تحقيق الأحلام لا يرتبط بسنّ معيّن أو بوقت محدد، بل هو ثمرة التعب، والجهد، والإجتهاد، والمثابرة، والإصرار؛ فكل فترة من حياة الإنسان تحتاج إلى نجاح ما!

رغم أن البعض يقترب من سن الخمسين، ويعتبرها بداية لإغلاق صفحة الطموحات المهنية والتحضير للتقاعد، لكن هناك من عرف كيف ينطلق من جديد، ويعيش شباباً آخر، ويعيد بناء مسيرته العملية من الصفر، ويطور ذاته ومهاراته وقدراته من أجل تحقيق المزيد من النجاحات والإنجازات.

أندريه هيكل هو خير مثال على هذا الكلام، فقد فكّر، ثمّ قرّر، ونفّذ في عمر التاسعة والأربعين، دون الإلتفات إلى الخلف، مطبّقا المقولة القائلة: "لا نستطيع السير عندما ننظر إلى الخلف لأننا سنقع، ولكن إذا ما نظرنا إلى الأمام سنتمكّن من الجري".

لنتعرّف أكثر إلى مسيرة مؤسس شركة "Haykal for Trading"، أندريه هيكل، المحفّزة والمشجّعة، في هذه المقابلة الخاصة مع "الإقتصاد":

- أين كانت الإنطلاقة؟ وكيف قررت تأسيس شركتك الخاصة؟

كنت أعمل كموظف في شركة كبيرة، وذات يوم قررت أن أترك وظيفتي من أجل تأسيس عملي الخاص. حيث إن الجهد الذي أقوم به لشركة أخرى، بإمكاني القيام به لنفسي، والإستفادة أكثر. فعندما يعمل الموظف لشركة ما، سوف تكبر الشركة، بينما يبقى هو في مكانه، ويتقدم بالمنصب فقط، ولكن ليس بحجم العمل.

لذلك عمدت إلى إنشاء مؤسستي الخاصة، لكي أتوسع وأكبر، وبالتالي يكون مجال عملي مفتوحاً. وفي تاريخ 12 كانون الأول 2012، أطلقت "Haykal for Trading"، الموجودة اليوم في المدينة الصناعية في مزرعة يشوع.

- من أين حصلت على رأس المال لإطلاق الشركة؟

التمويل كان خجولا في البداية، لذلك اعتمدت على خبراتي الخاصة، وعلى علاقاتي واتصالاتي، من أجل إطلاق الأعمال، بدلاً من الإعتماد على رأس المال. وبطبيعة الحال كل مشروع بحاجة إلى مبلغ لكي ينطلق، لكن خبرتي في مجال التجارة، أسهمت في تقدمي بسرعة، وفي إعطاء نتائج ملحوظة خلال فترة قصيرة. وبالتالي بدأت مؤسستي بالنمو بشكل سريع، من خلال الإنتاج والبيع وتحقيق الأرباح.

ولا بد من الإشارة إلى أن الشركة تصنع اليوم كاتشاب "Yummi’s"، ورب البندورة، والخل، والبهارات. كما نعبئ المنتجات لبعض الشركات الأخرى.

- ما هي الصعوبات التي تواجهها كصاحب شركة خاصة عاملة في لبنان؟

الصعوبات الأكبر تكمن في الضرائب والفوائد التي ندفعها. فالقطاع الخاص في لبنان، وبشكل خاص المؤسسات الخاصة، لا تجد أي دعم من الجمعيات، أو القطاع العام أي الدولة، وبالتالي تكبر وتتوسع بمجهودها الشخصي. في حين أن المصارف تدعم مادياً، لكنها تثقل كواهل الشركات بالفوائد المرتفعة.

- هل تواجه منتجاتك صعوبة في منافسة الشركات المعروفة في السوق اللبنانية؟

عملت أولاً في مجال صناعة الكاتشاب، الذي يعتبر العامود الأساس لشركتي. كما تمكنت من الدخول إلى السوق اللبنانية من خلال ثلاثة عوامل رئيسية،هي: النوعية، والسعر، والخدمة؛ فاستطعت أن أكون سريعا في الخدمة، وأن أقدم منتجاً مهمّاً يضاهي الأصناف الموجودة منذ عشرين سنة، وبالتالي منافسة بعض الشركات العالمية.

وأخيراً، أتاحت لي تلك العوامل الثلاثة، أن أفرض اسمي في الأسواق.

- على الصعيد الشخصي، ما هي برأيك مقومات الرجل الناجح في مجالي الصناعة والتجارة؟

عندما نريد الترويج أو التسويق لمنتج ما، يجب أن نوحي بالثقة للزبائن، إذ أن عامل الثقة ضروري لإعطاء الإنطباع الإيجابي.

لكن هذه الثقة ليست فقط بالمنتج، بل بشخصية المروّج، التي تفرض نفسها، وتظهر قوّتها وحنكتها.

كما أن الإصرار هو عامل أساسي، فالمشروع يبدأ بفكرة، وبالتالي في ظل غياب هذا العامل، لا يمكن تحقيق أي شيء، رغم توافر رأس المال. وبالتالي فإن الحلم هو الخطوة الأولى في الحياة. أما الخطوة الثانية، فتكمن في التمويل والتنفيذ.

ولا بد من القول أن الإنسان الذي يفتقد إلى الحلم أو الطموح أو الهدف، لا يمكن أن يصل إلى النجاح في حياته.

من ناحية أخرى، لا يجب أن نخاف من المستقبل، فإذا كان الشخص واثقاً بنفسه وبفكرته، فلن يقول كلمة "مستحيل"أبداً.

كما أن المثابرة مهمة، فقد مررت بمصاعب عدة من أجل تحقيق الإستمرارية في العمل، وحين قررت افتتاح مؤسستي، راهن الكثيرون على نجاحي، لأنني كنت أترك وظيفة في شركة كبيرة وفي منصب ممتاز، لكي أخاطر وأطلق عملي الخاص.

- من كان الداعم الأكبر لمسيرتك المهنية؟

على الصعيد المعنوي، دعمت نفسي بنفسي. كما أن عائلتي وقفت إلى جانبي دوماً، ووضعت ثقتها بي، وتقبلت فكرتي، وقبلت أن تتحمل المخاطرة التي فرضْتها عليها؛ وهذا الأمر شكل دعماً كبيراً بالنسبة لي، وأعطاني دفعة إلى الأمام. فأنا لا أريد أن أفشل، لكي لا أخيّب ظن زوجتي وأولادي.

- هل شعرت يوماً بالتقصير تجاه أفراد عائلتك وحياتك الخاصة بسبب انشغالك في العمل؟

لقد قصرت مادياً ومعنوياً ونفسياً، بسبب مروري بظروف صعبة، فقد أسست الشركة دون الحصول على تمويل كبير، وكنت أعمل، وأحصل على الأموال، وأوسّع العمل، ولكن في حال جمود الحركة، لا أتمكن من التوسيع. لذلك أنا مدين لعائلتي بالكثير، لأنهم قبلوا خوض هذا التحدي معي.

لكن اليوم، وبعد ثلاث سنوات، تبدّلت الأوضاع، وشعرت أكثر فأكثر أن عملي يسير على السكة الصحيحة، ويتطور عاماً بعد عام. فالحركة خلال هذه السنة، كانت أقوى بكثير من السنة الماضية، وأنا واثق من أنها ستكون أفضل في السنوات القادمة، لأنني أعمد كل فترة إلى زيادة المنتجات التي تصنّعها الشركة.

- ما هي مشاريعك وطموحاتك المستقبلية؟

الإنتاج الذي حقّقته إلى حد اليوم، يدفعني إلى تغطية قسم من السوق المحلية، لكن طموحي هو التصدير إلى الخارج. واليوم لدي وكلاء وعملاء، ينتظرون أن أوسع إنتاجي أكثر، لكي يبدأوا بالتركيز معي نحو دول أخرى.

- ما هي النصيحة التي تقدمها إلى المواطن اللبناني، اسنتادا إلى تجربتك المهنية الخاصة؟

أطلقت شركتي الخاصة بعمر التاسعة والأربعين سنة، أي في العمر الذي يبدأ فيه الإنسان بالتفكير بالتقاعد والرّاحة. لكنني انطلقت من جديد، وبدأت من الصفر، وحتى من تحت الصفر، وحصلت على كل الطاقة المطلوبة للنجاح في العمل. فالعمل الفردي والمؤسسة الفردية، التي تتّكل على نفسها، بحاجة إلى جهد كبير من صاحب المشروع. وبالتالي اعتبرت عمري بمثابة نقطة تحول وانطلاقة جديدة.

من ناحية أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن لبنان يؤمِّن العديد من فرص العمل، واللبناني يسافر إلى الخارج، لكي يعمل لمدة اثنتي عشرة ساعةليحصل على راتب مرتفع، ولكن إذا عمل في لبنان مثلما يعمل في الخارج، سوف يحقق في لبنان أكثر مما يحققه في الخارج!

- ما هي طلباتك من الدولة اللبنانية، انطلاقا من كونك صاحب مشروع خاص؟

يجب أن "ترحم" الدولة المؤسسات الصغيرة والجديدة، لأنها تدفع الضرائب والمستحقات مثل أي شركة أخرى. لذلك يجب إعادة النظر في وضع هذه المؤسسات التي تتوسع، وإعطائها معاملة خاصة، لكي تتمكن من النمو بسرعة، وتحسين قطاع الصناعة والتجارة في لبنان، وبالتالي خلق فرص عمل أكثر لدعم الإقتصاد اللبناني.