انطلقت اليوم اعمال المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2016 "اللوبي العربي الدولي - لتعاون مصرفي افضل"، الذي يستمر ليومين واستقطب اكثر من 500 شخصية مصرفية ومالية عربية اضافة الى ممثلين عن كبريات المؤسسات المالية الدولية، في فندق فينيسيا.

وخلال حفل الإفتتاح الذي حضره رئيس مجلس ادارة اتحاد المصارف العربية محمد جراح الصباح ورئيس جمعية مصارف لبنان جوزيف طربيه ورئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان عدنان القصار ووزيرة التعاون الدولي في مصر سحر نصر والنائب جمال الحجار ممثلاً الرئيس سعد الحريري، أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامه على ان "انتخاب العماد ميشال عون رئيساً وتكليف النائب سعد الحريري في تأليف الحكومة يعزّزان الثقة بالإقتصاد والإستثمار، لاسيما إن أقرّت الموازنة وفُعّلت المؤسسات."

كما تحدث سلامة عن النمو المتوقع في العام 2016 مشيراً الى نسبة نمو بين 1.5 و2% مع نسب تضخم تقارب الصفر، مبيناً ان محتويات المصرف المركزي بلغت اعلى مستوياتها، وأضاف: "حافظت الفوائد على مستوياتها المستقرة وأصبحت أدنى من الدول المجاورة باستثناء الدول النفطية".

وأفاد ان قروض القطاع الخاص زادت بنسبة 5% فيما تدنت القروض للقطاع العام بنسبة 6 %، ورأى ان لهندسات مصرف لبنان دور اساسي للحفاظ على الإستقرار التسليفي. وللإطلاع على المزيد من التفاصيل حول هذه النسب وآثار التسويات الأخيرة التي شهدناها، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى "بنك عودة"، د. ​مروان بركات​:

- هل ترى ان نسب النمو التي تحدث عنها حاكم مصرف لبنان اليوم جيدة الى حدٍّ ما في ظل غياب الموازنة، مع العلم ان بعض التوقعات كانت تشير الى نسبة صفر بالمئة؟

في حين استطاعت معظم مؤشرات القطاع الحقيقي أن تسجل نمواً إيجابياً هذا العام، إلا أن الاقتصاد الوطني لا يزال رازحاً تحت ضغوط ملحوظة في ظل الاضطرابات الإقليمية المستمرة وتداعياتها على الساحة المحلية. عليه، يشهد النشاط الاقتصادي الحقيقي في لبنان امتداداً لمرحلة التباطؤ السائدة منذ منتصف العقد المنصرم، إنما مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاقتصاد اللبناني يستمر في تجنب الوقوع في فخ الركود، بالمعنى التقني للركود أي النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، لاسيما وأن نمو الاستهلاك الخاص قد عوّض نسبياً عن بعض النمو الاقتصادي الفائت جراء وهن الاستثمار وتقلّص الصادرات. وكانعكاس لهذا الاتجاه، يظهر تحليل الواردات الإجمالية والتي تمثل نسبة 37% من الناتج المحلي الإجمالي أن واردات السلع الاستهلاكية غير النفطية قد ارتفعت بنسبة 4.8% في حين تراجعت واردات السلع الاستثمارية بنسبة 0.5% في الأشهر التسعة الأولى من العام 2016 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2015.

في هذا الإطار، نحن نتبنى نسبة النمو الاقتصادي المتوقعة من قبل حاكم مصرف لبنان ما بين 1.5% و2% للعام 2016، إنما نعتبر أن هذه النسبة لا تزال دون المستوى المطلوب من أجل تحسين مستوى المعيشة لدى اللبنانيين وخلق الوظائف المرجوة علماً أن هنالك ما يناهز 30,000 لبناني ينضمون إلى القوى العاملة سنوياً. يجدر الذكر أنه عقب التسوية السياسية الأخيرة التي أفضت إلى انتخاب رئيس للجمهورية وأعادت الحياة إلى مفاصل المؤسسات الدستورية في البلاد، فإن توقعاتنا للعام 2017 تتمحور حول نمو اقتصادي بنسبة 4% نتيجة نمو متوقع في الاستهلاك الخاص بنسبة 7% ونمو في الاستثمار الخاص بنسبة 15%، وذلك في ظل ارتفاع متوقع في حركة الأموال الوافدة باتجاه لبنان بنسبة لا تقل عن 20% نتيجة تحسن عامل الثقة بشكل عام.

- ما هو رأيك بالهندسات المالية الأخيرة التي قام بها مصرف لبنان؟

في الفصل الثالث من العام، تعززت بنية لبنان المالية نتيجة الهندسات المالية الأخيرة التي قام بها مصرف لبنان رغم حالة اللا يقين التي سادت المناخ السياسي المحلي والإقليمي. وقد تجلّى ذلك بشكل واضح في تحفيز موجودات لبنان الخارجية، تعزيز الميزانيات العمومية للمصارف العاملة وتحسن المخاطر السيادية بشكل عام. وفي التفاصيل، لقد تعززت موجودات مصرف لبنان الخارجية في الأشهر الأخيرةلتبلغ مستويات قياسية جديدة مقدارها 40.6 مليار دولار في نهاية تشرين الأول 2016، بحيث غطت 75% من الكتلة النقدية بالليرة و25 شهراً من الاستيراد، مما يشير إلى تعزيز المناعة المالية في ظل قدرة المركزي المتزايدة على الحفاظ على استقرار الوضع النقدي. هذا ولم تؤد السياسة النقدية المتّبعة إلى رفع احتياطيات المركزي فحسب بل أفضت أيضاً عن تحسين نوعية الاحتياطيات بعد أن باع مصرف لبنان معظم محفظته لسندات الأوروبوند إلى المصارف اللبنانية. فمحفظة المركزي لسندات الأوروبوند البالغة اليوم 400 مليون دولار لا تشكل سوى 1% من احتياطياته بعد أن كانت تشكل 20% في السنوات القليلة الماضية، مما يعني أن جميع احتياطياته تقريباً موظفة في مصارف منظمة التعاون الاقتصاديوالتنمية(OECD) أو في أدوات عالمية ذات مخاطر متدنية.

في المقابل، فرض مصرف لبنان على المصارف تخصيص مؤونات احترازية مهمة لمتطلبات "IFRS9" الذي سيتم اعتماده بدءً من العام 2018، ما عزز ميزانيات المصارف عموماً. في الوقت نفسه، وفي حين أن السيولة الموظفة لدى المصارف الأجنبية انخفضت من 11.8% من الودائع بالعملات الأجنبية في كانون الأول 2015 إلى 8.9% في أيلول 2016، شرعت المصارف على اتخاذ تدابير لاحقة لتعزيز السيولة لديها. يجدر الذكر أن وضعية السيولة الأولية الإجمالية بالعملات الأجنبية (بما في ذلك السيولة الموظفة لدى المصارف الأجنبية ولدى مصرف لبنان) لا تزال عند مستوى 50% من الودائع بالعملات الأجنبية في نهاية أيلول، وهي واحدة من أعلى المستويات في الأسواق الناشئة. من هنا وفي ظل سعيها لزيادة سيولتها بالعملات الأجنبية، عززت المصارف جهودها لاستقطاب ودائع جديدة ولاسيما من خارج لبنان. وقد انعكس ذلك إيجاباً على نمو الودائع المصرفية في لبنان، والتي كانت تنمو خلال الأشهر الأولى من العام الجاري بوتيرة أضعف نسبياً بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي، لتسجل بعدها تجاوزاً صافياً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام بالمقارنة مع الأشهر التسعة الأولى من العام 2015 وبنسبة 40%. كما وأنه نتيجة النمو الملحوظ في الموجودات الأجنبية الصافية للقطاع المالي بقيمة ملياري دولار خلال شهر آب وأيلول، تحول عجز ميزان المدفوعات خلال الأشهر السبعة الأولى من العام إلى فائض بقيمة 0.6 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام.

من هنا لقد كان لتعزيز المناعة داخل القطاع المالي، بشقيه المصرفي ومصرف لبنان، ارتدادات إيجابية على المخاطر السيادية وقدرة الدولة على تلبية احتياجاتها الاقتراضية. في هذا السياق، جاء قرار "ستاندرد أند بورز" بتعديل الآفاق المستقبلية للتقييم السيادي في لبنان من "سلبي" إلى" مستقر" نتيجة مناعة القطاع المالي وتدفق الودائع المستمر.

- أشار خبراء "صندوق النقد الدولي" في زيارتهم الأخيرة الى لبنان الى موضوع إنفلاش الدين العام وموازنة الدولة، خاصة ان الدين العام يزيد بأكثر من 7% سنويا، كما حذروا من موضوع تمويل الدين العام من قبل المصارف. هل هناك برأيك خطوات إجرائية سريعة يمكن اتخاذها على هذا الصعيد من قبل الحكومة المرتقبة؟

لا تزال أوضاع المالية العامة تشكل عائقاً أمام التحدي الأساسي للاستقرار الاقتصادي وعنصر الهشاشة الأبرز في لبنان. فعلى الرغم من أن نسب المالية العامة لا تزال أقل من المستويات القياسية التاريخية، إلا أنها تعتبر مرتفعة بالمقارنة مع المعايير العالمية، بحيث أن نسبةالمديونية تصل إلى 144% وهي ثالث أعلى نسبة في العالم، مع نسبة في العجز المالي العام تصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي وهي بين العشر الأولفي العالم. إن المطلوب على هذا الصعيد هو إقرار موازنة للعام 2017، بعد أحد عشر عاماً من إقرار آخر موازنة عامة للبلاد، تلحظ إجراءات إصلاحية خصوصاً في ظل الحاجة إل ىتأمين تحسن تدريجي للبني التحتية الأساسية. إذ يحتاج لبنان إلى معالجة الوهن الناشئ في البنى التحتية الأساسية، مع احتياجات لاستثمارات كبيرة في قطاعات عدة مثل الطاقة والنقل والاتصالات والمواصلات والمياه. فالمطلوب أن تتضاعف نسبة الإنفاق الاستثماري إلى الناتج الإجمالي لترتفع من ما دون 1.5% إلى ما لا يقل عن 3% في الأفق، والتي تبقى ما دون متوسط الأسواق الناشئة بشكل عام (5%)، إلا ان هذا الإنفاق الإضافي يجب أن يقابل بجهود حثيثة على صعيد الإصلاح المالي من أجل تفادي انحراف إضافي في النسب القائمة.من هنا ينبغي أن تلحظ الموازنة العامة للعام 2017 خفض النفقات الجارية وذلك في ظل انعدام التضخم السنوي، بالإضافة إلى رفع نسبة الإيرادات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي من 19% إلى ما لا يقل عن 22% المحققة أصلاً قبل الاضطرابات الإقليمية. ويجدر الذكر أن المهم هنا هو مكافحة التهرب الضريبي والذي نقدره بما يقارب 3.5 مليار دولار سنوياً والناجم بشكل أساسي عن ضرائب الدخل وفواتير الكهرباء والرسوم العقارية والإيرادات الجمركية.

- ما هو رأيك بالزيارات الخليجية الأخيرة الى لبنان وتأثيرها على الإقتصاد هل يشير ذلك الى ضخ استثمارات جديدة؟

لا شك أن للزيارات الخليجية الأخيرة إلى لبنان بدءاً من زيارة الوفد السعودي ومن ثم الوفد القطري دلائل واعدة لاسيما وأنها خلقت أجواءً تفاؤلية ومريحة في الأسواق اللبنانية على كافة الصعد وخصوصاً الاقتصادية والاستثمارية والسياحية منها بشكل خاص. وبالتالي فإن هذا الحراك سيكون فاتحة لزيارات أخرى تصبّ في إعادة تحسين العلاقات اللبنانية الخليجية وتعزيز التعاون القائم، انطلاقاً من العلاقات الأخوية التاريخية التي تربط لبنان بالدول العربية ومن حرص الدولة اللبنانية الدائم على تصويب هذه العلاقات ومحاولة إزالة أي شوائب قد تكون ظهرت في الآونة الأخيرة. من هنا، نتمنى أن تعلن دول مجلس التعاون الخليجي رفعاً للحظر عن السفر إلى لبنان بالتزامن مع الدعم الخليجي الأخير لانطلاقة العهد الجديد في البلاد.