أدّى التوافق على إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية إلى زيادة النشاط التجاري الداخلي بنسبة 10% في الأسابيع الأولى التي تلت الإنتخاب. ومع المباركة ​السعودية​ لهذا الإنتخاب، من المُتوقع أن يكون هناك تحسّن للعلاقات الإقتصادية بين المملكة العربية السعودية و​لبنان​. فإلى متّى هذا التحسّن وما هي مؤشراته؟

العلاقة بين المملكة العربية السعودية ولبنان هي علاقة قديمة وتعود إلى ما قبل الإستقلال حيث كان الملك عبد العزيز أول من إستعان بالخبرات اللبنانية وعلى رأسها خبرة الشيخ موريس الجميّل في مُشكلة المياه. وأخذت العلاقات منحًا رسميًامع الزيارة التي قام بها الرئيس كميل شمعون إلى المملكة فور إستلامه زمام السلطة في لبنان.

وبدأ الشباب السعودي بالتردّد إلى لبنان للدراسة في جامعاته وأصبح الجيل القديم مُعتادًا على زيارة لبنان بشكل مُتواصل وأصبح من المُتملّكين فيه. وأخذت أعداد هؤلاء السياح بالإرتفاع حتى إلى ما قبل الحرب الأهلية وبعد نهاياتها، وبلغت القمّة في الأعوام 2007 إلى 2010 حيث شكّل السوّاح السعوديين وعمُومًا الخليجيين الأساس من السواح الأجانب مع إنفاق عالٍ جدًا للسائح الواحد.
 
وأخذ اللبنانيون بالهجرة إلى المملكة للعمل فيها مُشاركين بذلكبثورة النفط، ومُستفدين منها عبر الخبرة التي قدّموها وما زالوا. وإزدادت أعدادهم إلى أن بلغوا ما يفوق الـ 300 ألف عامل.
 
يُصدّر لبنان إلى المملكةالمعدات الكهربائية والإلكترونية، الخضروات والفواكه والجوز وغيرها من المستحضرات الغذائية، الآلات، غلايات الماء، الكتب المطبوعة، الصحف، الصور، الأثاث، الإضاءة، العلامات، المباني الجاهزة، الأحذية، الجراميق وأجزاءها، الكاكاو ومحضرات الكاكاو، اللؤلؤ والأحجار الكريمة، المعادن، العملات، الزيوت الأساسية، العطور ومستحضرات التجميل، النحاس ومصنوعاته، الخضار الصالحة للأكل، جذور، درنات، المشروبات، الخل... وفي المقابل يستورد لبنان النفط ومُشتقاته من المملكة.
 
وبلغت قيمة الإستيراد اللبناني من المملكة 423 مليون د.أ في العام 2012، 440 في العام 2013، 415 في العام 2014، 380 في العام 2015 و310 في الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي. أما على عصيد التصدير، فبلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى المملكة 359 مليون د.أ في العام 2012، 346 في الـ 2013، 377 في الـ 2014، 356 في الـ 2015 و226 في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام. والنظر إلى هذه الأرقام، يُظهر الضعف النسبّي للتبادل التجاري نظرًا إلى هيكلية الإقتصادين السعودي واللبناني.
 
على صعيد الإستثمارات، شكّلت الإستثمارات السعودية في لبنان أكثر من 40% من مُجمل الإستثمارات العربية وتركّز مُعظمها في القطاع العقاري والفنادق والإتصالات وغيرها. وكانللوديعة السعودية بقيمة 2 مليار دولار أميركي في مصرف لبنان في أوائل التسعينات، الفضل الرئيسي في وضع أسس سياسة الثبات النقدي الذي يتمتّع به لبنان اليوم. 
 
في المقابل هناك إستثمارات لأكثر من 600 مُستثمر لبناني يستثمرون في المملكة في قطاعات المقاولات، والبناء والصناعات التحويلية وغيرها.وتوطيد العلاقات الإقتصادية بين البلدين تمّ تتويجه بإنشاء مجلس الأعمال اللبناني – السعودي الذي يهدف إلى تعزيز هذه العلاقات على كافة المُستويات الإقتصادية.
 
شهد العام 2011 تطورًا سلبيًا في العلاقات السعودية اللبنانية مع إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري والتي كان الردّ السعودي عليها سياسيًا وإقتصاديًا مع بدء تراجع الإستثمارات السعودية في لبنان. ومُنع السواح السعوديين من القدوم إلى لبنان على إثر خطف عدد من الرعايا الخليجيين في لبنان في العام 2013.
 
وساءت هذه العلاقات بشكل كبير في العامين الأخيرين مع تفاقم الأزمة السورية والإنخراط العربي واللبناني فيها، مما أظهر إلى العلن تباعد كبير في المواقف تترجم بوقف الهبة التي قامت المملكة العربية السعودية بتقديمها إلى القوى العسكرية اللبنانية. كما أن مواقف الديبلوماسية اللبنانية في جامعة الدول العربية أثّرت أيضًا على هذه العلاقة التي لم يستطع السياسيون الفصل بين شقّيها السياسي والإقتصادي.
 
التوافق على إنتخاب الرئيس ميشال عون أثّر إيجابيًا على هذه العلاقة خصوصًا مع تكليف الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة. وإذا كان من المُتوقع أن يقوم الرئيس عون بزيارة المملكة العربية السعودية في أوّل زيارة رسمية له خارج البلاد، فإن لهذه الزيارة تداعيات إيجابية كبيرة على الصعيد الإقتصادي.
 
هذه الزيارة لن تحصل قبل تشكيل الحكومة وبالتالي هناك حالة من الإنتظار تشهدها القطاعات الإقتصادية كافة كما تُظهره الأرقام. فمثلًا على صعيد التبادل التجاري لم تُظهر الأرقام أي ت
حسّن ملحوظ بين البلدين وذلك على الرغم من الإشارات الإيجابية التي تصدّر عن الطرفين. كذلك الحال على صعيد الإسثتمارات التي لم تشّهد أي تحسّن فعّلي (أقلّه لا يوجد مؤشرات لذلك). أما القطاع السياحي ومع حلول فصل الشتاء، لا يُمكن توقّع ارتفاع عدد السياح السعوديين بسبب حالة الطقس وبالتالي يجب إنتظارنهاية فصل الخريف وبداية فصل الصيف لمعرفة الإتجاه.
 
من هنا نرى أن عودة العلاقات الإقتصادية بين المملكة ولبنان مرهونة بزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى المملكة والمُتوقّعة بعد تشكيل الحكومة، كما وزيارة الرئيس سعد الحريري للمملكة كرئيس للحكومة اللبنانية. وبالإنتظار تتحمّس القطاعات الإقتصادية اللبنانية عبر لقاءات ومنتديات وتصريحات وغيرها في ظاهرة تُشير إلى رغبة القطاع الخاص القوية بعودة هذه العلاقات إلى سابق عهدها خصوصًا أن الإنفتاح السعودي على لبنان سيُترّجم بإنفتاح خليجي كامل مما سيعود بالفائدة على الاقتصاد اللبناني.