يُقدر عدد الذين يعملون عبر استخدام الإنترنت وتطبيقات مثل "أوبر" و"ليفت" دون أن يكون لهم مدير نحو 800 ألف شخص، وقد وضع أكاديميون من جامعة "كارنيجي ميلون" مصطلح "إدارة اللوغاريتمات" العام الماضي، والذي كما يقولون يجعل "اقتصاد العربة" مُمكنًا.

ويشير مُصطلح "اقتصاد العربة" إلى الموظفين المُستقلين المُتعاملين من خلال منصات العمل الحُر الذي يقدم ويبيع مُنتجاته بحسب الطلب، ودون التقيد بوظيفة من قبل صاحب العمل.

ويرى الذين يستخدمون "إدارة اللوغاريتمات" أنها تخلق فرص عمل جديدة وخدمات استهلاكية أرخص وأفضل، إلا أن الإضرابات التي شهدها "اقتصاد العربة" خلال الصيف، تُبين أن بعض العاملين بدأوا يتذمرون من التناقضات الخاصة بأنهم مديرو أنفسهم وفي الوقت ذاته يتم إدارتهم من قبل هواتف ذكية في جيوبهم، إذ إنهم قد يكونوا أحرارًا في اختيار موعد عملهم، لكنهم ليسوا أحرارًا في كيفية العمل أو كم يُدفع لهم.

ورغم أن مصطلح "إدارة اللوغاريتمات" يبدو حديثًا أو له علاقة بالمستقبل، إلا أنه له جذور في الماضي، فقبل مائة عام اجتاحت نظرية حديثة تُسمى "الإدارة العلمية" المصانع الأميركية، والتي وضعها "فريدريك دبليو تايلور"، وقد أراد من خلال هذه النظرية استبدال الطرق التقليدية التي تجعل العمال يعملون ببطء، بطرق حديثة تجعل العمال أكثر إنتاجية.

ومن أجل تحقيق ذلك أرسل مديرين يحملون ساعات الإيقاف ودفاتر لكتابة ملاحظاتهم، وتحديد التوقيت اللازم وتسجيل كل مرحلة من مراحل كل وظيفة، وتحديد الطريقة الأكثر فعالية للقيام بكل واحدة منهم، وقد كتب تايلور في كتابه "مبادئ الإدارة العلمية " عام 1911 أن هذه المهمة لا تحدد ما يجب القيام به فحسب، بل تحدد كيفية القيام بالعمل والوقت الحقيقي الذي يتطلبه.

وقد ساعدت "الإدارة العلمية" على تحسين الإنتاجية في المصانع بشكل كبير في أوائل القرن العشرين، وكانت بداية لخطوط إنتاج "هنري فورد"، ورغم أن التكنولوجيا الحديثة قد حلت محل بطاقات تعليمات "تايلور" وساعات الإيقاف، إلا أن العديد من العمال في شركات مثل "أمازون" يستخدمون أجهزة يتم حملها يدويًا لتمنحهم تعليمات خطوة بخطوة حول المكان الذي يذهبون إليه، وما الذي يلتقطونه من الرفوف.

ووفقًا لأستاذ القانون في جامعة "أكسفورد" جيريمياس براسل فإن أنظمة اللوغاريتمات توفر درجة من السيطرة والرقابة التي لا يُمكن أن يحلم بها حتى أكثر المتشبثين بنظام تايلور.

ويُمثل قطاع الخدمات التقليدية آفاقًا جديدة لإدارة اللوغاريتمات، وتعد شركة "Percolata" واحدة من شركات "وادي السيليكون" التي تحاول تطبيق هذا الأمر، فالشركة التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات وتقدم المشورة للشركات، لديها نحو 40 عميلاً من متاجر التجزئة بما في ذلك "UNIQLO" و"7-Eleven"، وتقوم الشركة بتثبيت أجهزة استشعار في المتاجر لقياس حجم ونوع الزبائن التي تتردد على المكان، وجمع بيانات عن حجم المبيعات لكل موظف،  وحساب ما يوصف بـ"الإنتاجية الحقيقية" للعمال.

ويقول مؤسس "Percolata" جريج تاناكا إن الشركة قامت بدراسة خلصت إلى أن استخدام نظام اللوغاريتمات يُمكن أن يعزز المبيعات بنسبة تتراوح بين 10 إلى 30%، مُضيفًا أن هذا النظام يعد مُديرًا أكثر موثوقية لأنه يقوم بالتنبؤ بالطلب بشكل أفضل، إذ يُخبر الموظفون التطبيق حين يكونون متاحين للعمل، ثم يتلقون جداولهم مُقدمًا، فالأمر لا يخضع للفوضى الموجودة في العديد من وظائف متاجر التجزئة.

بينما يرى أستاذ الدراسات التنموية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن جاي ستاندينغ أنه ليس بالضروري أن يعامل كل شخص يشتري نظام اللوغاريتمات في العمل الموظفين بالعدل، وأن نفس القاعدة التي تنطبق على الجميع قد تصير أقل عدلاً من الحكم البشري الدقيق.

وعلى الجانب الآخر يرى كثيرون أن نظام اللوغاريتمات يُمارس الكثير من السيطرة عليهم، وهو ما جعل شركة المحاماة " Leigh Day" تُقيم دعوى قضائية ضد "أوبر" نيابة عن اتحاد " GMB"، وكان سائق "أوبر" جيمس فارار أحد المدعين في هذه القضية، والذي قدم شهادة تفصيلية تتضمن كيفية سيطرة "اللوغاريتمات" عليه، منها أنه تعرض للخروج من التطبيق لمدة 10 دقائق، مما اضطره لإلغاء العديد من الرحلات، إلا أن "أوبر" دافعت عن نفسها بأنه لا يُمكن اعتبار من يعمل بالتطبيق موظف لديها، لأنه ليس هناك التزام لتسجيل الدخول إلى التطبيق.

ورغم أن "تايلور" لم يتنبأ بصعود وتراجع النقابات العمالية في أميركا خلال هذا القرن، إلا أنه كان واثقًا أن أفكاره ستفوز في النهاية، وكان واثقًا مثل "أوبر" و" Deliveroo" بقوة نظامه في تزويد المستهلكين بأرخص وأفضل الأشياء، وأنه سوف يكتسح في النهاية رغم كل الاعتراضات، وقد تنبأ في كتابه بأن المستهلكين سوف يفرضون نظامًا جديدًا للأشياء على كل من الموظفين وأصحاب العمل.