خطى الملف الرئاسي اللبناني خطوة كبيرة نحو برّ الخلاص بعد تأييد رئيس الحكومة الأسبق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري ترشيح رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون للرئاسة ... ويبدو أن كرسي بعبدا سينشغل أخيرا بعد 28 شهرا من الفراغ.

فما الذي يمكن أن يحدثه إنهاء الفراغ الرئاسي المتوقع في 31 الشهر الجاري من خرق في جدار الإقتصاد اللبناني المأزوم بكافة قطاعاته ؟ وهل الصدمة الإيجابية الآتية قادرة على إحداث الفرق وحدها؟ أم نحن بحاجة لخطوات وإجراءات أخرى جدية ؟ ماذا عن أولويات الرئيس الإقتصادية ؟ وهل سيكون هناك خطة إقتصادية متكاملة لإنتشال لبنان من هذه الحفرة الكبيرة ؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها رئيس الرابطة العالمية لخبراء الاقتصاد في لبنان وعميد كلية إدارة الأعمال والإقتصاد في جامعة الحكمة، البروفيسور روك أنطوان مهنا في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

- مع تقدّم المفاوضات في ملف الفراغ الرئاسي وإقتراب وصول رئيس إلى قصر بعبدا .. هل سينتج ذلك صدمة إيجابية برأيك للإقتصاد الوطني؟

بداية، نحن وصلنا اليوم إلى مرحلة إقتصادية حرجة جدا في لبنان، والكل كان ينتظر الفرج في موضوع الفراغ الرئاسي .. واليوم أصبح هناك بصيص أمل بعد مبادرة الرئيس الحريري.

إن إنتخاب رئيس للجمهورية أمر إيجابي بدون شك، فهو سيعيد الثقة للمستثمرين كخطوة أولى، خاصة وأن هذا الأمر سيخلق تصورا لدى الناس بأن هناك تفاهم بين الأقطاب السياسية على عدة أمور وليس فقط على موضوع الرئاسة .. وبالتالي فإن ثقة المستثمرين سترتفع، وكذلك الحال بالنسبة لثقة المستهلك.

عودة الثقة ستترجم بنسب نمو أعلى بلا شك، ولكن بشرط إستغلال الفترة الأولى للرئاسة .. فعند إنتخاب أي رئيس للجمهورية هناك ما يسمى بـ"فرصة الـ100 يوم"، حيث يجب إستغلال هذه الفترة الأولى للإلتفات إلى عدة مواضيع حيوية نحن بأمس الحاجة إليها.

كما ان سدّ الفراغ الرئاسي سيعيد الإنتظام إلى مؤسسات الدولة المشلولة وسيؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة يكون هدفها الأساسي وضع قانون إنتخابي جديد، وهنا سيكون الإمتحان الأصعب، حيث يجب أن يؤدي أي قانون إنتخاب جديد لإعطاء صفة تمثيلية أكبر للشعب اللبناني، ويحدث تغيير في الطبقة السياسية الحالية .. مما سيرفع نسب النمو بشكل أكبر، ويعطي فترة إستقرار أطول للبنان.

- هل إنتخاب الرئيس وإنتظام مؤسسات الدولة المشلولة  يكفي  دون وجود خطة إقتصادية شاملة ؟ ودون وضع الملفات الإقتصادية ضمن أولويات الرئيس الجديد؟

إنتخاب رئيس للجمهورية بالطبع ليس الحل، ولكنه المدخل والمفتاح لخلق فترة إستقرار قصيرة وإعادة الثقة، وهنا علينا الإستفادة من هذه الفترة لتحريك الملفات الحيوية في عدة قطاعات، وللبدء بالإصلاح البنيوي.

ومن أهم الملفات التي يجب العمل على تحريكها، ملف النفط والغاز الذي يستطيع تحسين وضع المالية العامة وخلق فرص عمل للشباب بشرط العمل عليه بشكل شفّاف وبعيدا عن المحاصصة السياسية، أضف إلى ذلك إقرار الموازنة العامة التي تعتبر أساسية لإعادتنا إلى السكة الصحيحة، القيام بإصلاحات بنيوية وخاصة في قطاع الكهرباء، وذلك لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص مما سيوفر على الدولة عجزا سنويا بقيمة 2 مليار دولار.

وهناك أيضا كما ذكرنا إمتحان صعب سيواجه الجكومة الجديدة، وهو وضع قانون إنتخابات جديد، أضف إلى ذلك العمل على مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية .. وهذا يتم من خلال إقرار مشروع الحوكمة الإلكترونية، ومشروع قانون الإثراء غير المشروع، وقانون حق الإطلاع على المعلومات، وقانون حماية كاشفي الفساد.

هذه المشاريع الأربعة هي الباب للبدء بمكافحة الفساد، بشرط تنفيذه بشكل جدّي على الأرض.

هناك ايضا نقطة لا يجب أن ننساها، وهي ملف العمالة السورية ومعالجة موضوع النازحين السوريين.

وعلى الرئيس أيضا أن يكون رؤيوي وغير فاسد، ويجب أن يسعى لإشراك عنصر الشباب المتخصص في الوزارات لأنهم الأمل لإعادة بناء الدولة.

إذا إستطاع الرئيس تحقيق 50% من هذه الأمور، سنخطوا خطوة كبيرة نحو الطريق الصحيح .. ففرصة الرئيس القوي هي في بداية العهد، وإذا إستطاع فرض إيقاع النظام المؤسساتي بعيدا عن المحاصصة السياسية ووضع الأشخاص المناسبين في الأماكن الصحيحة، سيتغير الحال الذي نحن عليه اليوم دون شك.

- توقّع صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير أن يحقق لبنان نموا بنسبة 1.0% نهاية 2016 ... هل توافق على هذا الرقم؟ وفي حال تم إنتخاب رئيس نهاية الشهر الحالي كم ستبلغ نسب النمو برأيك؟

إذا نظرنا إلى وضعنا الحالي فلا شك أن توقعات صندوق النقد غير دقيقة، حيث أن نسب النمو لن تتخطى الـ0.5% بأحسن الأحوال .. ولكن في حال تم إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جامعة دون عقبات، فإن الصدمة الإيجابية التي ستحصل سترفع من نسب النمو دون شك .. خاصة أن الربع الأخير من العام هو أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي لأنه يحتوي على موسم الأعياد الذي يحرك الأسواق والحركة الشرائية والإستهلاكية بشكل عام، إضافة إلى بدء الموسم الدراسي في المدارس والجامعات.

إذا تحقق هذا السيناريو، فإن نسب النمو قد تتخطى الـ1% نهاية العام الجاري.