لا تزال التوقعات الإقتصادية بشأن لبنان تتوالى منذ الإنتخابات الرئاسية التي أدت إلى وصول ميشال عون إلى سدة الرئاسة في 31 تشرين الأوّل 2016 وتكليف النائب سعد الحريري بعد ذلك بتشكيل حكومة العهد الجديد. وكان آخر هذه التوقعات المذكرة الإستراتيجية التي نشرتها المجموعة الماليّة "ھيرميس" عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي إعتبرت فيها أنّ انتخاب رئيس جديد للجمھوريّة اللبنانيّة "من شأنه أن يحسّن ثقة المستثمرين، إلاّ أنّه يبقى غير كافٍ لتحقيق تطوّر ملموس في النشاط الإقتصادي. فعلى الرغم من توقّعاتٍ بأن يتمّ تشكيل حكومة جديدة دون أيّ عرقلة نظراً إلى التوافق الظاھر بين مختلف الأفرقاء السياسيّين، ذكر التقرير الضبابيّة حول الإنتخابات النيابيّة القادمة كإحدى التحدّيات الأساسيّة للبلاد".كما سلّط التقرير الضوء على الحاجة الماسّة لاتّخاذ تدابير إصلاحيّة لمعالجة معضلة العجز في الماليّة العامّة والدين العامّ المرتفع كنسبةٍ من الناتج المحلّي الإجمالي، والبالغ حوالي 140%، لدعم الإنفاق الرأسمالي من قبل الحكومة.وفي المقابل، إستبعدت مجموعة "ھيرميس" أن يشھد لبنان أيّة تطوّراتٍ ملموسة في ملفّ النفط والغاز على المدى المنظور على الرغم من أھميّته.

ومن جهةٍ ثانية، كانت إحصاءات جمعيّة المصارف في لبنان قد أظهرت إرتفاعاً بنسبة 0.9% (0.66 مليار دولار) في الدين العامّ اللبناني خلال آب من العام 2016 إلى 111621 مليار ليرة، أي 74.04 مليار دولار، من 110628 مليار ليرة، أي 73.39 مليار دولار، في تمّوز، ما يشير الى أهمية البدء باتخاذ الخطوات الجدية نحو الحل.

وللحديث أكثر عن كل هذه التفاصيل والتوقعات كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الوزير السابق ​شربل نحاس​:

- بدايةً، ما هي الأولويات التي يجب أن تنظر إليها الحكومة الجديدة برأيك؟

الموازنة ثم الموازنة ثم الموازنة، فوراً. فإذا تم تشكيل الحكومة أم لا،فيجب إقرار الموازنة فوراً، ولتنفيذ المواضيع الأخرى كافة؛يجب إقرار الموازنة، لأن الدولة ليست خطابات بل هي التي تجبي الضرائب وتستخدمها لتنفيذ سياساتها. هذا الأمر اسمه موازنة، لذا فإن لم يقروها فسنبقى "بالحكي"، ومن يعلم كم سيستغرق تشكيل الحكومة معهم من الوقت؟ هل يمكن لأحد أن يضمن لنا أن لا يضيعوا الوقت بحكومة تصريف أعمال حتى يقوموا بتشكيل الحكومة الجديدة، فيبدأون بالتفكير في قانون انتخاب مجلس نيابي جديد، الأمر الذي يستدعي التمديد للمجلس الحالي طبعاً لأن العملية ليست بهذه السهولة، وبعد الإنتخابات يكون وقت الموازنة قد فات وتم تأجيلها إلى ما شاء الله.

- هل ترى أن ما ورد في خطاب القسم حول الخطة الإقتصادية سيعيدنا إلى تحقيق نسب نمو جيدة رغم استمرار الحرب في سوريا؟

الكلام الذي ورد في خطاب القسم على الصعيد الإقتصادي تناول المواضيع بشكلٍ عام جداً. المسائل التي نواجهها إقتصادياً ليست سهلة البتة،وتستوجب اتخاذ خيارات مهمة. لدينا اليوم مسألة النازحين السوريين، وجوب تأمين الخدمات الأساسية، قوى أمنية تفتقد الى المعدّات، قضية سلسلة الرتب والرواتب والموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بطريقة غير قانونية، وأمور كثيرة غيرها، والشيء المشترك بينها، هو أن كل واحدة منها تطرح تحديات وقرارات وهناك مواقف مؤيدة ومواقف معارضة لحلولها.

يجب أن نستغل هذا الظرف الذي نعيشه من انتخاب رئيس إلى تكليف رئيس للحكومة لتغيير المشهد والخطاب السياسي حالاً وإلا سيتبخر ونخسره، لأن هذا الظرف قابل للتبدد.

الوضع في سوريا يؤثر علينا سلباً بالطبع، ولكن يجب أن نتّخذ الإجراءات الواجب اتخاذها لا يمكننا الجلوس والإنتظار، الدول لا تعمل فقط على ترقّب محيطها، ترامب وكلينتون لم يصلاإلى المرحلة الأخيرة من الإنتخابات بسبب مواقفهم من الدول الأخرى، بل لطرحهم الأمور التي تعني المواطنين من توفير الوظائف إلى ظروف العمل. كل دولة إن كانت صغيرة أم كبيرة، همها هو إدارة شؤون بلدها وبعد ذلك تنتقل إلى الشؤون الخارجية. محيط لبنان مليء بالمآسي نعم، ولا يمكننا القيام بشيء بخصوص ذلك نعم، لكن لا يجب أن نتخذ من هذا الأمر حجة للجلوس وانتظار الحل أو قرار الأطراف الخارجية بالسلم والحرب. هذا ليس الموقف الطبيعي أبداً.

- هل ترى أننا سنشهد تقدّماً كبيراً في ملف النفط والغاز خلال العهد الجديد؟

هل قررنا في البداية ما الذي سنفعله في هذا الملف؟ فريق يريد استخدام العائدات في دفع الدين، وآخر يريد استثماره واقتراحات أخرى أيضاً. هذا الموضوع لم يجرِ بشأنه نقاش جدي بعد، لذا لا أرى شيئاً بعد.

- ما هي توقعاتك لنسب النمو لهذا العام، مع العلم أن أرقام حديثة أظهرت تجاوز الدين العام عتبة الأربعة والسبعين مليار دولار ؟

لنرى ما الذي سيتم اتخاذه من خطوات، وفي النهاية توقعات نسب النمو دائماً ما تكون إنطباعية، ولنعلم من يسكن هذا البلد أولاً قبل التوقعات الإقتصادية. وبالنسبة للدين العام، نعم الرقم المعلن عنه أربعة وسبعون مليار دولار، ولكن هناك دين الأفراد والأسر أيضاً.

- هل تتوقع عودة السياح الخليجيين مع رئاسة الحريري للحكومة الجديدة؟

المسألة ليست مسألة توقعات، ولكن هذا الموضوع يستأهل منا حيزاً من الإهتمام، شئنا أم أبينا، فالسياح الخليجيون لديهم قدرة إنفاق كبيرة، وهم يسهمون بنسبة جيدة في تحريك قطاع السياحة، لذلك فإنهم عنصر مهم يحتاج إلى العناية، لكن إقتصادنا ليس قائماً عليهم، بل هو واحد من الأمور الكثيرة التي يجب إصلاحها.