رغم الاجواء المخّيمة في العالم والتي تعكس صورة ركود عالمي في معظم البلدان ما يزال قطاع النقل البحري الشاهد الاول على حركة التجارة العالمية باعتبار انه المرصد الاول لنقل البضائع عبر المحيطات . ومؤخراً تناقلت المعلومات حول دور قناة السويس في ردهة التجارة والنقل البحري .

كما ان الدورة الثامنة من مؤتمر ومعرض سيتريد الشرق الأوسط للقطاع البحري في دبي والتي تنعقد خلال الفترة 31 تشرين الاول و2 تشرين الثاني المقبل ستسلّط  الضوء على العديد من القضايا المتعلقة بمشروع قناة السويس الجديدة وتأثيره على قطاع النقل البحري في المنطقة والعالم.

ما هي اهمية قناة السويس وغيرها من المعابر البحرية على قطاع النقل البحري في ظل الركود العالمي ؟

رئيس الغرفة الدولية للملاحة في بيروت والنائب الاول لرئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية ايلي زخوراكد  أن الركود الاقتصادي العالمي ما يزال يؤثر سلبا على حركة التجارة البحرية، كما أن استمرار تدفق البواخر العملاقة الى قطاع النقل أدى الى حدوث فائض بسعة البواخر العاملة، وتراجع دراماتيكي في أجور النقل البحري. ورأى أن الانخفاض الكبير بأسعار النفط الذي يشكل أكثر من 55 بالمئة من التكلفة اليومية للبواخر، دفع بشركات الملاحة الى تفضيل إبحار بواخرها وناقلاتها العملاقة عبر رأس الرجاء الصالح رغم المسافة الاطول التي على البواخر قطعها مقارنة مع المرور عبر قناة السويس، وذلك من أجل توفير قسم كبير من رسوم المرور الباهظة عبر القناة.

وأضاف: يجب أن لا ننسى أن تطوير وتعميق قناة بنما وتوسيعها جعلها قادرة  على أن تلعب دورا منافسا لقناة السويس للسفن العاملة بين المرافئ في بلدان الشرق الاقصى والقارة الاميركية عبر المحيطين الاطلسي والهادئ.

أما عن أسباب تراجع حركة التجارة البحرية العالمية، فأشار زخور الى أنه يعود الى انخفاض النمو الاقتصادي في الدول الصناعية وفي طليعتها الصين التي تعتبر المحرّك الاكبر والاول لحركة التصدير في العالم. فهذا الانخفاض انعكس سلبا على حركة التجارة البحرية العالمية، ما كبّد الخطوط الملاحية العالمية خسائر فادحة.

وعن موضوع إطلاق صندوق تمويلي اسلامي في الخليج العربي بهدف التمويل في صناعة النقل البحري، أوضح زخور أن هذا الموضوع  ما يزال قيد الدرس من قبل الجهات المعنية في دول مجلس التعاون الخليجي، وليس هناك من مؤشرات على أنه سيبصر النور قريبا.

النقل البحري عكس التيار

وبالانتقال الى قطاع النقل البحري اللبناني، أشار زخور الى أنه ما يزال يسير عكس التيار، فهو صامد ويحقق نتائج جيدة رغم أن معظم القطاعات الاقتصادية والصناعية والسياحية في البلد تئن وترفع الصوت بسبب تراجع نشاطاتها وايراداتها، نتيجة الأزمات السياسية والأمنية الداخلية والاضطرابات والحروب المشتعلة في دول المنطقة.

وأضاف: ولا بد من التطرق في الحديث عن وضع الاسطول التجاري اللبناني الذي أصبحت سفنه في حالة يرثى لها، جراء الاهمال من قبل الدولة التي من واجبها تأمين القروض الميّسرة لأصحاب هذه السفن لكي يتمكنوا من تأهيلها وتحديثها أوشراء سفن جديدة.

قناة السويس مصدر للعملات الصعبة

وقال زخور لـ"الاقتصاد" أن لقناة السويس أهمية تجارية كبرى للاقتصاد العالمي، لأنها تربط وتختصر المسافة بين البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر، وتمرّ عبرها آلاف السفن والناقلات سنويا وتمكنها من الاستغناء عن الابحار عن الطريق الطويل عبر رأس الرجاء الصالح وتوفير الكثير من الوقت والتكاليف. كما أن قناة السويس تشكل مصدرا رئيسيا للعملات الصعبة لمصر، حيث تقدر ايراداتها من رسوم العبور فيها بحوالي 5 مليارات دولار سنويا. وشهدت هذه القناة إنجاز بناء قناة جديدة موازية لها في العام 2015، ما ساهم في مضاعفة قدرتها باستقبال السفن من 49 سفينة يوميا الى 97 سفينة، وبالتالي إيجاد حل للازدحام وتقليص فترة الانتظار لعبور القناة.

تخفيض رسوم العبور

وأضاف: لكن رافق هذا الانجاز الكبير الذي بلغت تكلفته الاجمالية حوالي 8.5 مليارات دولار، ركود في الاقتصاد العالمي والذي أثر سلبا على حركة التجارة البحرية. كما ساهم استمرار تدفق السفن العملاقة الى قطاع النقل البحري، في إحداث فائض بسعة سفن الاسطول التجاري العالمي، وخلل في العرض والطلب وتراجع دراماتيكي بأجور النقل البحري، ما كبّد الخطوط البحرية خسائر فادحة. وما زاد الطين بلّة، تراجع أسعار النفط الذي يشكل أكثر من 55 بالمئة من التكلفة اليومية للسفن، ما شجع الخطوط البحرية والناقلات العملاقة على اعتماد الطريق الطويل من خلال الالتفاف حول أفريقيا والمرور عبر رأس الرجاء الصالح وذلك من أجل تجنب تسديد رسوم العبور الضخمة في قناة السويس.

هذا الواقع السلبي دفع هيئة قناة السويس الى تخفيض رسوم العبور حتى 60 بالمئة عن الناقلات والسفن العملاقة العاملة بين القارة الاميركية ودول الشرق الاقصى. كما أن تطوير وتوسيع قناة بنما وتعميقها والتي تربط بين المحيطين الاطلسي والهادئ جعلها تلعب دورا منافسا لقناة السويس وتؤثر سلبا على نشاطها وايراداتها.

وعن أسباب تراجع حركة التجارة البحرية العالمية، أوضح زخور أنه يعود الى انخفاض نمو الاقتصاد العالمي في الدول الصناعية وفي طليعتها الصين التي يعتبر اقتصادها الاكبر بعد الاقتصاد الاميركي، المحرك الاساسي لحركة التصدير الى معظم الدول في العالم. فقد انعكس ضعف النمو سلبا على قطاع النقل وكبّد شركات الملاحة العالمية خسائر التي يمكن أن تتخطى حاجز الـ10 مليارات دولار في نهاية العام الحالي.

دمج الخطوط البحرية

وأضاف زخور: أن هذا الواقع المتدهور دفع بالخطوط البحرية الى التفتيش عن "حج خلاص" تمثل بتوحيد خدماتها ونشاطاتها وخطوطها عبر الاندماج فيما بينها من أجل تقليص مصاريفها ووضع حد للخسائر التي تلحق بها، علما أن شركات ملاحة كبرى عدة أجبرت على إعلان إفلاسها وهناك شركات أخرى على طريق الإفلاس.

من جهة ثانية، قال زخور أن مشروع تأسيس صندوق تمويلي عربي يتوافق مع أحكام الشريعة الاسلامية بهدف التمويل في مجال صناعة النقل البحري العربي لم يبصر النور بعد، موضحا أن الجهات المعنية في دول مجلس التعاون الخليجي تعمل على إعداده وتدرس كيفية تأمين الاموال اللازمة له ليكون قادرا على تقديم القروض بفوائد متدنية لصناعة النقل البحري، خصوصا للخطوط البحرية العربية لكي تتمكن من تحديث أساطيلها وتزويدها بالسفن الجديدة.

وأضاف أن غياب الدعم والتمويل لقطاع النقل البحري العربي أدى الى استمرار تراجع المبادلات البينية بين الدول العربية التي لم تعد تتعدى الـ8 بالمئة من اجمالي صادرات وواردات الدول العربية من والى بقية دول العالم، في حين أن التبادل التجاري مع الدول الاجنبية والغربية في تزايد مستمر ويبلغ عدة أضعاف التبادل بين الدول العربية.

أما بخصوص إنشاء صندوق تمويلي لبناني لتمويل الاسطول التجاري اللبناني، فحدّث ولا حرج... فهذا الاسطول أصبح في حالة يرثى لها بسبب الاهمال وغياب الدعم الرسمي، فانخفص عدد بواخره من 265 باخرة من مختلف الانواع والاحجام في العام 1982 الى أقل من 35 باخرة، معظمها أصبح هرما نظرا لقدمها، وهي بحاجة الى تجديد وتأهيل لتتكيف مع التطورات المتسارعة التي تشهدها الاساطيل البحرية الدولية. وقد اضطر أصحاب تلك السفن بغياب الدعم والتمويل، الى تحويل معظمها الى سفن لشحن المواشي. ومن المؤسف أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تعط هذا القطاع الاهتمام الذي يستحقه، فعمدت الى إصدار مرسوم تصنيف المؤسسات الصناعية والذي منح القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية الدعم اللازم لإعادة تأهيلها بواسطة القروض المصرفية الميسرة، في حين أهملت قطاع النقل البحري اللبناني والاسطول التجاري اللبناني وحرمته من الافادة من هذا المرسوم بسبب اعتباره غير مصنّف صناعة وطنية.

ارقام قياسية في مرفأ بيروت

وعن نشاط قطاع النقل البحري اللبناني، أكد زخور مجددا أنه ناشط وما يزال يغرد خارج السرب ويسير عكس التيار بنتائجهالجيدة، وأكبر دليل على ذلك هو مرفأ بيروت الذي يعتبر واجهة قطاع النقل البحري اللبناني والمؤشر الرئيسي لحالة هذا القطاع. فهذا المرفأ هو المرفق البحري الخدماتي الأهم، حيث تمر عبره أكثر من 70% من حركة التبادل التجاري اللبناني مع العالم الخارجي، ما يزال يسجل أرقاما كبيرة بحركته الاجمالية ووارداته المرفئية وأفضل مما كانت عليه في السنوات السابقة والتي كانت بدورها جيدة.

فقد أظهرت المقارنة بحركة مرفأ بيروت خلال الفصول الثلاثة الاولى  من العامين 2015 و 2016، الارقام التالية:

مجموع البواخر: بلغ 1.552 باخرة وبارتفاع 17%.

كميات البضائع: بلغ وزنها 6.600 ملايين طن وبزيادة 8%.

مجموع السيارات: بلغ 79065 سيارة وبنمو 2%.

مجموع الحاويات: بلغ 861.172 حاوية نمطية وبارتفاع 1%.

مجموع الحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلي: بلغ 300.726 حاوية نمطية وبزيادة 7%.

مجموع الحاويات المصدرة ملأى ببضائع لبنانية: بلغ 66.935 حاوية نمطية وبنمو 1%.

مجموع الحاويات برسم المسافنة: بلغ 865.224 حاوية وبانخفاض 18%.

وانسحب ارتفاع الحركة الاجمالية المستوردة برسم الاستهلاك المحلي على مجموع الواردات المرفئية التي بلغت 180.428 مليون دولار وبنمو 2%.

وأوضح زخور أن تراجع حركة الحاويات برسم المسافنة يعود الى عوامل خارجية، دولية واقليمية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تراجع النمو الاقتصادي العالمي والاحداث الامنية والازمات الاقتصادية في بعض الدول المجاورة للبنان كسوريا وتركيا ومصر واليونان والتي هي المقصد النهائي لحركة المسافنة في مرفأ بيروت.

وعن أبرز المشاكل التي يعاني منها قطاع النقل البحري في لبنان، استغرب زخور استمرار غياب مشاريع التوسيع والتأهيل في مرفأ بيروت والتي هو بأمسّ الحاجة اليها لمواكبة المشاريع التطويرية التي تشهدها  المرافئ في الحوض الشرقي للمتوسط. حتى في سوريا تنفذ مشاريع توسيع وتجهيز في مرافئها رغم الحرب المستعرة فيها منذ أكثر من خمس سنوات، لكي تكون جاهزة وقادرة على استيعاب قسم من المواد الاولية والبضائع المطلوب استيرادها لإعادة الاعمار والتي تقدر تكلفتها حتى تاريخه بحوالي 200 مليار دولار حسب رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم.

وأضاف: من غير المعقول والمقبول أن يبقى مرفأ بيروت من دون مشاريع توسيع وتطوير، فهناك حاجة ملّحة لإيجاد مشروع بديل عن إلغاء مشروع ردم الحوض الرابع. فكل المؤشرات تؤكد أن مرفأ بيروت سيسّجل حركة غير مسبوقة في حال استمرار النمو على وتيرته التصاعدية والمباشرة في إعادة إعمار سوريا.

فالمرفآن السوريان اللاذقية وطرطوس لن يتمكنا من استقبال الحجم الهائل من المواد الاولية والبضائع المستوردة والمقدر بالملايين من الأطنان، وبالتالي لا بد من الاستعانة بمرفأي بيروت وطرابلس اللذين سيكون لهما حصة كبيرة من تلك البضائع، لذلك يجب العمل منذ الان وبسرعة لتوسيع مرفأ بيروت ليتمكن من تلبية احتياجات العمل الكبيرة المنتظرة، علما أن هذا التوسيع سيفعّل أيضا دوره المحوري على صعيد حركة المسافنة نحو مرافئ البلدان المجاورة.

محطة الحاويات للانقاذ

وبالعودة الى استمرار إقفال المعابر البرية عبر الاراضي السورية، أكد زخور مجددا أن وجود محطة الحاويات المتطورة في مرفأ بيروت أنقذ القطاعين الصناعي والزراعي من كارثة محتمة، فوجود تلك المحطة استقطب أهم شركات الملاحة العالمية، ما سمح للصناعيين والمزارعين اللبنانيين تصدير منتجاتهم بحرا الى تركيا والدول العربية والمحافظة على عملائهم في أسواق تلك البلدان.

وتوّقع زخور أخيرا استمرار تراجع حركة النقل البحري العالمي طالما ظل الركود مسيطرا على الاقتصاد العالمي والنمو ضعيفا في الدول الصناعية، لا سيما مع استمرار تدفق السفن العملاقة التي تفوق سعة الواحدة منها الـ19 ألف حاوية نمطية، ما يجعل أجور النقل تتابع انخفاضها بصورة دراماتيكية وهذا يهدد قطاع النقل البحري العالمي بأوخم العواقب.