أشارت وكالة "فيتش" للتصنيفات الإئتمانية، في تقرير لها يوم أمس إلى أن المخاطر مازالت قائمة في لبنان على الرغم من انتخاب ​ميشال عون​ رئيسا للدولة بعد شغور المنصب لعامين. وإن الإقتصاد سيظل تحت الضغط بفعل الحرب في سوريا، والضعف البالغ للمالية العامة.

وأوضحت "فيتش" إن تعيين عون خطوة مهمة نحو تحسين الكفاءة السياسية، وإنه سيعزز الكفاءة السياسية إذا أسفر عن مزيد من التوافق السياسي، وتشكيل حكومة وحدة قادرة على العمل.ولفتت إلى أن وضع المالية العامة للبنان صعب، حيث تبلغ نسبة الدين 140% من الناتج المحلي الإجمالي، ما سيحد- على الأرجح - إلى جانب الحرب في سوريا من المزايا الإقتصادية للتطورات السياسية الإيجابية.

وتابعت: "تقليديا كانت قطاعات السياحة والعقار والإنشاءات مساهماً رئيسا في النمو الإقتصادي السريع الذي تراوح بين 8 و10% بين عامي 2007 و2010 . لكن النمو دار حول 2% في المتوسط منذ تفجر الحرب في سوريا عام 2011 في ظل صعوبات تواجهها تلك القطاعات.وانخفضت تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي في 2011-2015 من 12% في المتوسط في 2004-2010".

وفي سياقٍ متصل، ولدعم هذا التقرير أكد مدير عام وزارة المالية آلان بيفاني في حديث إذاعي أن "ميزان المدفوعات هو ميزان العمليات الخارجية، والميزان التجاري يلحقه الحساب الجاري وميزان المدفوعات، أما فيما خص حسابات الخزينة وعجز المالية العامة فهي عملية لا تبدأ بيوم وتنهي بيوم"، مشدداً على أننا "دخلنا بعجز مالي ما زال مستمراً، وهذا يبني مديونية عامة وكبيرة".

ولفت بيفاني إلى أن "هناك إنجازات لا بأس بها في المالية العامة، إذ صار هناك جهد كبير بتوسيع الصحن الضريبي، والعدالة الضريبية، والجباية الضريبية، فعندما نصرف، نصرف على أساس ما أقرت الدولة من مصروف"، مشيراً إلى أن "هناك أولويات للصرف، لو لم نمارسها لكان الوضع اسوأ من ذلك".

ولمعرفة المزيد حول واقعية هذا التقرير، وما إذا كنا قد تفاءلنا "أكثر من اللزوم" كان لا بد لـ"الإقتصاد" من الإطلاع على رأي الخبير الإقتصادي د. ​إيلي يشوعي​:

- ما هو رأيك بتقرير "فيتش" يوم أمس الذي أشار فيه إلى أن المخاطر مازالت قائمة في لبنان رغم انتخاب ميشال عون رئيسا للدولة؟

كوكالة تصنيف، فإن "فيتش" لا تنظر إلى العوامل النفسية، بل إلى المعطيات من الأرقام فقط، لذلك برأيهم لم يتغير شيء، إلى أن يثبت العهد الجديد بنهجه وسياساته المالية والنقدية الجيدة والإستثمارية، وتطبيق اللامركزية الإدارية، كما أتى على ذكرها الرئيس في خطاب القسم، ومع الإهتمام إقتصادياً بالقطاعات المنتجة، كلها أمور تقدم أرقاماً إيجابية أكثرجدية، وتغير لهم تقاريرهم.

بالنسبة إليهم،فالعامل النفسي ليس دائماً أو مستقراً، لأنه يمكن أن يتلاشى بعد فترة زمنية وجيزة في حال لم يتبع الصدمة الإيجابية صدمات أخرى. وأنا برأيي، إننا في لبنان لا يمكن أن نهمل العامل النفسي، لأن الدليل على الدور المهم الذي يؤدّيه هذا العامل هو ارتفاع سعر السهم في بورصة بيروت من عشرة دولارات إلى اثني عشر دولاراً في يومين.

الشغور الرئاسي في لبنان كان تهديداً للكيان والنظام السياسي، الناس كانت خائفة من المستقبل، وبمجرد إنهاء هذا الشغور قرأوا أن هناك توافق دولي على المحافظة على الكيان اللبناني والنظام السياسي. وبالطبع ما تبقى من حسن الأداء وما إلى ذلك نراه في المستقبل بالممارسة طبعاً.

- هل ترى أن ما ورد في خطاب القسم حول الخطة الإقتصادية سيعيدنا إلى تحقيق نسب نمو جيدة رغم استمرار الحرب في سوريا؟

في خطاب القسم الكثير من الأمور الجيدة، لكن لا يجب أن نذكرها فقط بل يجب أن ننفذها ونسعى إلى تطبيقها، بالرغم من استمرار الحرب في سوريا. لبنان لديه الكثير من الموارد الذاتية المهمة لكنه لا يستفيد منها.

وأود الإشارة هنا إلى موضوع التهرب الضريبي ومخاطره، لأن عدد الكتومين في لبنان مرتفع جداً،وليس هناك مساواة أمام الضريبة، واللامركزية الإدارية التي وردت في خطاب القسم تحل الكثير من الأمور، كالخدمات العامة، ومسؤولية مجالس الأقضية بجباية الضرائب، وربما إنفاقها على المشاريع الإنمائية.

اللامركزية الإدارية تحل مشكلة الدين العام والعجز في الموازنة العامة، لذا فإن ما ذكر في خطاب القسم إقتصادياُ أمور جيدة جداً، ولكن ليس فقط على سبيل الذكر بل على صعيد التنفيذ والتطبيق أيضاً.

- دعم تصريح إذاعي لمدير عام وزارة المالية آلان بيفاني هذا التقرير بقوله إن دخلنا بعجز مالي ما زال مستمراً وهذا يبني مديونية عامة وكبيرة، ما هو الحل برأيك اليوم؟

الحل باللامركزية الإدارية، الدولة المركزية التي أنفقت المليارات وأدخلتنا في العجز، فشلت. الدولة اللامركزية ستؤدي إلى تصحيح الكثير من الأمور المالية. بالإضافة إلى اللامركزية المالية، لأن مجلس القضاء يجب أن يرسل نصف الضرائب التي يجبيها إلى الخزينة، ويحتفظ بالنصف الآخر لينفقها على المشاريع الإنمائية لنتخطى حدود البلدية.

- ما هي الأولويات التي يجب أن تنظر إليها الحكومة الجديدة برأيك؟

يجب أن نبدأ باعتماد اللامركزية الإداريةأولاً ، الشراكة بين القطاعين العام والخاص على صعيد الخدمات العامة، بالإضافة إلى تغيير السياسات النقدية والمالية، وإجراء التغيير المطلوب في البنك المركزي ووزارة المالية، الموقعين الأساسيين لإنهاض البلد من جديد. إذا أردنا ان نستمر على النهج نفسه في هذين الموقعين، لن ننجز شيئاً على الإطلاق.