أصدر ​مصرف لبنان​ تقريراً جديداً حول "أسباب، أهداف، وتداعيات" هندسته الماليّة الأخيرة، واصفاً البيئة الإقتصاديّة العامّة التي في ظلّها تمّ إتّخاذ هذه الآليّة بالركود.

التقرير الذي نشر تفاصيله "بنك الاعتماد اللبناني" و"بنك بيبلوس" في تقريرهما الاقتصادي الاسبوعي، يسلط الضوء بإيجازٍ على الأزمة الماليّة العالميّة الأخيرة، والتي أدّت إلى تباطؤٍ إقتصاديٍّ في الدول المتقدّمة والدول قيد التطوّر على حدٍّ سواء.

كما يذكر التقرير الاضطرابات السياسيّة والأمنيّة الإقليميّة وأزمة النازحين وتراجع أسعار النفط عالميّاً كمعوقات أساسيّة للتنمية الماكرواقتصاديّة والإجتماعيّة في العالم العربي، مؤثّرةً سلباً على مستويات الطلب ومؤدّيةً إلى عجزٍ في الماليّة العامّة لدى العديد من الدول العربيّة.

أمّا على صعيدٍ محلّيٍّ، فقد أشار مصرف لبنان إلى شلل الإقتصاد اللبناني خلال الأعوام القليلة المنصرمة إثر التوتّرات السياسيّة والتحدّيات الأمنيّة السائدة في البلاد والمنطقة، إضافةً إلى التدفّق المستمرّ للنازحين إلى الأراضي اللبنانيّة، الأمر الذي أثّر سلباً على العديد من مؤشّرات لبنان الماكروإقتصاديّة كالإستهلاك والإستثمار والتجارة العالميّة والسياحة.

نتيجةً لذلك، تدهورت نسبة النموّ الإقتصادي في لبنان من نحو 8% في العام 2010 إلى نحو 2 في المئة حاليّاً، ترافقاً مع نسبة دينٍ عامّ بلغت 144% من الناتج المحلّي الإجمالي وعجز في الماليّة العامّة وصل إلى 8% من الناتج المحلّي الإجمالي، بحسب التقرير.

إلاّ أنّ المصرف المركزي أشاد بقدرة لبنان على تحقيق نسبة نموّ إقتصاديّ حقيقيّ إيجابيّةٍ بلغت 1% في العام 2015 ومعدّل تضخّمٍ للأسعار ناهز الصفر في المئة، وذلك في ظلّ الإستقرار النقدي والمالي الذي لطالما تميّز به لبنان على الرغم من شتّى الصدمات.

ويذكر التقرير الرزم التحفيزيّة التي أطلقها مصرف لبنان منذ العام 2013، والتي حفّزت النموّ الإقتصادي بشكلٍ كبير. كذلك يشير إلى الزيادة المستمرّة في الموجودات بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان والإنكماش في معدّلات الدولرة في القطاع المصرفي، الأمر الذي يبرهن عامل الثقة بالنظام المالي اللبناني وعملته الوطنيّة.

آلية الهندسة المالية

يقول التقرير انه سعياً لتحقيق أهداف سياسته النقديّة، لَجَأَ مصرف لبنان إلى هندسةٍ ماليّةٍ بين أيّار وآب 2016 قام من خلالها بالخطوات التالية:

1-استبدال سندات خزينة معنونة بالليرة اللبنانيّة من محفظته مقابل سندات خزينة بالعملات الأجنبيّة (يوروبوندز) صادرة عن وزارة المالية بقيمة إجماليّة بلغت مليارَي دولار.

2-بعد ذلك، قام مصرف لبنان ببيع المصارف التجاريّة اللبنانيّة سندات «اليوروبوندز» هذه، إضافةً إلى شهادات إيداعٍ معنونة بالدولار الأميركي اصدرها مقابل مبالغ نقديّة بالدولار الأميركي تمكنت المصارف من توفيرها.

3-طبّق مصرف لبنان نسبة حسم (discount rate) بلغت صفراً في المئة على مبلغٍ مساوٍ لليوروبوندز وشهادات الإيداع بالدولار الأميركي التي تمّ بيعها على سندات الخزينة المستبدَلة بالليرة اللبنانيّة، والتي تحملها المصارف مع متوسّط تاريخ إستحقاق متبقٍّ يصل إلى 8 سنوات أو أقلّ، إضافةً إلى شهادات إيداع بالليرة اللبنانيّة ذات متوسّط تاريخ إستحقاق متبقٍّ يصل إلى 12 سنة أو أقلّ. وقدّ تمّ تحويل 50% من الفوائد الناتجة عن هذه العمليّات لصالح مصرف لبنان.

اهداف الهندسة

وفقاً للتقرير، حقق مصرف لبنان من خلال هذه الآليّة الاهداف التالية:

1-زيادة الموجودات بالعملات الأجنبيّة لديه، والتي إرتفعت بشكلٍ ملموسٍ لتصل إلى 41 مليار دولار، وهو المستوى الأعلى لها تاريخيّاً.

2-ساهمت الآليّة في تعزيز القاعدة الرأسماليّة للمصارف اللبنانيّة إلتزاماً بمتطلّبات المعيار الدولي للتقارير الماليّة رقم 9 (IFRS 9) ومتطلّبات لجنة بازل 3 لكفاية رأس المال. فقد حض المصرف المركزي المصارف على تسجيل الفوائض التي يتمّ تحقيقها من خلال هذه الآليّة ضمن أموالها الخاصّة المساندة، ممّا قد يسمح لها بتكوين إحتياطاتٍ عامّة إضافيّة تساعدها بالوصول إلى النسبة الدنيا المطلوبة لمعدّل الإحتياطات العامّة من الموجودات المرجّحة بالمخاطر البالغة 2 في المئة، والتي يفرضها المصرف المركزي.

3-بالتوازي، دعمت الهندسة الماليّة لمصرف لبنان مستويات السيولة بالليرة اللبنانيّة، كما تسارعت وتيرة نموّ الودائع في القطاع المصرفي بشكلٍ ملحوظ، بحيث إرتفعت ودائع الزبائن لدى المصارف اللبنانيّة بنسبة 2.5 في المئة منذ مطلع العام الحالي وبنسبة 5 في المئة على أساسٍ سنويٍّ خلال الفترة التي تَلَت تطبيق هذه الآليّة، مقارنةً مع نسبة 0.9 في المئة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2016 ونسبة 2 في المئة سنويّاً خلال فترة ما قبل الآليّة. وقد زاد ذلك من قدرة المصارف على تمويل مختلف القطاعات الإقتصاديّة، وخاصّةً الشركات الصغيرة والمتوسّطة، توازياً مع إلتزامها كافّة المعايير الدوليّة لجهة الرسملة والمخاطر.

4- حسّنت هندسة مصرف لبنان هيكليّة الدين العامّ اللبناني، إذ تراجعت كلفة الإقتراض كما يتبيّن من خلال إنخفاض معدّلات الفائدة على سندات الخزينة ذات فئة الخمس سنوات (من 6.74 في المئة إلى 5 في المئة) وشهادات الإيداع الطويلة الأجل المعنونة بالليرة اللبنانيّة وحسابات الإدّخار لدى مصرف لبنان (time deposits) ( من 9 في المئة إلى 8.4 في المئة.

5- سجّل ميزان المدفوعات في لبنان فائضاً بلغ 555 مليون دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، مقارنةً مع عجزٍ بلغ 1.7 مليار دولار لغاية شهر أيّار.

6-وصل معدّل تضخّم الأسعار إلى 2 في المئة في نهاية شهر أيلول، وهو امر يتماشى مع اهداف مصرف لبنان.

7-حضت تلك النتائج المشجّعة وكالة التصنيف الدوليّة ستاندرد أند بورز (S&P) على تحسين نظرتها المستقبليّة للبنان من «سلبيّة» إلى «مستقرّة» في شهر أيلول.

ويختم التقرير بالقول ان لبنان نجح من خلال هذه الآليّة بتأكيد قدرته على تمويل القطاع العامّ والخاصّ لديه دون الحاجة الى اللّجوء إلى التمويل الخارجي. واوضح ان هذه الالية كانت مفيدة بكل المقاييس، اذ لم تكن مكلفة لا على المصرف المركزي او على الحكومة. بل بالعكس، عززت ميزانية مصرف لبنان ووضع لبنان الائتماني. كما قال التقرير ان مكاسب هذه الهندسة المالية لم تقتصر على المستوى المالي فقط، انما كان لها انعكاسات اجتماعية. فالمجتمع اللبناني هو الرابح الاكبر: سيستفيد من شمول مالي اكبر، ومن تنمية اقتصادية افضل، ومن رعاية اجتماعية اكثر استقرارا.

51,88 مليار دولار احتياطات «المركزي» في منتصف ت 2

اظهرت ميزانيّة مصرف لبنان إرتفاعاً في الموجودات بالعملة الأجنبيّة بقيمة 10.60 ملايين دولار خلال النصف الأوَّل من شهر تشرين الثاني 2016 إلى 40.57 مليار دولار، من 40.56 مليار دولار في نهاية شهر تشرين الأول.

في المقابل، بينت ميزانيّة مصرف لبنان التي اوردها «بنك الاعتماد اللبناني» و»بنك بيبلوس» في تقريرهما الاسبوعي، إنخفاضاً في إحتياطات لبنان من الذهب بقيمة 429.95 مليون دولار إلى 11.31 مليار دولار في ظلّ إنتعاش الدولار وتراجُع سعر الذهب وسط توقُّعات بإحتماليّة رفع أسعار الفائدة خلال الشهر المقبل.

أمّا على صعيدٍ سنويٍّ، فقد زادت قيمة الإحتياطات بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان بنسبة 5.41 في المئة مقارنةً بالمستوى الذي كانت عليه في منتصف تشرين الثاني من العام السابق، والبالغ حينها 38.49 مليار دولار، وذلك في ظل عمليّات الإستبدال التي أطلَقَها مصرف لبنان منذ منتصف العام الحالي. في الإطار نفسه، إرتفعت قيمة إحتياطات الذهب لدى مصرف لبنان بـ1.31 مليار دولار (13.10 في المئة) على أساسٍ سنويّ، ليكون قد زاد بذلك إجمالي الإحتياطات (ذهب وعملة أجنبيّة) بـ3.39 مليار د.أ. إلى 51.88 مليار دولار مقابل 48.49 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2015.

وتشكّل هذه الإحتياطات 69.42 في المئة من الدين العامّ الإجمالي و80.72 في المئة من صافي الدين العامّ، وهي تغطّي حوالي 4.66 أضعاف أصل الدين العامّ القصير الأجل الذي يستحقّ خلال العام 2016 وحوالي 128 شهراً من خدمة الدين.

حصّة المصارف من الدين بالليرة ترتفع إلى 40.3%

بيّنت إحصاءات جمعيّة المصارف في لبنان إرتفاعاً بنسبة 0.92 في المئة (0.68 مليار دولار) في الدين العامّ اللبناني خلال أيلول 2016 إلى 112649 مليار ليرة (74.73 مليار دولار)، من 111627 مليارا (74.04 مليار دولار) في آب.

وذكر تقريرا «بنك الاعتماد اللبناني» وبنك بيبلوس» الاسبوعيان، ان حصة القطاع المصرفي اللبناني زادت إلى 40.3 في المئة (مقارنةً بـ38.6 في المئة في آب) من إجمالي الدين المعنون بالليرة في نهاية الشهر التاسع من العام الحالي. في حين تراجعت حصّة مصرف لبنان من الدين بالليرة إلى 43.9 في المئة (مقارنةً بـ44.9 في المئة في آب)، كما هو الحال بالنسبة للقطاع غير المصرفي والذي إنخفضت حصّته إلى 15.8 في المئة (مقارنةً بـ16.5 في المئة في آب).

أمّا لجهة توزيع الدين العامّ المعنون بالعملات الأجنبيّة، فقد تمركزت الغالبيّة الساحقة منه في خانة سندات خزينة الحكومة اللبنانيّة بالعملات الأجنبيّة (يوروبوندز) (92.5 في المئة)، تلتها الإتّفاقيّات المتعدّدة الأطراف (3.6 في المئة) والتسهيلات الممنوحة بواسطة الإتّفاقيّات الثنائيّة (3.4 في المئة) والقروض الممنوحة خلال مؤتمر باريس 2 (0.1 في المئة).