يجمع اللبنانيون اليوم على الجو الايجابي الذي يسود لبنان منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، وتكليف سعد الحريري لتأليف الحكومة. وهذا المناج المتفائل انعكس حتما على الوضع الاقتصادي المحلي، الذي كان يعاني من ركود شبه تام.

لكن الصدمة الايجابية التي كانت وليدة التوافق السياسي، لن تدوم مطولا، لذلك على المسؤولين والجهات المعنية الاستفادة منها قدر الامكان من أجل تحقيق تغييرات ملحوظة وملحة، تؤدي الى تحسين أوضاع المواطن بشكل ملموس على المدى القريب. وبالتالي بات من الضروري تحديد أولويات الحكومة الجديدة، من أجل الحصول على الحلول الفعالة، التي من شأنها اخراج الاقتصاد المحلي من دائرة الخطر التي كان يقبع فيها خلال السنوات الماضية.

فما هي الأولويات الاقتصادية والاجتماعية التي على الحكومة الجديدة التركيز عليها؟ وما هي أجندة العمل التي يجب اطلاقها من أجل تحقيق النتائج الملموسة؟

أجاب على هذه الأسئلة، رئيس الرابطة العالمية لخبراء الاقتصاد في لبنان وعميد كلية إدارة الأعمال والإقتصاد في جامعة الحكمة، البروفيسور ​روك أنطوان مهنا​ في هذه المقابلة الخاصة مع "الإقتصاد":

- بات لدينا اليوم رئيسا جديدا للجمهورية يطرح القيام باصلاح اقتصادي يقوم على التخطيط والتنسيق بين الوزارات.

هذا كلام جيد، لكن العبرة تكمن في التفاصيل والآلية التي توضع، هذا ما نفتقد اليه! فنحن لا نفتقد الى عدد الخطط، بل الى الاستمرارية في الخطط والتنسيق بين الوزارات والادارات المعنية. لهذا السبب من الممكن أن يترجم هذا الكلام الذي قاله فخامة الرئيس ميشال عون، كخطة طريق مهمة، لكي نتمكن من اطلاق هيئة مركزية للاصلاح الاقتصادي، وذلك في ظل غياب وزارة تخطيط، وبالتالي غياب التنسيق بين الوزارات؛ الأمر الذي يظهر جليا في موضوع النفايات، والخبز، والزراعة، وأزمة التفاح، والخطط القطاعية...

نعيش اليوم في عصر اقتصاد المعرفة، لذلك نحن بحاجة الى تداخل الوزارات بين بعضها البعض من أجل تقديم منتج أو سلعة قادرة على التنافس، ولهذا السبب يجب تحقيق التنسيق، بسبب طغيان التضارب بين الجهات المعنية.

من هنا يجب النظر الى نقاط الضعف والقوة، والى الفرص المتاحة، والتحديات الموجودة. كما يجب القيام بدراسة حالية، وتطبيقها بشكل سريع. ومن المهم أيضا وضع خطة مع آليات تبدأ على المدى القريب، وتعطي الفعالية للمواطن؛ اذ أنه يجب الاستفادة من الصدمة الايجابية الحاصلة.

وبالتالي يجب وضع خطة عملية للحصول على نتائج على المدى القصير، لكي يشعر المواطن أن مستوى معيشته تحسن، وأن خدمات الدولة تحسنت بدورها أيضا!

وفي الوقت ذاته، يجب العمل على المتسويين المتوسط والبعيد، من أجل تحقيق المزيد من النتائج الايجابية.

نحن نواجه مشكلة في الاستمرارية، فكل وزير يأتي ليضع الخطط في الأدراج، ويبني فريق جديد من المستشارين، ويقوم بالدراسات الجديدة.

من هنا يجب التركيز على 3 محاور:

أولا، يهمنا تأليف حكومة بأسرع وقت والحفاظ على مبدأ المداورة.

ثانيا، يجب أن تحتوي الحكومة على عنصر الشباب المتعلم والمثقف والمتخصص لأن الوازرات اليوم باتت علم واختصاص. لذلك نحن بحاجة الى الشخص المناسب في المكان المناسب، لأن هذا الأمر يعطي المزيد من الثقة الى المواطنين، وبالتالي تزيد الاستثمارات، ويسجل لبنان نسب نمو أعلى.

وفي اطار الحكومة الشابة المتخصصة التي نعول على تأليفها، يهمنا أيضا وجود شراكة حقيقية، واليوم هناك فرصة لتحقيق ذلك. لذلك يجب استغلال الفرصة الذهبية لكي نتمكن من اعطاء دعم للخطة الاقتصادية الاجتماعية الشاملة.

ثالثا، هناك عقبة سياسية تكمن في قانون الانتخاب، لأن هذه الحكومة سوف تأتي لتأمين انتخابات نيابية في حزيران، ولهذا السبب نحن بحاجة الى قانون يصحح التمثيل. فعندما يتم هذا التصحيح، يصبح لدينا استدامة في النظام السياسي. وبعد الانتهاء من الامتحان الصعب الذي يكمن في قانون الانتخاب، سنشهد على نفس ايجابي للمستثمر والمواطن.

وفي موازاة هذا الموضوع، يجب العمل من اليوم الأول على خطة اقتصادية لكي نرى الأولويات، وما يهم جيبة المواطن وحياته اليومية، وكيف يمكن اعطاء قيمة مضافة للمواطن في أقرب وقت ممكن. لذلك يجب القيام باصلاحات بنيوية تخلق خطة شاملة للاقتصاد، وتعطي على المدى القصير قيمة مضافة يشعر بها اللبناني خلال سنة تقريبا. ولكن في الوقت ذاته، نحن بحاجة الى خطة طويلة الأمد، خمسية وعشرية، لأن هناك مشاريع لا تنتهي بسرعة. والى جانب ذلك، يجب القيام باجراءات سنوية واستراتيجيات على المدى القصير، أي خلال سنة تقريبا؛ مثلا اصلاحات استراتيجية (5 و10 سنوات)، و اصلاحات تشغيلية واجراءات (من سنة الى 3 سنوات).

يجب أولا اقرار الموازنة العامة لكي ينتظم العمل، ونتحاشى الانفاق العشوائي الذي يحصل في الحكومة، ولا ننسى أن 20% الى 22% من النفقات الحكومة تحدث من دون رقابة.

ثانيا لدينا ملف النفط الذي يعد من الاصلاحات الاستراتيحية البنيوية التي يجب أن تبدأ اليوم لكي نلتمس النتائج بعد 4 سنوات على أقل تقدير. ومن المهم في ملف النفط والغاز، أن نشهد على استقلالية وشفافية في الصندوق السيادي، لأنه يخلق فرص عمل، ويؤدي الى تحسن في المالية العامة، كما أن قسما منه يذهب الى تخفيض الدين العام. واذا لم يتم هذا الأمر، فإن نعمة النفط سوف تنقلب الى لعنة، لأن لدينا مزاريب فساد سهلة.

ثالثا لدينا اقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهذا من ضمن الخطط الاستراتيجية. فالقانون يشكل مدخلا أساسيا لاصلاح قطاع الكهرباء الذي يؤدي الى تقوية الصناعة وتخفيض كلفتها، بالاضافة الى موضوع أزمة السير والبنى التحتية المهترئة، والتي تعتبر أساس لجذب الاستثمارات الأجنبية، وأيضا لخلق حوالي 200 ألف فرصة عمل محلية للبنانيين.

رابعا يجب مكافحة الفساد من اليوم الأول، وهذا الملف بحاجة الى اطار تشريعي، مثل اقرار مشروع الاثراء غير المشروع، واقرار مشروع قانون لحماية كاشفي الفساد، وحق الاطلاع على المعلومات لكي يتمكن المواطن من المراقبة والمحاسبة. وبالاضافة الى وسيط الجمهورية أو هيئة عليا لمكافحة الفساد.

هذه المواضيع محددة، وتعطينا قيمة مضافة أكبر، فالفساد يكلف بين مليارين و4 مليار دولار في السنة، والكهرباء حوالي 2 مليار، وأزمة السير بين 1 و2 مليار، بالاضافة الى أزمة النازحين السوريين؛ اذ يجب ضبط العمالة السورية من قبل الوزارات المعنية مثل الداخلية والعمل.

كل هذه المواضيع تشكل اجراءات على المدى القصير وتعطي منفعة، أما الهدف منها فهو وضع خطة متكاملة في التنسيق، والمطالبة بهيئة مركزية اقتصادية تقوم بعمل وزارة التخطيط والاصلاح كما حصل في الصين مثلا، بالاضافة الى تحقيق الاصلاحات الاجرائية التشغيلية على المدى القصير. فالمواطن يجب أن يشعر في أول 100 يوم أن الكهرباء والماء والخبز والصحة تحسنت.

وتجدر الاشارة الى أن هناك العديد من الأمور العالقة، ولكن يجب اليوم وضع الأولويات. وهذه هي الخطة المتكاملة التي تسهم في انجاح العهد، وتكون بمثابة خطة طريق في أول 100 يوم.