كلما تقدم العصر وتوالت الاكتشافات العلمية  والطبية ، كلما  زادت المخاطر وكبرت المسؤوليات الملقاة على اصحاب القرار  وراسمي السياسات ولاسيما منهم في المجال الصحي .

الا ان التحدي الأهم الواجب مواجهته  بمسؤولية  مجردة هو ضرورة التوفيق في ما بين الاستحصال الباكر على العلاجات الحديثة والفاعلة من جهة، والمحافظة على الجودة وضمان الجودة من جهة ثانية، والتمسك بسلسلة غير منقطعة من المسؤوليات من المنتج الى المواطن" من جهة ثالثة، وضبط الاستهلاك والكلفة من جهة رابعة.

والمستحضرات الصيدلانية جزء هام من الخدمات الصحية في لبنان والعالم العربي. ولقد تجاوزت نسبة الإنفاق عليها في لبنان الأربعين بالمئة من اجمالي الإنفاق على الصحة، وهي تشكل نصف ما تنفقه الاسر من موازنتها على الصحة كما يذكره مدير عام وزارة الصحة العامة الدكتور وليد عمار .

ويبقى التحدي القائم اليوم لمستوردي ​الادوية​ هو "تأمين الدواء الجيد بالكلفة المنضبطة والرقابة الصارمة". كيف يواجه مستوردو الادوية  هذا التحدي وما هي العقبات الموجودة ؟

ارمان فارس

رئيس نقابة مستوردي الادوية وأصحاب المستودعات في لبنان ارمان فارس يعتبر ان المؤسسات الصيدلانية المنتمية الى نقابة مستوردي الأدوية  ملتزمة بطريقة كاملة ونهائية بإيصال الدواء الجيّد المسجّل لدى وزارة الصحة العامة وفقاً للأصول، عبر سلسلة غير منقطعة من المسؤوليات "من المنتج الى المواطن" تضمن حسن شروط الشحن والتخزين والتوزيع، وبالأسعار التي تحددها وزارة الصحة العامة وفقاً لأسس التسعير المعتمدة قانوناً.

وإن قطاع الدواء في لبنان يأتي في المرتبة الثانية بعد القطاع المصرفي من ناحية قدرته على التنظيم والترتيب والمراقبة بالتعاون الكامل مع وزارة الصحة العامة.

هذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام، وإنما هناك الإرادة والآلية للتعاون في ما بين القطاع الخاص والعام لمعالجة كل الثغرات التي تظهر من وقت الى آخر عن طريق :

- العمل الجاد والمتواصل في ما بين المعنيين لتحديث النصوص التنظيمية كلما دعت الحاجة لمواكبة التطورات العالمية والاحتياجات الاقتصادية المحلية.

- القدرة على احتواء اي تسلّل او انزلاق بشكل سريع، مسؤول وفعّال من خلال تقوية الرقابة الذاتية وزيادة جهاز المراقبة العامة.

ويقول فارس " للاقتصاد " :كما أرى أنه من المهم والاساسي انشاء تعاون جاد وعميق في ما بين القطاعين العام والخاص من ضمن قواعد مهنية عليا ذات مصداقية دولية هدفها توطيد العلاقة في ما بين وزارة الصحة العامة والشركات المصنّعة للأدوية – إن كانت تصنّع الادوية المبتكرة أو الادوية الجنيسية.

اذاً هناك حاجة ملحّة لإدارة رشيدة لكلفة الدواء دون التساهل في موضوع "الجودة" و "ضمان الجودة" و سلسلة المسؤوليات المترابطة الحلقات  بدءاً من المصنّع ووصولا إلى المواطن .

ولكن هل ان  لبنان يطبق اصول التصنيع الجيد ونظام اعادة تسجيل الأدوية والدليل الإرشادي لأصول التخزين والتوزيع الجيد للأدوية؟

دقة التدقيق

هنا يوضح فارس ان قطاع الدواء يخضع لأسس تسجيل متطوّرة جداً تتضمّن بالطبع اعتماد اصول التصنيع الجيد على المصانع الأجنبية والعربية والوطنية.

إن مبدأ اعادة تسجيل الأدوية مطبّق وفق معايير دقيقة تسمح لوزارة الصحة العامة التأكد من أن نوعية الأدوية المسجّلة لا تزال على ما كانت عليه عند تسجيلها الأول.

كما أن الوزارة أخضعت كل المؤسسات المستوردة والموزّعة للدواء منذ بداية سنة 2016 للتدقيق من قبل مدقّقين مهنيين متخصصين بغية التحقق من أنها تطبّق الدليل الإرشادي لأصول التخزين والتوزيع الجيّد.

وعن اهمية ميثاق المعايير الأخلاقية لترويج الأدوية الذي هو ميثاق توافقي بين شركات الأدوية والمستوردينوالمصانع الوطنية ونقابات الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان ونقابة أصحاب المستشفيات الخاصة بالنسبة لجودة الدواء يقول :تم توقيع "ميثاق المعايير الاخلاقية لترويج الأدوية في لبنان وآليات الرصد والمراجعة" بتاريخ 31 ايار 2016 من قبل جميع المعنيين في مقر رئاسة مجلس الوزراء بحضور معالي وزير الصحة العامة الأستاذ وائل ابو فاعور ودولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ تمام سلام.قوة الميثاق ليست في أنه كامل أومثالي بل في أنه وليدة  إرادة مشتركة جامعة، قررت تطبيقه طوعياً وعملت على ارساء قواعد الرصد والمراجعة له.

الهدف المرجو من تطبيق الميثاق هو حصر المعايير التي يعتمدها الطبيب في وصفه للدواء أو الصيدلي في صرفه للدواء أو استبداله له بعد موافقة الطبيب والمريض، بالمعايير العلمية والعلاجية ومعايير الجودة والفعالية، دون غيرها من المعايير لا سيما تلك التي تبدي المصلحة المادية. ومن الطبيعي، في هذه الحال، أن تتصدّر الأدوية ذات الجودة والفعالية العلمية والعلاجية غير المشكوك بها، باقي الأدوية.

الصناعة الدوائية المحلية والاسوق المقفلة

الا ان المعطيات المتوافرة تلحظ ان الصناعة الوطنية للأدوية تخضع لمنافسة شديدة من الصناعات الأجنبية والعربية سيما ان  لبنان هو من اكثر البلدان العربية انفتاحا على الدواء العربي.

ماذا تشكل حصة الادوية العربية في السوق اللبناني ؟

ما هي العوامل التي تسهّل عملية دخول هذه الادوية الى لبنان؟

وهل صحيح ان تسجيل هذه الادوية في لبنان هو اكثر سهولة من تسجيل اللبنانية في السوق العربي ؟ ولماذا؟

يعتبر فارس إن مستقبل الصناعة الدوائية في لبنان مرتبط بقدرتها على اخضاع نفسها لمراقبة فعلية تسمح بتقييم جودة المواد الأولية المستوردة كما واخضاع نفسها لمقاييس التصنيع الجيد المعمول بها حاليا   (Current Good Manufacturing Practices - CGMP)  في جميع مراحل التصنيع design, installation, operation, performance qualifications  والموضوعة من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO) والإدارة الأمريكية  للمأكولات والأدوية (FDA) و مجموعة الدول الأوروبية. وهذه المقاييس تعتبر الحد الادنى لمراقبة الجودة وتضمن إزالة مخاطر التلوّث الناتجة من التصنيع المختلط (Cross Contamination Risks).

وهذا من شأنه تعزيز التعاون والشراكة في ما بين المصانع الدولية التي تعتمد صناعتها على الأبحاث والتطوير (R&D  facilities) مع المصانع اللبنانية كي تقوم بتصنيع ادوية متطوّرة باجازة under license، بما يؤمّن أحدث الأدوية و أكثرها تطوّرا للمريض اللبناني والعربي، بجودة عالية وكلفة أقل تساهم بشكل ملموس في تخفيض الفاتورة الدوائية.

اما  المشكلة الأساسية التي تعاني منها الصناعة اللبنانية  هي ايجاد الأسواق لادويتها كون البلدان العربية متقوقعة على بعضها البعض والصناعة اللبنانية تعاني الأمرّين قبل أن تتمكّن من الدخول الى أي بلد. وفي الوقت نفسه فإن لبنان، من منطلق نظامه الاقتصادي المبني على المبادرة الحرة وانفتاح الأسواق، يسمح تسجيل الأدوية العربية في لبنان دون أن يفرض على البلدان العربية المستفيدة من هذا الانفتاح أن تبادل لبنان بنفس المعاملة المنفتحة. ولا شك أنه من واجب السلطات اللبنانية أن تعمل الكثير لتصحيح الأمور في هذا المجال.

وتعقيبا على ما يتردد ان الدواء  يشكّل 7% من عجز الميزان التجاري. وماهي العوامل المساعدة على تحسينه يرى فارس انه مع تحسين قدرات الصناعة الدوائية الوطنية لتصبح محطة محورية هامة لتصنيع الأدوية للبنان والمنطقة، وبالتعاون الجدي في ما بين القطاع العام والخاص لإجبار بلدان المنطقة على قبول الأدوية المصنّعة في لبنان،لا شك أن الميزان التجاري في مجال الدواء سيتحسّن في الإتجاهين، تخفيض نسبة الأدوية المستوردة الى لبنان من جهة وزيادة نسبة الأدوية المصدّرة من جهة أخرى.

دمج واستحواذ شركات الادوية

وفي ما يتعلق بتوجهات صناعة الدواء في العالم اليوم وما هو انعكاسها على لبنان يقول :

إن هاجس القدرة على البحث والتطوير والتحديث والاكتشافات يستحوذ تفكير أصحاب القرار في شركات الأدوية العالمية.

لذلك فإن شركات الأدوية العالمية العملاقة تسعى إلى مواجهة التحديات المستقبلية بإمكانات وقدرات كبيرة، والبعض منها يقوم  بعمليات استحواذ أو دمج بأكلاف باهظة.

وإن  أدوية المستقبل  غالباً ما هي بيولوجية وذات  اسعار خيالية. كما أن التقدم التقني في وسائل التشخيص المبكر والسريع للامراض ، وهي ظاهرة تقنية وعلمية ايجابية جداً اذ تسمح للجسم الطبي معالجة عدد اكبر من المرضى- انما تطور هذه التقنيات  يفرض قدرات مهنية متطورة ويزيد كلفة العلاجات. علينا الاستفادة من التطورات التكنولوجية والعمل على ضبط مفاعيلها السلبية على الفاتورة الدوائية.

من هنا نجد أن التحدي الذي يواجه شركات مستوردي الأدوية في لبنان كبير جداً أيضاً، إذ يجب أن نلعب دور الوسيط بين المصنّع والمريض، أن نكون حلقة الوصل الاساسية القادرة على القيام بمهامها على أفضل وجه ومن دون أية أخطاء. يجب أن يدرك الجميع أن لا امتيازات موجودة في قاموسنا، فامتيازنا هو قدرتنا على أداء الخدمة المطلوبة وفق أفضل الشروط والمعايير والجودة.