تعرّض الاقتصاد اللبناني لأزمات سياسية وأمنية عدة منذ العام 2011 على الأقل، أدّت الى تدهور خطير في المؤشرات كافة. ولكن بوادر الأمل والانفراج بدأت تتشكّل، مع انتهاء الفراغ الرئاسي، وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الأولى في العهد، والتحضير لإجراء الإنتخابات النيابية.

هذا التغيير السياسي أدى إلى إحداث نقلة نوعية أسهمت في قلب الوضع القائم، وبات اللبناني يرى "الضوء في نهاية النفق"؛ فتغيّرت الآراء والتوقعات والتحليلات التي تقيّم الحالة الإقتصادية للبلاد، والتي كانت مخيفة وكارثية ومتشائمة في الماضي، وتحوّلت في الآونة الأخيرة من السلبية إلى الإيجابية. فالأحاديث المتناقلة على الساحة الداخلية اليوم، مليئة بالتفاؤل والتمنيات بأن يستعيد الاقتصاد اللبناني نموه، وأن يكون العهد الجديد مدخلا نحو "لبنان الأفضل".

فما هي التوقعات بالنسبة إلى المرحلة المقبلة؟ وهل ستنتعش الأسواق خلال شهر كانون الأول في ظل الأجواء الإيجابية التي تخيم على لبنان؟ وما هو الدور الذي يجب أداؤه حاليا من أجل تحسين العلاقات مع الخليج؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها الدكتور في الإقتصاد والمال، الخبير الإقتصادي ​غابي بجاني​، في مقابلة خاصة مع "الاقتصاد":

- توقع معهد التمويل الدولي أن يبلغ صافي التحويلات المالية الخاصة غير المقيمة إلى لبنان، 4.5 مليار دولار في العام 2016، ما يمثل زيادة بنسبة 2.9%عما كان عليه في العام 2015، أي 5.2 مليار دولار. ما رأيك بهذه الأرقام؟ وما هي برأيك أسباب هذا الإرتفاع؟

العهد الجديد أدى إلى إحداث أثر نفسي وسيكولوجي، فبعد استمرار الفراغ لحوالى سنتين ونصف، بات لدينا رئيس، كما يتم العمل على تشكيل حكومة جديدة. وهذا الأمر يبعث على التفاؤل لدى المقيمين وغير المقيمين.

فالمغترب اللبناني يهمه دائما الاستثمار في لبنان، لأن الأموال التي يستثمرها في الخارج تكون بالعادة، بفوائد ضئيلة جداً، وبالتالي لا يحصل اللبناني المستثمر على إمكانية الحصول على عوائد مرتفعة على أمواله، في حين أن العوائد أكبر في لبنان.

واليوم لدينا طاقات إغترابية كبيرة، لذلك أشجع بشدة الجولات التي يقوم بها وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، في أميركا اللاتينية، وخاصة في البرازيل، لأن هذه العوامل هي بمثابة تحفيز للمغترب، لكي يستثمر في لبنان.

لذلك من الطبيعي أن تكون الأرقام إيجابية، فاليوم هناك حافز أكبر لغير المقيمين، لكي يُدخلوا أموالهم إلى لبنان. كما أن التوافق السياسي الحاصل على الساحة الداخلية، يؤدي إلى انتعاش اقتصادي، وإلى انعكاسات إيجابية بالنسبة إلى المستثمرين غير المقيمين.

فإذا توحدت العوامل الإيجابية كافة، وبات لدينا "هجمة تفاؤلية" على لبنان، ستدخل الأموال بشكل هائل إلى لبنان. لذلك أنا متفائل إلى أقصى الحدود طالما أن التوافق السياسي موجود.

- هل ستؤدي الأجواء الإيجابية التي تخيّم على لبنان منذ فترة، إلى انتعاش الأسواق خلال موسم الأعياد القادم؟

وجود ثبات سياسي في لبنان، سيؤدي إلى انخفاض عامل البلبلة على أصعدة عدة، وعندما يحصل التوافق السياسي، سنشهد ارتياحاً في الجو العام، وستعود الثقة.

لكن هذا التوافق لا ينشّط الأمور بنسبة 100%، بل هناك مواضيع أخرى بحاجة إلى انتعاش ونمو إقتصادي. وبشكل عام، فإنّ التوافق الحاصل في هذه المرحلة يؤدي إلى نوع من الإزدهار. إذ إن هناك العديد من اللبنانيين المغتربين الذين سيأتون إلى لبنان لتمضية فترة الأعياد، وسنشهد زحمة كبيرة خلال شهر كانون الأول.

ولا بد من الإشارة إلى أنه رغم زحمة السير التي سنعاني منها بسبب غياب البنى التحتية المناسبة، سنشهد انتعاشاً إقتصادياً، وستسجل المراكز التجارية أرقاماً إيجابية وجيدة نسبة إلى المبيعات، بالمقارنة مع السنوات الماضية.

- إلى أي مدى يجب التركيز حالياً على موضوع تحسين العلاقات مع دول الخليج من أجل إعادة تنشيط القطاع السياحي الذي يعتبر واحداً من الأركان الأساسية في الإقتصاد الوطني؟

السائح الخليجي لا يحتاج إلى دعوة من أجل المجيء إلى لبنان، رغم الانقطاع الذي كان حاصلاً في الماضي، سيعود الخليجيون قريباً للتدفق إلى لبنان، وذلك في ظل الإنفتاح السياسي للسعودية وقطر على لبنان. وبالتالي "سيزيد الخير خيرات"، حيث إن لبنان لا يزال الوجهة الأولى للخليجيين، لذلك أرى الأمور إيجابية من ناحيتي.

وأنا متفائل جدا من المرحلة المقبلة، لأننا مررنا بأسوأ المراحل خلال السنوات الماضية، ونشكر الله لأننا حافظنا على بصيص الأمل بحصول التوافق السياسي. فإذا تم تشكيل الحكومة قبل الأعياد، ستزيد نسبة التفاؤل أكثر فأكثر.

- هل تكفي الصدمة الإيجابية لتشكيل الحكومة على انتعاش الأسواق؟ أليس من المفترض عليها أن تنظر إلى الملف الإقتصادي؟

الملف الإقتصادي مشعّب للغاية، والمدخل إلى الإصلاح الإقتصادي في لبنان هو التوافق السياسي. وإذا وُجد هذا الأخير- ولو بحده الأدنى - سيؤدي إلى فتح الملفات الإقتصادية، وأولها ملف الفساد؛ حيث إن هناك هدر كبير في لبنان، ومن أسبابه غياب الموازنة العامة، ما يؤدي إلى صرف عشوائي بحسب الأساليب المعتمدة التي تشجع الفساد. وإذا كانت الأرقام حول قيمة الفساد، بين مليارين و2.5 مليار سنوياً، فهذه الأرقام مرعبة للغاية، لذلك من الضروري أن يكون أول بند في الإصلاح الإتصادي في لبنان متعلق بمكافحة الفساد، وذلك من خلال إنشاء ميزانية. وهنا سوف نشهد على ضبط للإنفاق في كل وزارة بحسب جداول معينة، وستتراجع نسبة الفساد بشكل كبير وملحوظ.

وفي النهاية لا بد من القول إن اللبناني يتمتع بطاقات وخبرات كبيرة في المواضيع الإقتصادية كافة، لذلك نحن بحاجة فقط إلى التوافق السياسي، وإقرار الموازنة، وإعادة هيكلية الإدارة في مختلف الإدارات العامة، وخاصة في الوزارات، وملء المراكز الشاغرة بأشخاص كفوئين. فمحاربة الفساد ليست "كوني فكانت"، ولكن بمجرد القيام بتلك الخطوات سنكون قد بدأنا برحلة الألف ميل.