- على النقيض مما يُقال، فإن فوز دونالد ترامب لا يشكل خرقاً جوهرياً، على الأقل بالنسبة للأسواق المالية. فليس ثمة سبب يحمل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على تأجيل رفع أسعار الفائدة المتوقع في ديسمبر؛

- إلا أن خطراً ما يمكن أن يخفي في طياته خطراً آخر. فالتهديد الحقيقي لنهاية هذا العام يأتي في الواقع من إيطاليا التي قد تغرق مجدداً في انعدام الاستقرار السياسي إذا ما خسر رئيس الوزراء رينزي الاستفتاء الدستوري الذي سيتم في الرابع من كانون الاول.

- كما أن شهر كانون الأول هو أيضاً أفضل وقت في السنة لتوزيع النقاط الجيدة والسيئة. فمحاولات اليابان للخروج من أزمتها الاقتصادية لم تُكلل بالنجاح، وستكون تلك الدولة الخاسر الأكبر لعام 2017. أما بولندا، فقد أخطأت عندما قررت خفض سن التقاعد، وهو إجراء لم يتم احتسابه ضمن الميزانية وسوف يؤدي في النهاية إلى ارتفاع نسبة الضريبة. وأخيراً، تعلمت مصر درساً قاسياً: الاقتصاد الضعيف يحتاج إلى عملة ضعيفة. وقد باتت الآن تتحرك بالاتجاه الصحيح.

التطلعات العالمية: فوز ترامب لا يشكل خرقاً جوهرياً

السؤال الذي يتناقله العديد من المستثمرين هو ما إذا كان فوز دونالد ترامب يشكل خرقاً فعلياً من منظور الأسواق المالية. والجواب حتى الآن هو لا. لا يستطيع أحد تحديد الإجراءات التي سيتخذها الرئيس المنتخب بعد استلام منصبه، ولا حتى هو نفسه. إلا أنه ومن أجل تحقيق برنامجه الإنعاشي القائم على النظرية الكينزية في الاقتصاد (500 مليار دولار أميركي تستهدف البنى التحتية)، فسيكون عليه تحمل المزيد من الديون الحكومية لتمويل ذلك البرنامج. وفي ظل هذه الظروف، سيكون على دونالد ترامب بالتأكيد أن يحنث بوعده برفع الرسوم ضد الصين لأن الدولة التي تعتبر المالك الرئيسي لسندات الخزينة الأمريكية (1157 مليار دولار أميركي كما في أيلول الماضي) قد تقرر خفض مشترياتها في حال اتخاذ خطوات عدائية بحقها من جانب الحكومة الأميركية. إن مستوى الديون العالي الذي تتحمله الولايات المتحدة يجعلها معتمدة بشكل كبير على كرم المستثمرين الأجانب. وبالتالي، فإن تطبيق إجراءات حمائية على مستوى شامل هو أمر مستحيل. والسيناريو الذي يبدو الأكثر مصداقية هو رفع الرسوم لبعض المنتجات المستهدفة، الأمر الذي قد يرضي القاعدة الانتخابية لدونالد ترامب ويكون له ميزة تفادي الدخول في حرب تجارية مع آسيا. كما أن إعادة مفاوضة بعض المعاهدات التجارية مثل اتفاقية نافتا(اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية) قد تكون خياراً آخر. إلا أن الولايات المتحدة ستغامر عندها بإعادة فتح صندوق باندورا لأنهم ليسوا الوحيدين الذين لهم الحق في التجارة، بل المكسيك وكندا أيضاً.

لقد اختفى تأثير ترامب على الأسواق المالية بسرعة كما كان متوقعاً. والمثير للاهتمام هو أن إيطاليا وإسبانيا تبدوان أكثر عرضة للشعبوية من أي مجتمع غرب أوروبي آخر. فبعد فوز ترامب، ارتفعت عوائد السندات الإيطالية لمدة عشر سنوات بمقدار 35 نقطة مئوية بينما ارتفعت عوائد السندات الإسبانية لعشر سنوات بمقدار 27 نقطة مئوية قبل أن تتراجعا بشكل طفيف بعد ذلك. وهذا مؤشر خطير لهاتين الدولتين حيث أن الخطر السياسي يبقى عالياً جداً في أوروبا خلال الأشهر المقبلة وذلك بسبب الاستفتاء الإيطالي والانتخابات الرئاسية في النمسا واللذان سيحدثان في الرابع من ديسمبر، بالإضافة إلى الانتخابات العامة في هولندا في آذار 2017 التي ستؤدي لتقدم حزب الحرية برئاسة جريت وايلدرز.

أما بالنسبة للمناخ المالي، فهو لم يتغير بشكل كبير في الولايات المتحدة منذ التاسع من تشرين الثاني. فلا زال كل من المؤشر القومي للأحوال المالية (NFCI) والمؤشر القومي المعدّل للأحوال المالية (ANFCI) والذي يعتبر أكثر موثوقية، كلاهما أقل من مستويات كانون الأول 2015 عندما قام الاحتياطي الفيدرالي برفع معدل الفائدة بمقدار 25 نقطة مئوية.

ولعل أثر ترامب الحقيقي، فيما هو أبعد من الارتفاع السطحي والمؤقت في مؤشرات أسواق الأسهم العالمية، هو أنه رفع توقعات المستثمرين بالتضخم. إذ يراهن السوق على أن سياسات ترامب المالية التوسعية وإجراءاته التجارية الحمائية والضوابط التي سيفرضها على هجرة العمالة سترفع من معدل التضخم إلى حد كبير أثناء فترة رئاسته. ونتيجة لذلك، فقد ارتفع معدل التضخم الاتزاني للولايات المتحدة لشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة ليصل إلى 1.97% عند 3 سنوات و2% عند 5 سنوات. وتؤيد توقعات التضخم على مدى الخمس سنوات المقبلة هذا التوجه حيث أنها ارتفعت من 2.14% في بداية تشرين الثاني إلى 2.46% في الوقت الحالي.

ويمكن المجادلة بأن أثر ترامب على التضخم يمكن ألا يحدث على الإطلاق، ولكن يجب ألا ننسى أن التوجه الضمني الذي يفسر معظم الزيادات في توقعات التضخم هو مرتبط في الحقيقة بأسعار السلع العالمية الأعلى (+0.58% في أكتوبر 2016 مقارنة بتشرين الأول 2015) والخروج البطيء للصين من التضخم (وصل مؤشر سعر المُنتج إلى +1.2% في أكتوبر مقارنة بالسنة السابقة).

الولايات المتحدة: الطريق واضح أمام الاحتياطي الفيدرالي

إن فوز ترامب لن يغير من قواعد اللعبة بالنسبة لسياسات النقد الأميركية. والفرصة مفتوحة أمام الاحتياطي الفيدرالي حتى شباط 2018، الذي هو نهاية فترة رئاسة جانيت يلين، كي يستمر برفع أسعار الفائدة. وليس هناك احتمال في تغيير جانيت يلين قبل هذا الموعد، فالرئيس الأميركي لا يمكنه استبدال عضو في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة إلا بموجب مادتين فقط في القانون، أولاهما تستوجب حدوث "سوء تصرف خطير". ولكن، وبالرغم من أن هذا البند القانوني يمكن تفسيره بعدة أوجه، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أن جانيت يلين ارتكبت مثل هذا الجُرم. أما الوسيلة الأخرى التي يمكن لدونالد ترامب استخدامها هي الإبقاء على جانيت يلين كرئيس لمجلس المحافظين مع تقليص دوره. ولتحقيق ذلك، لا بد من تعديل تشريعات البنك المركزي الأمر الذي يستوجب الحصول على أغلبية بسيطة في الكونغرس وموافقة الرئيس. ومع ذلك، ليس من المرجح أن يحصل مثل هذا القرار على تأييد الحزب الجمهوري.

وبالتالي، فإن عملية تطبيع سياسات النقد الأميركية لن تتأثر في الغالب بالتغييرات السياسية في واشنطن. وقد يكون رفع معدلات الفائدة في كانون الاول (بمقدار قد يصل إلى 25 نقطة مئوية كحد أعلى) حدثاً غير مهم لأن السوق قد استعد له بالفعل، وخاصة مؤشر الدولار الذي ارتفع بما يقارب 4% منذ نوفمبر. وتؤكد كافة البيانات (بما فيها قاعدة تايلور وتوقعات المستثمرين) بأن الاحتياطي الفيدرالي سيقوم برفع معدلات الفائدة في اجتماعه المقبل. وتشير قاعدة تايلور (التي أثبتت فاعليتها كأداة للاحتياطي الفيدرالي منذ أوائل التسعينيات) إلى أن الوسيط الوزني لمعدل الفائدة يجب أن يكون أعلى من 2% بقليل في نهاية فترة رئاسة جانيت يلين.

إلا أن هذا المستوى النظري لا يزال غير كافٍ لمواجهة التباطؤ الاقتصادي الحتمي في الولايات المتحدة، حيث تؤكد أحدث المؤشرات بأن الاقتصاد في وضع سليم ولكنه يقترب من نهاية دورة الأعمال. وقد وصلت مبيعات التجزئة إلى أعلى حد خلال العامين الماضيين ولكن مبيعات المتاجر متعددة الأقسام مستمرة بالانخفاض. بالإضافة إلى ذلك، فقد استعاد مؤشر استبيان المصنّعين من إمباير ستيت قوته ولكن مؤشرات التوظيف أكثر سلبية وقد انخفضت نسبة التفاؤل. لقد مر 35 فصلاً منذ آخر تراجع اقتصادي. وفيما عدا الرقم القياسي الذي حققه الاقتصاد (40 فصلاً خلال العهد الذهبي لكلينتون)، فإن الولايات المتحدة ستواجه ركوداً جديداً في عهد ترامب. وقد يكون البرنامج الاقتصادي القائم على النظرية الكينزية المقترح من قبل الرئيس المنتخب عاملاً جيداً في تنشيط الاقتصاد في الفترة التي ستكون هناك حاجة ماسة إلى ذلك، وخاصة إذا لم يكن لدى الاحتياطي الفيدرالي متسع لخفض معدلات الفائدة وطمأنة المستثمرين.

أوروبا الغربية: الكابوس الإيطالي

المشكلة الحقيقية بالنسبة للمستثمرين على المدى القريب لا تكمن في الخوف من الركود في الولايات المتحدة، بل من عودة المخاطر السياسية في إيطاليا. ويعتبر الأسبوع الأول من كانون الأول الأكثر خطورة بالنسبة لتلك الدولة ولأوروبا. فهناك بالفعل حدثان سيقعان في نفس الوقت قد يؤديان إلى زيادة التقلب في السوق: الاستفتاء الدستوري في الرابع من كانون الأول ومحاولات إعادة رسملة "بنك مونتي دي باسكي" التي قد تعيد إلى الأذهان المخاوف حول القطاع المصرفي الأوروبي في حال فشلها.

وتشير آخر استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها قبل الاستفتاء إلى أن اللعبة لم تنتهِ بعد. فالتصويت بـ "لا" لا زال يتصدر بنسبة 42% من نوايا التصويت مقابل 37% للتصويت بـ "نعم".

ولكن، وكما كان الحال وقت الاستفتاء في المملكة المتحدة، فإن المصوتين الإيطاليين الذين لم يحددوا وجهتهم بعد (ونسبتهم 21% من نوايا التصويت) سيكونون هم الفيصل في التصويت. في منتصف تشرين الثاني، تلقى رئيس الوزراء رينزي دعماً غير متوقع من بروكسل. فإيطاليا، التي لا يُتوقع أن تكون قادرة على سد أهداف العجز لديها سواء هذا العام أو عام 2017 سوف تكون على الأرجح المستفيد الرئيسي من تغيير رأي الاتحاد الأوروبي حول التحفيز المالي. إلا أن هذا قد لا يكون كافياً لفوز الحزب الديمقراطي في الاستفتاء بسبب ارتفاع مستويات الشعبوية والمشاعر المناهضة للمؤسسات الحكومية في كامل أوروبا وخاصة في إيطاليا.

وإذا ما أُجبر رئيس الوزراء رينزي على الاستقالة وفشلت محاولات إعادة رسملة بنك مونتي دي باسكي، فإننا نتوقع أن ترتفع فروقات سعر العملة بالنسبة لإيطاليا بعشرات النقاط المئوية وأن تدخل تطلعات تصنيف إيطاليا الائتماني في الجانب السلبي (تصنيفها حالياً هو BBB- مع تطلعات مستقرة حسب ستاندرد آند بور).

إلا أن خطر انتقال هذه العدوى إلى دول أوروبية أخرى محدود نظراً لثلاثة أسباب رئيسية:

1) حجم الديون غير المسددة في القطاع المصرفي الإيطالي هو 400 مليار يورو تقريباً إلا أنه استقر خلال الأشهر الأخيرة الماضية، وهذا مؤشر إيجابي. ومن أصل مجموع الديون المذكور، هناك 10% فقط تمثل خطراً فعلياً مباشراً. كما أن جزءاً كبيراً من الديون غير المسددة يرتبط بالعادة السيئة التي تمارسها جهات القطاع العام الإيطالي في تأخير الدفع للموردين؛

2) إذا ما انتقلت عدوى الانهيار السياسي والمصرفي من إيطاليا إلى أوروبا، فلا زالت لدى البنك المركزي الأوروبي أسلحة لمواجهة تلك العدوى. فبإمكان البنك المركزي إما أن يطلق عمليات موجّهة لإعادة التمويل طويل الأجل (TLTRO) لمساعدة القطاع المالي الإيطالي أو أن يقوم بتفعيل برنامج شراء السندات السيادية (التعاملات النقدية المباشرة) في أسوأ الأحوال؛

3) خلال السنوات القليلة الماضية، كان السبب الرئيسي الذي يفسر التقاعس عن شراء أسهم في البنوك الأوروبية مرتبطاً بمعدلات الفائدة المنخفضة. والآن، ومع ارتفاع عوائد السندات السيادية نتيجة لارتفاع توقعات التضخم، أصبح لدى المستثمرين سبباً جيداً لشراء أسهم البنوك. وهذا التغيير يجعلهم أكثر مرونة إزاء المخاطر الإيطالية مما كانوا عليه قبل أشهر قليلة.

في الحقيقة، ليست مشكلة البنوك الإيطالية سوى الشجرة التي تخفي خلفها غابة بأكملها، حيث بقيت إيطالياً خاملة لما يزيد عن عشرين عاماً. وبالرغم من الدعم الشعبي الذي حظي به رئيس الوزراء رينزي عند استلامه لمنصبه، إلا أنه لم ينجح في عكس اتجاه الاقتصاد المتدني مما أدى إلى ارتفاع نسبة الشعبوية. وهناك رقم واحد يوضح مدى فداحة الفشل الاقتصادي الإيطالي: فلم يرتفع الناتج المحلي الإجمالي قيراطاً واحداً خلال الخمسة عشر عاماً الماضية. 15 عاماً بلا تنمية! لا شك بأن مشاكل القطاع المصرفي سوف تُحل، ولكنها ستعود مرة أخرى إن عاجلاً أم آجلاً إذا لم تنجح الدولة في رفع معدلات التنمية.

آسيا والمحيط الهادي: الرهان الخاسر لليابان

الخاسر الثاني لهذا العام، المتقدم على إيطاليا بمراحل، هي اليابان. فقد فشلت الابتكارات اليابانية في مجال السياسات النقدية وخطة التحفيز الحكومية الجديدة المُعلن عنها آب الماضي في أن تؤتي ثمارها (مجدداً). فقد بقيت الأصول الرئيسية اليابانية منذ بداية هذا العام ضمن المنطقة الحمراء (أي الجانب المدين): الدولار/الين -9%، نيكاي -6%، توبيكس -8%، عوائد السندات لمدة عامين -0.1%، عوائد السندات لمدة 10 سنوات -0.2%، عوائد السندات لمدة 30 عاماً -0.7%. وهذا دليل على أن المستثمرين لا ثقة لديهم بقدرة اليابان على الخروج من الركود بشكل دائم.

كما أن قيام البنك المركزي بتأجيل الوصول إلى معدل التضخم المستهدف إلى ما بعد نيسان 2018، المتوافق مع نهاية فترة رئاسة هاروهيكو كورودا، هو اعتراف بالفشل. التضخم هو أمر حاصل ولكنه لا يستطيع الاستمرار من تلقاء نفسه لأنه لا يؤثر على كامل الاقتصاد. فقد ساهمت الشركات الكبرى بشكل عام بارتفاع الأجور خلال السنوات الأخيرة (معدل الزيادة هذا العام هو 2.14% مقارنة بـ 2.38% قبل عام؛ ويُعزى التباطؤ الحالي بشكل رئيسي لارتفاع الين الياباني الأمر الذي كان له أثر على الأرباح). ولم تشارك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في هذه اللعبة لأنها مُنعت من ذلك. فقد وافقت الشركات الكبرى على رفع الأجور ولكنها سعت لاسترداد هوامش الربح من خلال إجبار مورديهم على المحافظة على انخفاض الأسعار، الأمر الذي منع هؤلاء الموردين من إحداث أي زيادة تذكر في أجورهم. مشكلة اليابان ليست مالية، بل سياسية. وعلى رئيس الوزراء آبي استغلال الدعم التام الذي يحظى به من حزبه كي يجبر الكيريتسو على توظيف الاحتياطي النقدي الهائل لديهم لتخفيف الضغط على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والاستثمار. ويعتبر هذا واحداً من الخيارات القليلة الباقية لتصحيح مسار التضخم.   

أوروبا الوسطى والشرقية: خطأ بولندا

ليست اليابان وإيطاليا الدولتان الوحيدتان الواقعتان في أزمة مع حلول نهاية هذا العام. فقد ارتكبت بولندا، التي طالما كانت نموذجاً يُحتذى به في التطوير الاقتصادي، خطأً قد يكلفها الكثير. فقرار خفض سن التقاعد من 67 إلى 65 للرجال وإلى 60 للنساء هو إجراء ذو شعبية، ولكن في ظل الظروف الراهنة، هو ليس من ضمن الميزانية وسوف يؤدي في نهاية المطاف إلى رفع نسبة الضريبة. وقد يؤدي ذلك بدوره إلى إضعاف إنفاق المستهلك وهو الحافز الرئيسي للنمو، بينما يواجه قطاع الإنشاءات تباطؤاً كبيراً على مدار عدة أشهر مع انخفاض الاستثمار دون مستوياته المعتادة بسبب تباطؤ اندماج الأموال الأوروبية.

وكمعظم دول أوروبا الوسطى والشرقية التي تمر بفترة انخفاض في نمو إجمالي الناتج المحلي، تعتبر بولندا هذه المرحلة مرحلةً انتقالية. إلا أن هذا أبعد ما يكون عن التأكيد. فكافة مؤشرات الثقة الاقتصادية (ما عدا ثقة المستهلك) إما تمر بفترة ركود أو تراجع بسيط مثل مؤشر الثقة الصناعية.

فالاقتصاد يمر بحالة من التباطؤ والأرجح هو أن هدف النمو الذي ترجو الحكومة تحقيقه هذا العام بنسبة 3.4% (مقارنة بالتقديرات الماضية بنسبة 3.8%) أصبح صعب المنال. ويبدو نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3% تقريباً هذا العام أكثر مصداقية. وفي ظل هذه الظروف، فإن رفع معدل الفائدة المتوقع من قبل البنك المركزي البولندي لن يحدث في القريب العاجل. وإذا ما استمر التباطؤ الحالي، وهو أمر ممكن، فقد يُضطر المحافظ جلابينسكي للتفكير بخفض معدلات الفائدة في عام 2017.

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: درس صعب لمصر

وأخيراً، في إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هناك دولة واحدة ذات أداء جيد نهاية هذا العام وتبدو قد تعلمت من دروس الماضي وهي مصر. فقد قررت الدولة التخلي عن ربط عملتها بالدولار في بداية نوفمبر مما أدى إلى انخفاض في قيمة الجنيه المصري وصل إلى 100% تقريباً في السوق الرسمية.

وكان ذلك شرطاً وضعه صندوق النقد الدولي كي يوافق على منح تسهيلات ائتمانية بقيمة 12 مليار دولار أميركي. وهذا يعني على المدى القريب ارتفاع معدلات التضخم (بالنظر إلى أنه ارتفع بالفعل بعد انعدام القيمة الذي حدث في آذار) وخطر أعلى لحدوث اضطرابات اجتماعية. إلا أن هذا هو الخطر الأقل حيث أنه لا خيارات أخرى أمام مصر الآن. فقد دفع الاقتصاد ثمناً باهظاً للربط بالدولار الأميركي حيث أن الربط يعني استمرار سياسة نقدية مقيِّدة أدت إلى الحد من الطلب الكلي. وسوف يتيح تعويم الجنيه المصري إعادة الطلب المحلي على المدى المتوسط وتطوير الاقتصاد بشرط قيام الحكومة بتطبيق إصلاحات أخرى مثل خفض العقبات التجارية وخصخصة الشركات العامة اللذان أثبتا عدم كفاءتهما أو إنتاجيتهما في النظام الحالي. ويبدو أن مصر قد فهمت المبدأ الرئيسي للاقتصاد وهو أن الدولة ذات المؤسسات السياسية الضعيفة والاقتصاد الضعيف يجب أن يكون لديها عملة ضعيفة. وعلى البنك المركزي أن يتجنب التدخل في السوق الأجنبية لرفع الجنيه. بل يجب أن تكون أولويته الأولى منذ الآن هي الحفاظ على سعر صرف ثابت بحوالي 17 جنيه مصري مقابل الدولار الأميركي.