كثيرة هي مطبات الحكومة الجديدة المنتظرة سواء على الصعيد السياسي او الاقتصادي بفعل التركة الكبيرة من الملفات المعقدة والتي ستنقل اليها بدءاً من النفايات ، البطالة المتفشية ، الكهرباء المسيّسة ، المياه المهدورة ، قوانين النفط المعرقلة ، الصحة وضمان الشيخوخة، النقل المتعثر ، الاتصالات المهترئة على مختلف انواعها وهي ضحية الكيدية ومصالح النافذين وغير ذلك ...

الطريق  الى الحلول ليس معبّدا كما يظنه البعض ولكنه سيكون طويلاً  بحاجة الى رؤية اقتصادية عاجلة مدماكها الثقة المواكبة للاستقرار الامني والتفاهم السياسي، الذي لا يكتمل الا بالشفافية المطلقة القادرة على قطع اواصر الفساد المستشري في كل الادارات . الاقتصاد اليوم هو بدون موازنة منذ العام 2005، وبدون  اقرار مشاريع اخرى تحرّك العجلة وتحفّز النمو.

ما هي المطبات الاقتصادية التي تنتظر الحكومة الجديدة؟

كبير الاقتصاديين ومدير قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس، نسيب غبريليوّصف المطبات الاقتصادية بالتحديات عدة. واولها يكمن في  تشكيل الحكومة حيث هناك سباق على الوزارات الخدماتة والسيادية من قبل كل الفرقاء.

ويعتبر غبريل ان منطق حكومة الوفاق الوطني يؤدي الى الشلل في اتخاذ القرارات . وبالتالي، فان التمسك ببعض الوزارات بهدف خدمة القاعدة التي يتبع اليها كل وزير بدون اي رؤية اقتصادية او اجتماعية  لا يخدم الاقتصاد بشكل عام. ويقول غبريل " للاقتصاد" ما من احد يطالب بحقيبة وزارية بدافع امتلاك مشروع  انمائي ، او اقتصادي او اجتماعي يريد تطبيقه في مهلة 5 او 6 اشهر، الفترة التي ستتولى فيها الحكومة مسؤولياتها.

التحدي الثاني هو انه حتى لو كان عمر الحكومة ل 6اشهر، موعد اجراء الانتخابات النيابية المقبلة بعد اقرار قانون انتخابات يجب ان يكون للحكومة رؤية اقتصادية تتضمن اولويات.

ولا شك انه مع ايجاد إرادة سياسية تقرّ الموازنة بعيداً عن المحاصصة بعد مضي اكثر من 11 سنة بدون موازنة. فهناك بدون شك آلية لإقرارها مع قطع الحساب . ولا ننسى ان ذلك يدعم النمو الاقتصادي ويخفّض  حاجات الدولة  الى الاستدانة.

وبالتالي، لا يمكن اليوم فرض اي ضرائب او رسوم جديدة سواء على المواطن او على الشركات. اذ ان المطلوب اليوم هو تخفيض الاعباء عن الشركات والقطاع الخاص والمواطن، خصوصا الاعباء التشغيلية عن كاهل الشركات،  سيما ما يتعلق منها بالكهرباء والمياه حيث انه وفق دراسة للبنك الدولي تعاني الشركات من 51 حالة قطع تيار كمعدل شهري ، وهي ثاني اعلى نسبة في العالم. وليس افضل من وضع الكهرباء حال الاتصالات حيث هناك الكلفة الاعلى لأسواء نوعية خدمة.

التحدي الثالث: وضع شبكة الطرقات المزري. وحسب مؤشر التنافسية لبنان  هو في المرتبة 124 بين 138 بلدا في العالم في هذا المجال. من  هنا اهمية الاسراع في اعادة بناء البنية التحتية .مع العلم ان ذلك لا يمكن ان يتم الا من خلال إقرار قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام. وهذا بالتأكيد  يساعد على تحقيق التنافسية ويدعم الاقتصاد.

فعلى صعيد مؤشر سهولة اداء الاعمال في لبنان، لا يمكن  للبنان ان يبقى على ما هو عليه في المرتبة 126ببين 195 بلداً للعام 2017. وهذا المؤشر يدل على انه لم يتحقق اي اصلاح في لبنان  منذ العام 2016.

وعن اهمية إقرار قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام يوضح غبريل ان هذه الشراكة تؤمن التمويل من المصارف والمؤسسات الدولية بحيث ان كل مشروع يموّل نفسه ويؤمن تكاليفه  من وارداته.

رابعاً: تحد آخر وهو التوظيف في القطاع العام . اذ يجب وضع حد له وتخفيف الهدر الحاصل والمستمر. فلبنان في المرتبة 135 بين 138 بلدا في مؤشر التنافسية لعامي 2016و 2017.

هذه  الامور هي تحديات نستطيع وضعها على السكة الصحيحة ودراستها . وبوجود التقارب والوفاق بين كل الفرقاء  بالامكان ايجاد الحلول لكل المشاكل  العالقة في الموازنة.

ويستطرد غبريل:  من المعلوم انه مطلوب من الحكومة الجديدة التحضير للانتخابات الجديدة بعد اعداد قانون انتخابي جديد. ولكن بامكان هذه الحكومة تحقيق عدة اصلاحات في بداية العهد مع وجود مؤشرات سلبية للقطاع الخاص في لبنان والخارج.

القطاع الخاص غير مقتنع اليوم بان الاولوية محصورة في عهد الحكومة المقبلة فقط بقانون انتخابات جديد وبانتخابات نيابية لان الموضوع السياسي اصبح معيشياً.

ويتابع غبريل : صحيح انه مؤخراً توالت التوقعات حول ارتفاع الثقة بالعهد وبما سيحققه ، ولكن حتى اليوم ليس من نتائج ملموسة على صعيد تحسين المستوى المعيشي ؛ فالمواطن بدأ يلمس مؤشرات ايجابية . ولكن لا يمكنه  ان ينتظراكثر من ذلك  في المدى القريب . ليس هناك من مؤشرات حقيقية ان الوضع الاقتصادي قد تحسّن ولكن هناك تفاؤل.

فالسوق العقاري رغم ما يقال ما زال في حال جمود عميق . وهو يتأثر تلقائياً بثقة المستهلك . الجمود الموجود اليوم مرتبط بالاسعار المرتفعة وبثقة المستهلك للاستثمار واستخدام السيولة.

ولا يجب استباق الارقام بان الانتعاش سائد؛ فمنذ العام 2014بدأ الركود يخيّم على السوق العقاري والاسعار تراجعت بنسبة 25 % حسب المناطق وحسب المشاريع سيما الشقق الكبيرة.

فالسوق العقاري اليوم هو لصالح المشتري . لا يوجد طفرة عقارية ابداً ولن يحصل ذلك ابداً او يتكرر كما حصل بين 2007 و  2011. فان الاوضاع المحلية والاقليمية تغيرت والطلب يبقى محصورا على الشقق التي اسعارها هي دون ال 400 الف دولار.

من هنا علينا انتظار الدخول في برامج اقتصادية مفيدة لتحريك النمو .

اما بعد، فمن الواضح انه ينتظر الكثير من  الحكومة الجديدة المقبلة والمطبات التي تواجه تأليفها لن تكون أقل من مواجهتها للملفات الاقتصادية والمعيشية الملحة خصوصا الموازنة التي اكد المدير الاقليمي للشرق الاوسط وشمال افريقيا في البنك الدولي رينو سيليغمان خلال زيارته الى لبنان  بان اصدارها ضمن المهل الدستورية يؤثر ايجابا على دعم برامج الاصلاح في لبنان.