا اقل!

اما الاكثر اهمية في ما يقوله تقرير كارنيغي، والذي كتب بحزم لا يقبل المراجعة، هو ان اليورو لن يكون جزءا من مستقبل اوروبا! لان العملة الموحدة هي حاجة لم تعد موجودة. لم يعد هناك حاجة قهرية لليورو لان العولمة الاقتصادية والسياسية لاوروبا تستطيع ان تعمل بدون هذه العملة الموحدة: مزيد من الدمج لا يعني الحاجة للعملة الموحدة كما افترض سابقا هيلموت كول وفرنسوا ميتران. واذا كان حجم القوى المتصارعة على العالم لا يكفي لتوحيد اوروبا، فان العملة لن تلعب هذا الدور بالتأكيد.

اما اقوى تعبير عن مستقبل اليورو فقد جاء على لسان اندريو بوسوني من ستراتفور، المؤسسة الاميركية المتخصصة بالتوقعات الاستراتيجية، اذ قال في مقال عنوانه " السنة التي يمكن ان تحدد مصير اوروبا" (المقصود 2017): في مثل هذا الوقت من العام المقبل منطقة اليورو قد تكون ميتة!

واذ يتخوف الكاتب من صعود النزعات الوطنية المتطرفة في كل من ايطاليا وفرنسا، فهو يعتبر انه حتى لو استطاع تحالف الاحزاب المؤيدة لوحدة اوروبا، في هذين البلدين ذوي القوة الكبيرة ضمن الاتحاد، تمرير انتخابات 2017 فان اي انتخابات بعدها ستشكل فرصة لليمين ذات النزعة الوطنية وستكون المانيا عندها اكثر عزلة.

في اوروبا اليوم اربع قوى رئيسية يحدد ميزان القوى بينها مستقبل اليورو ومستقبل اوروبا بشكلها الحالي: دعاة الدمج ولو بطريقة براغماتية على نول المستشارة ميركل، دعاة توسيع سلطات الدول في تقرير سياساتها ضمن الاتحاد مثل ايطاليا واسبانيا والاشتراكيون الفرنسيون اليونان والبرتغال، المتشككون من فعالية الاتحاد كدول اوروبا الشرقية واخيرا الشعبويون مثل الجبهة الوطنية في فرنسا والمانيا البديلة وحركة النجوم الخمس في ايطاليا.

لقد دخلت المانيا حربين عالميتين من اجل عالميتها وكانت رائدة في مشروع قيامة الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو من اجل عالميتها. لقد فشلت المانيا في الحرب فهل تفشل في السلم؟

المانيا لا تستطيع ان تضع مستقبلها السياسي والاقتصادي بيد الناخبين الفرنسيين والايطاليين او غيرهم من الاوروبيين، وهي سوف تكون محكومة بالعمل بالتوازي على تحضير خطط طوارئ لمرحلة ما بعد اليوروزون هذا ما تشير له ايضا ستراتفور.