في ظل التحديات الإقتصادية التي يمر فيها لبنان مع تفاقم الأزمات السياسية المحلية والإقليمية، قد تبدو الآفاق المستقبلية للإقتصاد الوطني غير واضحة، خاصة مع التراجع الحاد الذي تشهده المؤشرات كافة منذ سنوات عدة. في حين أن الجهات الرسمية المعنية والوزارات المختصة، لا تتحرك من أجل تقديم دعمٍ فعالٍ لمكافحة مافيات الفساد، ولمساعدة القطاعات الرازحة تحت وطأة الأمن والسياسة، وارتباطهما الوثيق بالحالة الإقتصادية العامة.

 

لذلك كان لا بد من تقديم مبادرة إجتماعية - إقتصادية، تكون بمثابة خارطة طريق إقتصادية للبلاد، وتهدف إلى تغيير المعادلة القائمة، وإيجاد خطط تنموية حقيقية، وإصلاح الخلل الذي ينخر في عظام مختلف قطاعاتنا، في ظل غياب الإهتمام الرسمي بهذه المشاكل.

 

من هنا يأتي الحديث عن مبادرة المجلس الإقتصادي – الإجتماعي، التي أطلقها رئيس المجلس روجيه نسناس الأسبوع الماضي، تحت عنوان "نهوض لبنان، نحو رؤية إقتصادية ـ إجتماعية".

 

وحول هذه المبادرة، أشار المدير التنفيذي في مؤسسة البحوث والإستشارات، د. كمال حمدان، في حديث خاص مع "الاقتصاد"، إلى أن هذه المبادرة هي بمثابة صرخة للقول إنه رغم الفراغ القائم في السلطة، فهناك بعض الأشخاص الذين يحاولون التفكير بقضايا البلاد، وإقتصاده، وقطاعاته، وطبقاته الإجتماعية، والمرافق العامة، والخدمات العامة الأساسية، وذلك انطلاقا من حرصهم على مفهوم المنفعة العامة.

 

وأوضح أن مبادرة "نهوض لبنان، نحو رؤية إقتصادية ـ إجتماعية"، جاءت بتعاون مباشر، وبمبادرة أطلقها رئيس المجلس الإقتصادي – الإجتماعي، روجيه نسناس، الذي قضى ولاية واحدة في هذا المجلس. فبعد نهاية ولايته الأولى، لم تبادر الدولة من خلال مجلس النواب، إلى دعوة الهيئات الأكثر تمثيلا، لإعادة اقتراح من يمثلها في المجلس الإقتصادي خلال الولاية الثانية. وبسبب عدم صدور هذا القرار من المجلس النيابي، أقيمت تجربة دورة واحدة ومن ثم توقفت. وتم تقييم هذه التجربة، وصدرت الأبحاث والكتيبات عن أعمال المجلس الأول، ونقاط القوة والضعف، والمواقف التي أثبت فيها أن القوانين واللوائح بحاجة إلى تعديل... لكن المجلس لا يزال معطلاً فعلاً منذ انتهاء الولاية الأولى.

 

وقال د. حمدان "عندما قررنا التعاون للعمل على هذا المشروع، رأينا أن الفراغ السياسي بات شبه عام، والرئاسة معطلة، والمجلس النيابي شبه معطل، ومجلس الوزراء يدير الأعمال، لذلك أتت هذه الصرخة لنقول "لا". فالمجتمع اللبناني، ومن خلال المجلس الاقتصادي – الاجتماعي، الذي من المفترض أن يمثل الشرائح كافة ، والفئات المهنية من أصحاب عمل وعمال، وأساتذة، وأصحاب مهن حرة، وأطباء، ونساء، ومثقفين... شكّل خلية أطلقت الصرخة لتقول إننا معنيون، وقامت بهذا الجهد وأصدرت الكتاب".

 

كما أضاف "نحن على أبواب استحقاقات كبيرة، سواء في ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية، أو بإعلان قانون انتخابي، أو بتسريع الإنتخابات النيابية. وعشية هذه الإستحقاقات الدرستورية والقانونية، يذكّرنا المجلس بمشاكل المجتمع، وبالتوجهات نحو الحلول، كما يحاول وضع فكرة إعادة تجربة المجلس الإقتصادي –الإجتماعي" على أجندة العمل.

 

من ناحية أخرى، لفت د. حمدان إلى أن رؤية "نهوض لبنان، نحو رؤية إقتصادية ـ إجتماعية"، تعبّر عن توجهات إنمائية لمعالجة أهم مشكلات قطاعات الإنتاج، والشرائح الإجتماعية التي تشارك في الإنتاج، وذلك من خلال خطط وبرامج قطاعية، وكلية، وماكرو – اقتصادية، ومناطقية، ودرستورية، وقانونية. لكن التطبيق لا يمكن أن يحدث دون عودة الإنتظام العام إلى الحياة السياسية في البلاد. وإذا لم تنتظم الحياة العامة، فإن فرص تطبيق الرؤية معدومة".

 

وقال :"لكن، ربما إطلاق هذا العمل، هو نوع من تحفيز للطبقة السياسية لكي تعمل بشكل جدي على إعادة الإنتظام العام في الحياة السياسية، من خلال تحقيق إصلاحات وتغييرات في بعض نواحي السياسات، والإقتصادية، والإجتماعية، والمالية، والإستثمارية، والمناطقية، والبلدية،... تحقيقا لرفاه إجتماعي أكبر للمواطنين".

 

أما عن المرحلة المقبلة فأشار د. حمدان إلى أنه في حال توفر شروط الإنتظام العام، قد يزيد أمل المواطنين بغدٍ أفضل. وأضاف "إذا تم إصدار قانون انتخاب مفصّل على قياس الزعامات الطائفية، وأسماك القرش المالي المتحالفة معهم، سنبقى حتماً في أماكننا، ولن نلتمس أي نتائج ملموسة. وإذا لم نشهد إصلاح في آليات التمثيل السياسي، بحيث تعبّر المجالس النيابية بشكل أدق وأصحّ عن واقع القوى والديناميات الإجتماعية، ستضعف الآمال، وسنعيد إنتاج الطبقة السياسية ذاتها التي سترجع السياسات ذاتها، تعبيراً عن المصالح الضيقة ذاتها. لذلك يجب انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وإقرار قانون إنتخابي جيّد وعصري".

 

وختم قائلا "لست متفائلا أبداً من المرحلة المقبلة، لكن التفاؤل يأتي مع إصلاح سياسي حقيقي، على رأسه قانون انتخاب عصري قائم على النسبية، يمثّل الديناميات الديموغرافية والإجتماعية الموجودة في البلد".