تخطّى الدين العام اللبناني رسميًا عتبة الـ 75 مليار دولار أميركي – أي 150 من الناتج المحلّي الإجمالي. هذا الأمر يُهدّد التصنيف الإئتماني للبناني ويجعل عملية الإقتراض في الأسواق اللبنانية أصعب. ومراقبة أسعار الـ 5Y CDS يوصل إلى الإستنتاج أن الأسواق أصبحت تهاب هذا الدين.

بلغ الدين العام اللبناني حتى شهر أيلول من العام 2016، 74.7 مليار دولار أميركي بحسب أرقام وزارة المال. وبالتالي أصبح الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي 150 ليحتلّ لبنان بذلك المرتبة الثالثة عالميًا من ناحية المديونية العامّة. وتُشير الأرقام إلى أن العام 2013 كان الأسوء من ناحية ارتفاع الدين العام حيث شهد إرتفاعًا بقيمة 5.8 مليار دولار أميركي. ومن المُتوقع أن يكون العام 2016 بمستوى العام 2013 مع ارتفاع يوازي الـ 5.5 مليار دولار. أما العام 2017 فمن المُـتوقع أن تفوق فيه زيادة الدين العام الـ 7 مليار دولار أميركي ونفس القيمة في العام 2018. ليكون بذلك حجم الدين العام في نهاية العام 2018، 90 مليار دولار أميركي.

هذه الأرقام الكارثية تُشير إلى غياب الخطط الحكومية للجم الدين العام حيث أن وزير المال الحالي يكتفي (بحكم الطائف الذي حدّ من صلاحياته لصالح مجلس الوزراء) بالتشدّد بالإمضاء على الإنفاق الجاري. لكن هذا الإجراء ليس بالكافٍ بحسب النظرية الإقتصادية ويتوجبّ وضع خطّة فعلية للجم العجز!!

على صعيد الأسواق، نرى أن مقايضة الإئتمان الإفتراضي للديون السيادية لخمس سنوات (5Y CDS)، إرتفع من أدنى مُستوى له في أوائل العام 2010 مع 231 نقطة إلى 560 نقطة في 30 تشرين الثاني 2016. وبالتالي فإن كلفة الحماية من خطر الدين العام اللبناني تضاعفت بنسبة 242 !

وهنا يُطرح السؤال عن التدعيات لهذا الإرتفاع في مقايضة الإئتمان الإفتراضي للديون السيادية لخمس سنوات؟

أولًاعلى صعيد أسعار الفائدة: من المعروف في النظرية الإقتصادية أن ارتفاع المخاطر (أي ارتفاع أسعار الـ CDS) يؤدّي حكمًا إلى رفع أسعار الفائدة. وقد يكون على هذا الصعيد الضجّة التي أثارتها جمعية المصارف حديثًا حول وضع الليرة، هدفها الأساسي هو الضغط على حاكم مصرف لبنان – الذي يمسك بيدٍ من حديد هذا القطاع – لدفعه إلى القبول برفع الفوائد.

ثانيًاعلى صعيد التصنيف الإئتماني: من البديهي القول أن ارتفاع الدين العام يؤثرّ سلبًا على قدرة الدولة على إحترام إلتزاماتها المالية. هذا الأمر تأخذه وكالات التصنيف الإئتماني (مثل ستندرد اند بورز، موديز، وفيتش) بعين الإعتبار في عملية تقييم القدرة المالية للدولة صاحبة السندات.

ثالثًاعلى صعيد تمويل الاقتصاد: إن زيادة الدين العام تزيد من سعر الفائدة وتُقلّل من التصنيف الإئتماني وبالتالي هناك إتجاه إلى رفع كلفة تمويل الاقتصاد بحكم رفع الفائدة وبحكم المنافسة بين الدولة والقطاع الخاص على أموال المصارف.

رابعًاعلى صعيد ملاءة المصارف: إن الإقتصادات المُتطورة تلتجئ حكمًا إلى الأسواق المالية لتتموّل، أما الإقتصادات في طور النمو فإنها تتجه إلى القطاع المصرفي للتموّل وهذا حال لبنان. من هذا المُنطلق، يأتي تعرّض القطاع المصرفي للديّن العام ليؤثّر سلبًا على ملاءة هذا القطاع.

المُشكلة التي تُطرح على هذا الصعيد، أن لبنان آت على إستحقاقات مالية هائلة في العامين 2017 (7.9 مليار دولار أميركي) و2018 (7.3 مليار دولار أميركي)، فكيف للبنان أن يُموّل هذه الإستحقاقات مع تراجع الاقتصاد وتردّي المالية العامّة؟

لا تملك الحكومة اللبنانية الكثير من الخيارات بحكم ماليتهاالعامّة المُتآكلة التي لا تسمحّ لهابالذهاب إلى الأسواق المالية. فهذه الأخيرة لا ترحمّ وتفتح الأبواب أمام المُضاربين (Hedge Funds) المُستعدّين لكسر دولة لحساب مصالحهم الخاصة. وبالتالي لا يوجد أمام الحكومة إلا عدد من الخيارات المحدودة منها:

(1) الإلتجاء إلى المصارف مع ما قد تفرضه من شروط على سعر الفائدة وبالتالي رفع الكلفّة – أي خدمة الدين العام؛

(2) الإلتجاء إلى مصرف لبنان الذي يمتلك القدّرة على توفير التمويل من المصارف ومن إحتياطاته؛

(3) الإلتجاء إلى صندوق النقد الدولي أو دول أخرى (مثل مؤتمر باريس) لتأمين المبالغ المطلوبة. لكن هذا الخيار سيفرض حكمًا إصلاحات لا يظهر أن الدولة اللبنانية قادرة على تنفيذها؛

(4) خصخصة أملاك عامّة (بيعها) لتأمين مداخيل. لكن هذا الخيار سيء جدًا بحكم أن الفساد المُستشّري سيلعب ضد مصلحة الدولة والمصلحة العامّة.

ويبقى الخيار الثاني أي الإلتجاء إلى مصرف لبنان الخيار الأفضلّ والأنسب للبنان في ظل الوضع الحالي. فحاكم مصرف لبنان له القدرة على تمويل قسم من سندات الخزينة اللبنانية (أقلّه من خلال الإحتياطي الذي شكّله الصيف الماضي) والقسم الأخر سيفرض على المصارف تمويله من خلال شروط يفرضها على المصارف وليس العكس.

مهما كان الخيار الذي ستتخذّه الحكومة اللبنانية لتموّل إستحقاقاتها المالية، فإن تنفيذ إصلاحات إقتصادية وإدارية هو أمر ضروري وأساسي. لأن العكس يعني أنها تؤجّل المُشكلة وما لذلك من تداعيات سيئة.

من هذا المُنطلق نرى أنه على حكومة الرئيس تمّام سلام الإستمرار في الاجتماع للبتّ بالملف المالي للدّولة اللبنانية وخصوصًا إستحقاقات العام 2017 وموازنته على أن تُكمل المسيرة حكومة الرئيس الحريري حين يتمّ تشكيلها.