يتم التحضير لتقديم اقتراح  قانون الحكومة الالكترونية الى مجلس النواب الذي عملت على صياغته عدة كتل نيابية ولاسيما كتلة القوات اللبنانية  التي تعتبر العرّاب لهذا الاقتراح.

تلخص اهمية المشروع في عدة نواح في طليعتها تأمين الشفافية في عمل المؤسسات وتقليص الاحتكاك الجاري بين موظفي الادارات العامة الرسمية وبين المواطنين فضلاً عن تسريع انجاز المعاملات والتحرر من البيروقراطية الادارية.

وفي المعلومات المتوافرة،اسقط تقدم لبنان في مؤشر الأمم المتحدة للحكومة الالكترونية نظرية عدم جهوزية البيئة الوطنية لاحتضان هذا النوع من التطور في الخدمات العامة.

ما هي اهمية تطبيق الحكومة الالكترونية  في لبنان اليوم، في هذا العهد الذي حمل نبراس محاربة الفساد ؟  ما هو مدى جهوزية التطبيق في لبنان ؟ما هي اكثر القطاعات التي هي  بحاجة اليها؟

الخبير في الاقتصاد والتكنولوجيا رئيس "سيدر انستيتيوت للشؤون الاقتصادية والاجتماعية" ​غسان حاصباني​ قال "للاقتصاد" تكمن اهمية الحكومة  الالكترونية  في  تسهيل الاجراءات الرسمية ومكننتها لتسهيل اتمامها من قبل المواطنين ؛ فهي تحقق اللامركزية  في توفير الخدمات على مستوى الادارات، وهي بالتالي تخفض من معاناة الانتقال والتنّقل لدى المواطنين  بين منطقة واخرى من اجل انجاز المعاملات،  مما يخفّف من زحمة السير ومن عناء على المواطنين.  ان في لبنان جهوزية ليست بعيدة عما هي عليه في غيره من البلدان حيث تفوق نسبة المواطنين الذين يستخدمون الانترنت والهواتف الذكية المعدل العالمي.

ومن المعلوم ان المواطن يتكبد اليوم عناء متابعة معاملته عن طريق التنقل لاكثر من اسبوع بين دائرة واخرى . وتقدرالكلفة الاقتصادية السنوية  بحدود مليار و200 مليون دولار على مستوى الانتاجية من الناتج المحلي.

كما تقدر قيمة الخسائر التي تقع على المواطن نتيجةوقوعه ضحية بعض الموظفين والسماسرة والفاسدين بحدود 800مليون دولار. اضف الى ان ذلك حرمان الدولة من مداخيلووفر اضافية، فيما ان تطبيق الحكومة الكترونية  يسفر عن خفض كلفة اجراء المعاملات ويرفع مداخيل خزينة  الدولة بعد تسريع اتمام المعاملات وزيادة حجمها وفق الاطرالقانونية  السليمة  بمعدل 750مليون دولار  سنويا ً. وعلى سبيل المثال، فان انشاء اي مؤسسة وتسجيلها مع كل الاوراق المطلوبة من براءة ذمة، سجل عدلي وغير ذلك... يتطلب عدة اسابيع مع تكاليف مرتفعة ، بينما في البلدان التي تعتمد الحكومة الالكترونية الادارات مترابطة مع بعضها وهذا ينسحب على المعلومات  والبيانات المتواجدة رقميا داخل الوزارات.فالدوائر تحصل من بعضها على المعلومات والمواطن يسدد تكاليف التسجيل بواسطة الدفع الالكتروني. وبالتالي ، يمكن تأسيس شركة خلال دقائق . وما حصل في اوروبا وبعض بلدان الخليج مثل سلطنة عمان كان الاسرع حيث تم الاعتماد على نظام حديث مع تعديل في الاجراءات المعتمدة طبقا ً لما  هو حاصل في استونيا التي تسرّع انجاز المعاملات في أقل من دقيقتين.

تسريع القرار السياسي

وعن الفترة الزمنية اللازمة للتطبيق يعتبر حاصباني ان المشروع بحاجة لسرعة اتخاذ القرار السياسي اللازم علما ان كافة القطاعات في لبنان بحاجة اليه حيث هناك  اقله نسبة 70% من الاجراءات التي تتم في الدوائر بحاجة ملحة اليه.

اما مقومات نجاح المشروع فهي بدون شك الجهاز البشري، وبنية تحتية متطورة  وسليمة  للاتصالات والانترنت ، وتقنية حديثة للمعلومات الممكننة الى جانب قدرة التواصل البيني بين الوزارات.وايضاً القرار السياسي الذي يصدر القانون الكفيل برعاية المعاملات.

ولناحية المدة ، لابد من القول انه مسار طويل يبدأ من تحويل كل ما هو مكتوب وورقي الى رقمي ، تبدأ بعدها الوزارات والمؤسسات والادارات العامة والرسمية بربط بعضها  البعض لتبادل المعطياتوالبيانات وصولاً الى وضع شباك يمهّد الولوج الى المعلومات المطلوبة وانجاز المعاملات عبر الانترنت.

وهذا يحتاج الى التشريعاتوالأاطر القانونية اللازمة والبنية التحتية السليمة المتطورة المساعدة على تحويل الورقي الى رقمي.

كما ان الجهوزية تبدأ بخطوات تدريجية في الوزارات؛ فهناك عدة وزارات بدأت تطبق ذلك بشكل متواضع مثل وزارة المال (تسديد الضرائب، اتمام المعاملات العقارية....). وبدون شك ان الانطلاقة تكون بمكننة البيانات وصولا الى الموقع الالكتروني الخاص بالدولة.  وهنا اهمية  التشريع  الذي  يفرض  الشفافية  في اجراء المناقصات عبر الانترنت كما يساعد في الاطلاع على نتائجها بعد نشر دفاتر الشروط اي بمعنى آخر يحول دون مرور الصفقات المشبوهة.

ولتحديد الكلفة  فهي  بالتاكيد لا تتعدى نصف قيمة  المردود الذي  سيدخل الى خزينة الدولة  عند تطبيقها المشروع. انها كلفة تدريجية  اذ ان المشروع بطبيعته هو تطويرللوزارات. ومن المعلوم ان كل الوزاراتلا سيما مكتب وزير شؤون التنمية الادارية ووزارة الاتصالات لهما دور في ذلك اي في وضع الأسس الفنية للبنية التحتية للمشروع تمهيدا لتحويله الى مجلس الوزراء مجتمعاً.

ولا شك ان العنصر البشري في القطاع العام هو بحاجة الى التأهيل والتدريب ليكون جاهزا لاستخدام التكنولوجيا الحديثة.

ويشير حاصباني الى ان  تطبيق الحكومة الالكترونية يقلص عدد  الوظائف في الادارات مستقبلا دون ان يلغي استحداث  فرص العمل وتحريك العجلة الاقتصادية.

ومن المعروف وفق الدراسات ان المكننة تخلق على الاقل 5 وظائف جديدةبدل كل وظيفة تلغى بسببها.

ولفت حاصبانيالى اناقتراح قانون الحكومة الالكترونيةالذي بدأت العمل عليه القوات اللبنانية منذ أكثر من سنة ونصف السنة، بالتعاون مع خبراء قانونيين وتقنيين، واشراك مكتب الدراسات في مجلس النواب وعدد كبير من موظفي القطاع العام المعنيين وكتل نيابية أخرى،  يلحظ تضمينه مراسيم تطبيقية توصّف بشكل واضح المعايير التقنية والاجرائية لتأكيد مصداقية الحكومة الالكترونية  والسند الالكتروني والتوقيع الالكتروني ومصداقية التبادل البيني بين الدوائر الرسمية  اضافة  الى   الاجراءات المطلوبة لحماية المعلومات من اعمال القرصنة والسرقة والتلف بسبب اية عوامل بشرية او طبيعية.

الى جانب ذلك ، فان التكنولوجيا المتطورة هي بحد ذاتها تأكيد على مصداقية المعاملة . وعلى الوزارات تعزيز الاجراءات الآيلة الى تسهيل التطبيق. ومن اجلذلك،  ادرج في القانون مراسيم تطبيقية قابلة للتعديل ومواكبة للتكنولوجياالقابلة  للتغيير. كما انه بعد صدور القانون ستصدر المراسيم التطبيقية عن مجلس الوزراء. فالقانون هو اطار لعدد من النقاطويعطي هامشا لمجلس الوزراء في اصدار المراسيم التطبيقية حسب تطور التكنولوجيا.

ولكن هل بامكان السياسة منع  التحوّل الى الحكومة الالكترونية التي ترتكز على عنصر الشفافية؟

يرى حاصباني ان السياسة قد تسهّل او تعرقل اقرار اي مشروع ؛ فللسياسة اعتبارات أخرى قد لا تندرج في أولوياتها هذه الأمور. فالحكومة الالكترونية هي الاهم في الاصلاح الاداري ومحاربة الفساد. وهي بحاجة الى قرار سياسي جامع. ولكن السياسة قد تعرّقل التطبيق حيث تهّدد بعض المصالح الفردية . وهنا يجب التمييز بين  السياسة المتعلقة بالتوجهات المختلفة وبين السياسات المرسومة  للحكومات والتي تسرّع القوانين لتحسين الاداء في القطاعات وخدمات الدولةوتسهيل حياة المواطن بعيداً عن تجاذبات السلطات واصحاب النفوذ.

اما بعد ، وفي ضوء هذه المعطيات لا بد من الاشارة الى ان الحكومة الالكترونية رزمة متكاملة  من  التقديمات الملحة  لتسهيل ا امور المواطنين  والدولة  الفاضلة.