يترافق سوء اداء ​الكهرباء​ في ​لبنان​ في هذه المرحلة مع  بروز اقتراح جديد للمؤسسة برفع التعرفة مقابل زيادة الانتاج او بشكل متواز مع زيادة القدرات الانتاجية في معامل الانتاج المرتقب وضعها على الشبكة.

وهذا الاقتراح المرتقب ان يسلك طريقه الى مجلس الوزراء يرسم عدة علامات استفهام خصوصا وان تجربة الكهرباء في تأمين الطاقة غير مشجعة ، وبالتاليفانه من الصعب الاستغناء عن خدمات اصحاب المولدات الخاصة الذين باتوا يشكلون كارتيلاقويا في جميع المناطق اللبنانية مع تمتعهم بنفوذ فوق العادة فضلا عن استعمالهم للشبكة العامة بطريقة عشوائية ومخالفة .

واذ وضعت المؤسسة اقتراحها في  دراسة ضمنتها الهدف الا يكون الإنتاج الإضافي على الشبكة، سبباً لرفع مساهمة الخزينة اللبنانية، وبالتالي الحدّ من مساهمتها في تمويل قطاع الكهرباء، سيما وان  الجميع يعلم أن مساهمة الدولة تكمن في بدل المحروقات، وزيادة الإنتاج تعني زيادة مصروف وبالتالي  زيادة العجز المالي،لفتت إلى أن الدراسة جاءت لتصبّ في خانة الحدّ من العجز الإضافي. وتامل  المؤسسة ان يشهد قطاع الكهرباء في المستقبل، رفعاً تدريجياً لتأمين التوازن المالي إلى أن تصبح التغذية بالتيار 24 ساعة على 24، وبالتالي يستغني المواطنون عن استخدام المولّدات الكهربائية!

الآمال كبيرة ولكن  الخيبات كثيرة في موضوع الكهرباء الذي  هو سياسي بامتياز.

وزني

ومن وجهة نظر الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور غازي وزني الذي ايّد دراسة الكهرباء انها خطوة اولية على طريق الاصلاح. وقال  "للاقتصاد" : ان المواطن يدفع اليوم لاصحاب المولدات الخاصة ضعف الكلفة مع مؤسسة كهرباء لبنان. ان زيادة 39،63% هي افضل للاقتصاد وللبيئة وللمواطن في ظل استغلال اصحاب المولدات الذي اوجد ازمة طويلة مع التيار.

باختصار ان زيادة  التعرفة يوفّر النقص الحاصل في التيار وهو بطبيعة الحال اقل كلفة واكثر تحريراً للخزينة وللبيئة معاً.

ومن المعلوم ان زيادة التعرفة لا تعالج ازمة الكهرباء ولكنها تزيد ساعات التغذية  حيث ان الحاجة الفعلية للاستهلاك هي اليوم بحدود 3000ميغاوات ،فيما ان المتوافر على الشبكة لا يتعدى ال 1500ميغاوات. اذاً هذه خطوة اولية  لمعالجة ازمة الكهرباء وان كانت غير كافية.

وتجدر الاشارة الى  ان البنك الدولي والمؤسسات الدولية  اوعزوا في التقارير المعدة حول وضع الطاقة في لبنان بضرورة زيادة تعرفة الكهرباء . وزيادة ال39%  هي ليست قليلة في ظل الوضع المعيشي السائد.

ولاننسى انه في حال  رفعت التعرفة ورافقتها  زيادة في  ساعات توزيع  الكهرباء فان ذلك سينعكس تراجعاً في فاتورة اشتراك المولدات الخاصة .

ويلفت وزني الى ان كهرباء لبنان تملك طاقة انتاجية  ولكنها لا تقوم بتوزيعها  على الشبكة لانها تسفر عن خسارة وفق معادلة اي زيادة في الاستهلاك يقابلها  المزيد من الخسائر .

والمعادلة الجديدة المطروحة اليوم هي زيادة في الاستهلاك بدون  التسبب باي خسارة  مع الحفاظ على استقرار وضع الخزينة العامة.

وعن كلفة الكهرباء على خزينة الدولة يشير وزني الى انها في موازنة 2016 هي بحدود 2100مليار ليرة مقابل 3200مليار عام 2014 اي بتراجع1800مليار  ليرة وبنسبة 34% وذلك بسبب تراجع اسعار المحروقات .

ويشدد الدكتور وزني على ضرورة معالجة ازمة الكهرباء بدءا من تأهيل معملي  الزوق والجيه الى جانب حل قضية معمل دير عمار المنوي انشاؤه وهو بطاقة انتاجية 500 ميغاوات.  ولاجل اطلاق المشروع يجب التوافق بين وزارتي المال والطاقة على كلفته وان كانت تشتمل على الضريبة على القيمة المضافة ام لا.

وفي قناعتي ان معالجة ازمة الكهرباء هي سياسية بامتياز.

وعن تجربة الكهرباء في زحلة  يقول وزني انه مع اللامركزية في موضوع الكهرباء الى جانب تطبيق الشراكة بين القطاعين  العام والخاص  في الانتاج والتوزيع.

ملف سياسي بامتياز

بالتأكيد ان ملف الكهرباء هو سياسي بامتياز . وللتذكير في العام 2007، أعدّ البنك الدولي تقريراً شاملاً عن قطاع الكهرباء في لبنان، ناقض فيه الخطاب الحكومي  الذي كان سائداً ، ونسف معه تصريحات رئيس الحكومة ووزير المال المتكررة التي ترى أن خصخصة القطاع هي الحل السحري لمعالجة مشكلة الكهرباء المتعاظمة، إذ حمّل التقرير المسؤولية الأساسية في ارتفاع العجز إلى التدخل السياسي وسخاء التعرفة التي وضعت على أساس سعر برميل النفط 25 دولاراً، ولم ترتفع عند وصول سعر البرميل الى نحو 100 دولار، ناصحاً الحكومة بزيادة التعرفة نحو 55 في المئة، لكن بشرط أن يترافق ذلك مع إجراءات تطوير الحماية الاجتماعية الملائمة التي تساهم في تخفيف الآثار السلبية لهذا الإجراء.

فقطاع الكهرباء يراكم ديناً كبيراً بدون أن يحقّق نتائج تذكر، ووفق التقديرات،فأن انقطاع التيار الكهربائي يكلف الصناعة ما يقارب 400 مليون دولار كخسائر في المبيعات. والإنفاق الإضافي على البدائل والخسائر في العائدات لهما تأثيرات سلبية واضحة على المستهلك، إذ إنّهما يرتّبان أكلافاً تساوي 25% اضافية على إنفاق السكان الشهري على الكهرباء.خدمة هزيلة والأسوأ من هذا، أن الخدمة الهزيلة المقدمة من القطاع العام تكلّف الحكومة مبالغ كبيرة بسبب الدعم المتواصل لمؤسسة الكهرباء. يضاف الى ذلك الاستمرار في استخدام الفيول اويل في محطتي كهرباء رئيسيتين مصممتين على أساس استخدام الغاز الطبيعي (رغم توافره في المنطقة)، إذ إن الكلفة المرتفعة للتشغيل والإدارة تعود الى ضعف الصيانة المنتظمة وقطع الغيار، إضافة الى الخسائر التقنية المرتفعة، وكل هذا يؤدي الى ارتفاع كلفة الإنتاج.

والمسألة الأساسية التي يجب مقاربتها هي تعرفة الكهرباء. إذ إن التعرفة الحالية وضعت لتغطية سعر النفط على أنه 25 دولاراً للبرميل. وهذا ما يجعل مستحيلاً على مؤسسة كهرباء لبنان أن تغطّي كلفتها بغضّ النظر عن مدى تطبيق الإصلاحات المذكورة. إن تركيبة التعرفة تحتاج الى إعادة نظر من أجل خفض التعرفة السخية الجامدة التي تدعم مستهلكين بإمكانهم دفع تعرفة أعلى.إن زيادة التعرفة، بدون أدنى شك، ستكون تحدياً تجارياً وسياسياً مع الأخذ بالاعتبار حالة الخدمة الحالية الضعيفة والحاجة الى الدفع لتحقيق تدابير العائدات، وبشكل مترافق مع أهداف حماية اجتماعية أكثر فعّالية.وبما أنه قد تمّت مقاربة المشكلات في الخدمات ووضع معالجاتها، فإن ذلك يوجب على الحكومة تطبيق خطة تعديل التعرفة، التي تحرك الأسعار باتجاه المستوى الذي تتم بموجبه تغطية الكلفة. إن زيادة التعرفة تحت عدة سيناريوهات قدّرت في هذا التقرير والتي وجدت أنه بفعل تراكم زيادات التعرفة الى نحو 55% تتطلب وقف الدعم عام 2012 ،مع التطبيق الكامل لإصلاحات باريس 3. لذلك فإن صياغة خطة عمل لتعديل التعرفة هي ضمن طاقة مشروع الإصلاحات الطارئة لقطاع الطاقة.وينصح بالتالي بإعداد خطة عمل لتعديل التعرفة تترافق مع إجراءات تطوير الحماية الاجتماعية الملائمة لخفض التأثير على المستهلكين. وبدون الحماية الاجتماعية، فإن أفضل الخطط لتعديل التعرفة ستبقى مجرد خطط.

اخيراً، لابد من الاشارة الى ان استمرار نزف الكهرباء هو شرط لاستمرار الأرباح والخسائر.

وهذا مرتبط  بانعكاسات ازمة الكهربا على مستويي الاقتصاد العام (الماكرو) والاقتصاد الجزئي (الميكرو) في لبنان، وايضاً على الدولة في دورها التدخلي والخدماتي، وعلى المواطن في حقوقه كمستهلك وصاحب حاجة هي حقّ له.كما ان  ان عجز الكهربا المتفاقم هو احد الاسباب الاساسية لتفاقم العجز في موازنة الدولة، وان مساهمات الدولة المستمرة في دعم هذا القطاع قد ارهقت الخزينة دون ان تنقذ القطاع.

ورغم ان البرامج الاصلاحية المتعاقبة، ومنها تلك المعتمدة في المؤتمرات الدولية لدعم لبنان مثل باريس 1 وباريس، 2 اعتبرت ان معالجة موضوع الكهربا هي عنصر اولي من عناصر الاصلاح ببعديه الاقتصادي والاجتماعي ، فانه لغاية تاريخه، وللاسف فان القرار السياسي الجدي لم يتفق عليه.