بما أن عالم السياحة الفندقية لا يتقيّد بحدود جغرافية، جال هذا الرجل العالم.. طالباً العلم والخبرات..

فتغرّب لمدة سبعة عشر عاماً .. ولكن لم يكن هدفه الهجرة الأبدية.. بل ذهب ليُحصّل خبرات عالمية عاد بها إلى وطنه الأمّ لبنان.

فأنشأ كلية العلوم الفندقية في جامعة "الحكمة"، المتعاونة مع جامعة " لوزان" الفندقية الشهيرة في أيلول 2005، وطوّر حينها جهازاً تعليميّاً متخصصاً في الضيافة، ويعمل حاليّاً على متابعة تنفيذ مشاريع معاهد لتعليم الضيافة في كل من سوريا، أربيل وليبيا.

وبهذه الطريقة انتقل من عالم "التحصيل" إلى عالم "العطاء" الخُبراتي.

عميد كلية العلوم الفندقية في جامعة الحكمة الدكتور طانيوس القسيس

كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة معه شرح لنا فيها أبرز محطاته المهنية، وتقدم بنصائح لطلابه من خلال تجاربه الشخصية.

- لماذا إخترت مجال إدارة المطاعم والفنادق بشكل خاص؟

بدأت أعمل في هذا المجال خلال العطل الصيفية منذ أن بلغت الرابعة عشرة من عمري. إكتشفت حينها أن قطاع إدارة الفنادق متشعّب، والفرص التي يتضمنها لا تقتصر فقط على إدارة المطاعم أو الفنادق، بل تصل أنشطتها إلى جميع المرافق السياحية، الإستشفائية، والمصرفية وغيرها، كون أعمال هذه المجالات ترتكز على المبدأ نفسه "تقديم الخدمة"، لذا بمقدور خريج إدارة الفنادق أن يعمل في أي من هذه االقطاعات.

كما سنحت لي الفرصة أن أزور بلداناً عدة، الأمر الذي ساعدني على اكتشاف "ثقافة قطاع الضيافة" العالمية، ومن هنا بدأ شغفي تجاه هذه المسيرة  يتبلور أكثر وأكثر.

على الصعيد الأكاديمي حصلت على شهادة الدكتوراه في إدارة الفنادق من جامعة "بربينيان" الفرنسية، أما شهادة الماجيستر في إدارة الفنادق أيضاً فحصلت عليها من جامعة "كورنيل"، وشهادتي الجامعية اتممتها في فرنسا في جامعة "ستراسبورغ" في إدارة الفنادق والمطاعم.

مهنياً، قبل استلامي منصبي الحالي، توليت منصب المدير الإنمائي لفنادق "تشويس العالمية" في الولايات المتحدة لمدة سبعة أعوام،والتي تعتبر ثاني أكير سلسلة فنادق في العالم.

كذلك استلمت إدارة  مناصب إدارية وعمليّة لعدد من سلسلة شركات فنادق حول العالم، منها "ميرلن"، "كونكورد"، "غروف بارك" وغيرها الكثير.

مؤخراً تم تعييني من قِبَل وزارة السياحة عضواً في اللجنة السياحية من أجل إعادة تنظيم هيكلية جديدة لوزارة السياحة.

-جمعت مسيرتك بين الخبرة والشهادة الجامعية، لأيهما الفضل الأكبر في شخصيتك المهنية؟

الخبرة الأكاديمية مهمة جداً لأنها  تشكّل القاعدة التي يستند إليها الأفراد عند الإنطلاق، ولا شك أيضاً أن الخبرة العملية مهمة جداً في أي مجال عمل.

وبرأيي، إنّ الخبرات لا تُحدّ في رقعة جغرافية أو مؤسسة واحدة، فكلما تنوعت،أضافت إلى خبرات الشخص، وساعدته للصعود على مدرّج النجاح بثبات.

- برأيك ما هي المقومات الشخصية التي تدعم الإنسان للوصول إلى هدفه المهني؟

الثقة بالنفس ! أو ما أحب أن أطلق عليها اسم "قوّة النفس" – Power of Confidence ، برأيي،فإنّ الشخص المتمكّن من طاقاته وواثق منها لا ينهزم أبداً.

ولكن آلية الوصول لهدف مهني معيّن تتطلب العناصر التالية: الثقة بالنفس، الشغف، الأخلاق، والإحترافية في عمله .

بوجود هذه "الخلطة" المميزة أنا أضمن نجاح الشاب في أي مجال يختاره، وهذا ما نحاول أن نعلمّه لطلابنا في الكلية التي تشكل فندقاً اكاديمياً يحتوي غرفاً عدة ، مطاعم، صفوف دراسية، مختبرات وغيرها.

وبهذه الطريقة يشعر الشاب من يومه الأول في الكلية أنه بدأ بخوض أولى درجات قطاع العمل، ما يؤثر على شخصيته التي تتكون في الكلية، وما يشكّل أول عنصر يسهم في تدعيم ثقة الطالب بنفسه.

ونحن في الكليّة ندرّب طلابنا لكي يتولّوا مناصب إدارية في المستقبل.

- قطاع إدارة الفنادق اليوم مرتبط بالوضع الإقتصادي والسياسي للبلاد إلى أي مدى تؤثر الأوضاع غير المستقرة في وطننا على مجال عملكم؟

هذا الكلام صحيح فقط إذا نظرنا إلى الزاوية المحلية بالقطاع، إلا أن جامعة الحكمة اليوم تنعم بشراكة مع جامعة "لوزان" الفندقية ، وأنا برأيي أن حصول الطلاب على شهادتين في الوقت نفسه هو جواز سفر عالمي.

قد لا يتفق معي العديد من الأشخاص لأنهم يعتبرون أن على الشباب أن يبقوا في أوطانهم، ولكن في مجال السياحة والسفر بشكل خاص، على الفرد أن يوسّع "قُطر الدائرة"، وعليه أن يسعى لاكتساب خبرات عالمية، لكي يعود فيها إلى وطنه الأمّ.

وهذا ما قمت به أنا على الصعيد الشخصي، بعد أن حصّلت خبرات في مجال الفندقية حول العالم لمدة سبع عشرة عامأ، عدت بهذه الخبرات إلى وطني كي أُؤسس عائلتي وأرد الجميل لبلدي الذي احتضنني.

لذا يجب ألا نخاف إذا سافر اللبناني شرط أن تكون سفرته محصورة بتحصيل الخبرات والعودة إلى بلده.

- برأيك هل فعلاً سيعودون إلى وطنهم في ظل هذه الظروف الصعبة؟

بالطبع! لو مهما ابتعد اللبناني عن وطنه في نهاية المطاف، لا يملك سوى جذوره والخبرات التي أكتسبها.

يصلّ العديد من الأشخاص بعد سني الغربة إلى قناعة تقضي بضرورة العودة إلى الوطن والعمل فيه، لا شك أن الوضعيين الإقتصادي والسياسي غير المستقريين يبعثا  الذعر في نفوس اللبنانيين، إلا أن مجال عملنا هو أول قطاع في العالم يخلق وظائف.

اليوم وصلنا الى مليار و200 ألف سائح في العالم، وهذا العدد بحاجة إلى خدمات منذ لحظة الحجز وحتى وصوله إلى المنطقة المحددة، تتضمن هذه العملية كل القطاعات الحيوية من النقل، والمطاعم، والأسواق التجارية، والفنادق، والإنشاءات السكنية، والزراعة، والصناعة وغيرها..

ولهذا السبب أنا أعتبر أن وزارة السياحة هي أهم وزارة في العالم، لأنها وحدها تدفع بالعجلة الإقتصادية لكافة الوزارات كالإقتصاد، والتجارة، والزراعة الصناعة وغيرها الكثير.

- تواكب كل يوم تطلعات الشباب الذين يطمحون لاستلام مناصب إدارية من لحظة تخرجهم من الجامعة، ما هي نصيحتكم لهم؟

نصيحتي لهم هي التروي .. وصعود مدرج النجاح رويداً رويدا.. كما أننا نصارح طلابنا بأنهم لن يصبحوا مدراء من يومهم الأول في الشركة،  لكن الشهادة بالإضافة إلى الخبرات الأكاديمية والفترات التدريبية كلها كفيلة في تسريع هذه العملية، ولكن كل هذه الأمور لن تتحقق إذا لم يسعى الإنسان للوصول إلى هدفه بإصرار.

- ما هي رسالتك الأخيرة؟

أقول للشباب "حافظوا على حلمكم وتمسكوا به" بمقدوركم أن تحققوه شرط المثابرة اليومية... فالوصول إلى القمر اليوم بات ممكناً.. لذا حددوا أهدافكم واعملوا لأجلها..