لم يعد يختلف اثنان اليوم على حقيقة أن حكومة الرئيس تمام سلام الحالية هي واحدة من الحكومات التي سجلت أعلى مستويات الفشل. من ملف النفايات التي ما زالت متراكمة في شوارع العاصمة العصرية ذات الماضي العريق بيروت، إلى أزمة الكهرباء التي لم يتمكن أي وزير بعد من حل مشكلتها (مع العلم أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين)، إلى المياه المقطوعة حتى عن وزارة العدل منذ أشهر، إلى عدم قدرتنا على تنفيذ سياسة النأي بالنفس، ما دفع بدول الخليج العربي إلى مقاطعتنا سياحياً وقطع أرزاق شبابنا عملياً.

في الفترة الماضية، عاش المواطن في هذا البلد كل التفاصيل التي تعبر عنها الجملة الشهيرة "مش هيني تكون لبناني"، لكن على الأغلب أن مقولة سقراط "الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم بالشؤون العامة هو أن يحكمهم الأشرار" هي ما نستحق أن نعيشه.

أما سبب كتابة هذه المقدمة فهو دراسة جديدة أظهرت أن عدد اللبنانيين الذين باتوا يعيشون تحت خط الفقر بلغ 1.5 مليون نسمة، وأن عدد اللبنانيين الذين يعيشون فوق خط الفقر هو 2.5 مليون نسمة. أما نسبة أعداد الفقراء في لبنان بشكل عام، فارتفعت بنسبة 61% منذ العام 2011 لغاية العام الماضي، وأن 28.55% من سكان لبنان يعيشون "بأقل من أربعة دولارات يومياً".

وكشفت دراسة أخرى صادرة عن إدارة الإحصاء المركزي اللبناني أن ما نسبته 20% من السكان كان نصيبهم 8% فقط من الإستهلاك الإجمالي، في حين أن 20% من السكان استهلكوا نحو 40% من إجمالي الإستهلاك.

للحديث أكثر عن هذه الأرقام كان لـ"الإقتصاد" هذه المقابلة الخاصة مع عضو هيئة التنسيق النقابية محمد قاسم.

- أشارت دراسة حديثة إلى أن 28.55% من سكان لبنان يعيشون بأقل من أربعة دولارات يومياً، هل هذه الأرقام طبيعية برأيك؟ وما هي أسباب هذا الإرتفاع المخيف في عدد الفقراء في لبنان؟

إن معظم الدراسات التي تم إجراؤها على الصعيد الإجتماعي في لبنان وخاصةً تلك التي أجرتها وزارة الشؤون الإجتماعية عن العامين 2011 و2012، أشارت إلى أن هناك ثلاث مئة ألف لبناني يعيشون بأقل من 2.4 دولار يومياً، وارتفاع هذا العدد اليومإلى 30% من الشعب اللبناني تقريباً يدل على خطورة الوضع.

أما من جهة الأسباب، يمكن أن نلخّصها بعدد من النقاط: أولها، الظروف السياسية التي يعيشها لبنان، وتخلي المجتمع الدولي ومنظماته عن دعم القطاع العام اللبناني، وتخليها عن الإلتزامات من ناحية الخدمات الإجتماعية. وفي قراءة الموازنات، نجد أن المخصصات للشؤون الإجتماعية لا تزيد عن 1.3% من الناتج الإجمالي. ثانياً، غياب شبكات الأمان الإجتماعية، مع الإشارةإلى أن لبنان يحل في أدنى المراتب من ناحية النفقات الإجتماعية بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهذا موضوع خطير. ثالثاً، إرتفاع أسعار السلع الإستهلاكية وتجميد الرواتب بالإضافة إلى مشكلة النزوح وغياب التخطيط الصناعي والزراعي.

- ما هي المناطق الأكثر فقراً؟

ينتشر الفقر في المحافظات اللبنانيةكافة، إلا أن النسب تتفاوت بين 16% في بيروت الى 40% وما فوق في البقاع والشمال وعكار، وهناك مناطق يجب أن نذكرها بالإسم لسوء الوضع فيها وهي وادي خالد، عرسال، وضواحي صور وصيدا.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المشاكل التي تحدث في هذه المناطق كافة هي نتيجة الفقر.

-  إذا أردنا أن نقول أن جزءاً كبيراً من الأسباب سياسية، ألا يرى رجال السياسة في لبنان هذه الأرقام؟ ألا يرون أنها تستدعي التحرك العاجل؟

مع الأسف،إن القوى السياسية في لبنان ليست مختلفة فيما بينها حول السياسات الإقتصادية كما يشاع، بل إن هذه القوى المتلسطة على النظام السياسي والإقتصادي في البلد تجمعها الكثير من المصالح المشتركة. هم يسعون إلى تأمين مصالحهم وتوفير الإمكانيات لأنفسهم، والدليل هو الثراء الفاحش الذي يتمتع به كل من مرّ على السلطة التشريعية أو التنفيذية منهم، وهذا طبعاً من محفظة الشعب.

لا أعلم كيف تستمر وزارة الشؤون الإجتماعية في عملها وهي عاجزة عن إيجاد الحلول، أين خطط التنمية؟ أين النظام الضريبي التصاعدي؟ لماذا لا يتحمل الأغنياء الجزء الأكبر من الضرائب؟ لماذا لا يتم اتخاذ الخطوات المطلوبة للقضاء على الهدر والفساد في الوقت الذي كلنا نعلم ما الذي يحدث في المرافق العامة من الدوائر العقارية،إلى المرفأ، والأملاك البحرية، والضمان الإجتماعي؟ أين الإصلاح الإداري؟ هذه السلطة لا تزال نفسها في سدة الحكم منذ الطائف، ومنذ ذلك الوقت لم نشهد أي خطة إقتصادية واضحة. منذ تلك الفترة ونحن نشهد أزمة في قطاع الزراعة وأخرى في قطاع الصناعة، ولا نشهد أي تقدم على مستوى خدمات التعليم والصحة، والفقر في ازدياد.

أما اليوم، وفي وسط أزمة النزوح لا نرى أية خطوات يتم اتخاذها لحماية العامل اللبناني، كما أننا لم نرأية منظومة للضمانات الإجتماعية وحماية الفقراء حتى اليوم. تم تأسيس المجلس الإقتصادي الإجتماعي منذ أكثر من عشر سنوات، نعم، ولكن أين دوره؟ ما هي صلاحياته؟

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن أكثر عنصر مهمّش في مجتمعنا اليوم، وخاصةً بين الفقراء هو المرأة، الضحية الأولى للنظام الإقتصادي والإجتماعي والسياسي، خاصةً في الأرياف، حيث تضطر للعمل بأجر منخفض جداً، كما أنها تحصل على عدد سنوات تعليم أقل.

- هل ترى أن انتخاب رئيس للجمهورية سيؤدي إلى انفراجات من الناحية الإقتصادية؟

كنا نتمنى أن يتم إنجاز الإنتخابات الرئاسية دون هذه التجاذبات العلنية والضمنية التي نراها حول هذا الموضوع، من محاصصات وتوزيع للوزارات وكأنها إرث للأفرقاء. لسنا متفائلين جداً. لكننا نراهن فقط على الصدمة الإيجابية التي ستنتج عن هذا الإستحقاق.

ونتمنى من الرئيس الجديد أن يولي الأمور الإقتصادية الأهمية التي تستحقها بدءاً من موضوع الأجور إلى السياسة الضرائبية، الإيجارات، التعديات على الأملاك العامة، وصولاً إلى ملف النزوح السوري.

إذا أراد الرئيس الجديد الإصلاح يجب أن يقضي على مبدأ المحاصصات والفساد، وأن ينطلق بنا على طريق التنمية.