يعرف المحرّم بما لا يمكن انتهاكه او دخوله ويكون علينا ان نمسك ونمتنع عنه.

اما التابو فكلمة تطلق على المحظور في نظر المجتمع او ما تعتبره الأعراف او السياسة من المحرّمات (ليس بالضرورة ان يكون محرماً دينياً). والتابو هو خط أحمر لا يقبل المجتمع تجاوزه بغض النظر عن كون هذا التجاوز مبرراً او متناسقاً مع القوانين.

لقد تحول الكلام عن سعر صرف العملة الوطنية الى نوع من التابو او المحرمات، تحديداً عندما يكون هذا الكلام بالسالب لا بالموجب. فعلى مدى ثلاثة وعشرين عاماً بقضّها وقضيضها سيطرت على الأدبيات الاقتصادية اللبنانية، وبالأخص الصحافية منها، لغة الاشادة بقوة ومناعة سعر صرف الليرة تجاه الدولار الأميركي في ظل سياسة التثبيت النقدي التي اعتمدها ولا يزال المصرف المركزي.

لقد تولّد انطباع عام ان الكلام السلبي عن سعر الصرف قد يوازي الخيانة الوطنية وهو لذلك يقع في خانة المحرمات والتابوهات.

بالمقابلفان اقتصاديين قلائل حافظواعلى وجهة ثابتة تحذّر من مخاطر السياسة النقدية القائمة على تثبيت سعر الصرف ويصف بعضهم هذه السياسة بالفاشلة.

مؤخراً طالعتنا دراسات وجيهة لناحية الجهات الكاتبة لهاتتعلق بموضوع سعر صرف ​الليرة اللبنانية​:

فقد تساءلت دراسة نشرتها جمعية مصارف لبنان عن المدى الذي يمكن ان يصمد معه تثبيت سعر صرف الليرة تجاه الدولار الأميركي في مواجهة الضغوطات التي يتعرض لها الاقتصاد اللبناني، واخصّها عجز ميزان المدفوعات المتوسّع منذ العام 2011.

اما الدراسة الثانية فهي تلك التي نشرها مؤخراً الكاتب والخبير الاقتصادي توفيق كسبار في جريدة النهار، والتي اعتبر فيها في اننا نسير نحو انهيار مالي بعنوانين:

العنوان الأول: هبوط سعر صرف الليرة اللبنانية، والعنوان الثاني: وقع هذا الهبوط على المصارف المحلية المرتهنة لمديونية الدولة. وكسبار عمل سابقاً في مصرف لبنان وعمل في صندوق النقد الدولي وهو ربما افضل من كتب عن تاريخ الاقتصاد السياسي للبنان.

اردت مما سلف القول ان التابو قد كسر واننا قد دخلنا في مرحلة جديدة من ثقافة الكتابة الاقتصادية في لبنان تتطلب منا ان نعي اننا بحاجة لنقاش متخصص حول سياساتنا الاقتصادية وبدائلها الممكنة. انا لا اريد ان اقول اننانتجه نحو انهيار مالي، وليس هذا سبب هذا المقال، لكني اشدد على ضرورة ان نناقش اوضاعنا الاقتصادية والمالية والنقدية بقدر من الشفافية على غرار ما يحصل اليوم في 90% من دول العالم ولا اقول دول العالم المتقدّم فقط.

فكلنا يعلم ان حاكم مصرف لبنان يتعامل منذ تعيينه مع خيارات نقدية صعبة اساسها العجز الذي لا يني يتراكم في ميزانية الدولة واضطرار المصرف المركزي لاعتماد سياسات، بدت نتائجها الايجابية في احيان كثيرة اشبه بالمعجزات، توائم بين تمويل العجز والحفاظ على مستويات منخفضة للتضخم بالاضافة الى تقوية مناعة الجهاز المصرفي والسوق المالي بشكل عام.

اضافة الى ذلك، لقد حمت سياسة تثبيت سعر الصرف اصحاب الأجور والمودعين بالليرة اللبنانية، بل انها اتاحت لبعض هؤلاء المودعين مراكمة عوائد هائلة خاصة في العقد الاخير من القرن المنصرم لكننا نعلم ايضاً ان القطاعات المنتجة في الاقتصاد الوطني قد دفعت غالياً ثمن هذا التثبيت خاصة لناحية هيكل الفوائد الذي ارتبط بهذا التثبيت كما بكلفة هذا التثبيت من العملات الصعبة.

ان النقاش الحقيقي يجب ان يبدأ من هنا،وان نتوقف عن الخوف من مناقشة اوضاعنا الاقتصادية مهما كانت صعبة.