مع إقتراب تشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال عون، يظهر إلى العلن عدّة تحديات ومنها الملف ​النفط​ي الذي تمّ التطرّق له في خطاب القسم. هذا الملف الذي يواجه إنقسامات سياسية وتحديات خارجية، لن يكون من السهل التعاطي معه.

تحدّيات العهد الجديد السياسية، الإقتصادية، المالية والإجتماعية كثيرة وتشمل قانون الإنتخاب والإنتخابات النيابية، معالجة النزوح السوري وما له من تداعيات على الاقتصاد اللبناني، تحفيز هذا الأخير، إقرار قانون الموازنة، السيطرة على الدين العام، محاربة الفساد، إقرار قوانين إقتصادية وإجتماعية عديدة، حلّ أزمة النفايات والكهرباء والمياه...

كل هذه الملفات لها طابع حيوي وحلّها إلزامي نظرًا للتدعيات السلبية على مصداقية الدولة وعلى المواطن اللبناني. في هذا المقال سنُسلّط الضوء على ملف النفط الذي يُعتبر ملفّ أساسي يُمكن أو يضع الأسس لمُستقبل نوعي للبنان وللمواطن اللبناني إذا ما تمّ التعاطي معه كما يجب.

الثروة النفطية والغازية اللبنانية...

يعود فضل إكتشاف الثروة النفطية والغازية في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المُتوسط إلى وكالة الـ USGS الأميركية التي تُعني بعلوم الأرض وخصوصًا مراقبة النشاط الزلزالي.

إستغلّت الوكالة، كما العديد من المنظمات الدولية، حادثة سقوط الطائرة الأثيوبية قبالة السواحل اللبنانية للبحث عن الثروة الغازية والنفطية في الحوض الشرقي للمتوسط. وأظهرت أرقام الوكالة أن حصّة لبنان من النفط والغاز هي على الشكل التالي: 1.689 مليون برميل من النفط، 122.378 مليار قدم مكعّبُ من الغاز، و3.075 مليون برميل من الغاز السائل كمعدّل وسطي.

ومن خلال الحسابات التي قمنا بها، توصلنا إلى نتيجة أن حجم بعض الآبار الغازية التي يمتلكها لبنان في البلوكات 8.5 و9 يفوق الـ 5 تريليون قدمّ مُكعب بإحتمالات تفوق الـ 90%.

هذه الأرقام تعني أن صافي حجم ثروة لبنان النفطية والغازية يفوق الـ 200 مليار دولار أميركي بعد إحتساب كلفة البنية التحتية وحصّة الشركات بالإضافة إلى أسعار الغاز والنفط الحالية (سعر الغاز هو السعر في أسواق الـICE، وسعر النفط هو سعر الـ WTI).

من هذا المُنطلق نستنتج أنه من الحماقة عدم الإٍستفادة من هذه الثروة للقيام بنقلة نوعية على الصعيدين الاقتصادي والإجتماعي.

الوضع الحالي للملف النفطي...

الملف النفطي مُجمّد حاليًا أمام عقبة المرسومين الحكوميين الذين يطالان تقسيم المنطقة الإقتصادية الخالصة (لا خلاف عليه) وشروط التلزيم (الخلاف الأساسي عليه).

وشهد لبنان منذ شهرين حركة مككوكية لبعض السياسيين اللبنانيين والأميركيين بإتجاه حلّحلة هذا الملف، لكن دون تقدّم فعّلي. والسبب يعود بكل بساطة إلى تعدد الرؤيات للأفرقاء اللبنانيين الذي كان لهم أصوات مُختلفة بإتجاه الخارج (مع شغور موقع الرئاسة الأولى). أيضًا هناك بعد إقليمي ودولي في ملف النفط اللبناني يمنع من أن يكون الحلّ لبناني. والدليل أن الاتفاق الذي حصل بين الرئيس نبيه برّي والوزير جبران باسيل لم يدفع بالملف إلى الحلّحلة.

المعوقات...

معوقات الملف النفطي اللبناني كثيرة ومنها ما هو قانوني، سياسي وإقتصادي. الشق القانوني يتأرجح حول إقرار المرسومين الذين هما شرط أساسي لبدء المُناقصات وتلزيم الشركات. لكن هذا الأمر ليس بالوحيد، فهناك مُشكلة الصندوق السيادي الذي لم يتمّ إنشائه بعد مع العلم أن قانون النفط أتى على ذكره كالمُستفيد الوحيد من مداخيل النفط والغاز.

أما الشقّ السياسي فيتمثّل بالبعد الإقليمي لهذا الملف مع مُشكلة الحدود مع العدو الإسرائيلي الذي قضم ما يوازي الـ 860 كم2 من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان (بلوكات 9.8 و10)، مُشكلة الحدود البحرية مع سوريا التي أيضًا قضمت مساحة تفوق الـ 900 كم2 من المنطقة الإقتصادية الخالصة (بلوكات 1 و2)، ومُشكلة إقرار معاهدة ترسيم الحدود بين لبنان وقبرص مع العلم أنه لا يوجد خلاف على ترسيمها. إضافة إلى كل هذا هناك مُشكلة تصدير النفط والذي يواجه مُعضلة تصدير الغاز إذ لا يوجد حتّى الساعة سوق لهذا الغاز مع الفيتو الروسي الذي يمنع تصدير الغاز من الشرق الأوسط إلى السوق الأوروبّي (بإستثناء إسرئيل).

على الصعيد الاقتصاد، يفتقر لبنان إلى كلّ المقومات ومنها البنى التحتية والفوقية التي تسمح له بإستقبال عصر النفط ودخول نادي الدول المُنتجة للنفط مما يعني أن مداخيل النفط وبغياب الصندوق السيادي سيتمّ صرفها كأنها لم تكن!! ومع تفشّي آفة الفساد، هناك إحتمال أن لا يستفيد المواطن اللبناني فعليًا من هذه الثروة.

إقتراحات...

من هذا المُنطلق، نرى أن على العهد الجديد التعاطي مع هذا الملف بشكل جدّي وشفّاف بعيدًا عن المُحصصات الطائفية، المذهبية والحزبية. وهنا الدور الأساسي لرئيس الجمهورية الذي يجب أن يلعب دور الراعي والساهر على مصلحة المواطن اللبناني.

إن معالجة ملفّ النفط والغاز يمرّ إلزاميًا بالمراحل التالية:

أولًا: معالجة المشاكل القانونية الداخلية من إنشاء الصندوق السيادي والشركة الوطنية للنفط، وإقرار مرسومي تقسيم المنطقة الإقتصادية إلى رقع وشورط التلزيم بعد إدخال معايير الشفافية اللازمة عليها. وعلى هذا الصعيد يُمكن ذكر وضع مراقبة من قبل منظمات دولية تُعنى بالشفافية، ووضع الكمّيات المُستخرجة يوميًا على الموقع الإلكتروني لهيئة إدارة قطاع النفط وغيرها من الخطوات الأخرى.

ثانيًأ: تأهيل البنى التحتية والفوقية من خلال إقرار قانون الشراكة بين القطاع الخاص والعام. هذا الأمر سيسمح للماكينة الإقتصادية بأن تكون مُستعدّة لعصر النفط من خلال الإستفادة من النشاط الاقتصادي الذي يؤمنه إستخراج الغاز والنفط. وعلى هذا الصعيد، يتوجّب على الحكومة تسهيل المُناخ الإستثماري خصوصًا للشركات في القطاعات الداعمة لقطاع النفط.

ثالثًا: إيجاد حلول سلمية لمشاكل الحدود البحرية مع كلٍ من العدو الإسرائيلي (بواسطة دولة ثالثة)، وسوريا وقبرص. هذا الأمر يتمّ من خلال رئيس الجمهورية الذي يتوجّب عليه توحيد النظرة اللبنانية لملف النفط وإظهار هذه النظرة للعالم أجمع. أيضًا يتوجب على العهد الجديد بدء محادثات مع كل من الإتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا بهدف إيجاد سوق للغاز اللبناني الذي هو أساس الثروة النفطية.

في الختام، إذا كان اللبناني مُتفائل بعودة الحياة للمؤسسات الدستورية، فإن من الواجب على العهد الجديد ترجمة الأمال المعقودة عليه بخطوات عملية علّ ملف النفط يؤدي إلى نقلة نوعية في حياة المواطن اللبناني.