"خيال. تصميم. خلق"، هذه الكلمات الثلاث تلخص مسيرة نادين حجار المهنية. اذ أنها لطالما سعت الى تحقيق الكمال في كل مرحلة من مراحل دورة الإبداعية. فتسلحت بإيمانها بعملها، وفرضت اسمها في ما يسمى "عالم الرجال".

"الخيال لا يعطى، ولا يُكتسب، بل يُختبر ويُعاش!"، بحسب قولها. وتعود أصول مخيلتها الخصبة الى طفولتها في بيروت، ومغامراتها خارج البلاد. فمع خلفية في الهندسة المعمارية والداخلية من بيروت، وفي تصميم الأثاث من ميلان، والنجارة من مونتريال، باتت حجار تتمتع اليوم بخبرة 12 عاما في التصميم والإنتاج.

وفي العام 2014، أسست استوديو وورشة عمل في مونتريال تحت اسم "Nadine Hajjar Studio"، لتصميم وإنتاج الأثاث والاكسسوارات المنزلية، وترميم القطع القديمة، وتقديم المنتجات المخصصة وتحت الطلب. فمن خلال نحت الخشب، ومشاهدة أشكال القطع النهائية تتبلور بين يديها، تشعر حجار بالكمال كمصممة.

نادين حجار خصت "الاقتصاد" بهذه المقابلة الحصرية:

- من هي نادين حجار؟ وأين كانت بداية مسيرتك المهنية؟

أنا مصممة أثاث واكسسوارات منزلية، وأعمل أيضا في النجارة. بعد أن تخصصت في الهندسة الداخلية، عمدت الى التركيز بشكل أكبر على جوهر المنتج، وهذا ما جذبني في البداية الى التصميم، لذلك تابعت الدروس وحصلت على شهادة الماجستير في تصميم المنتجات من " Domus Academy"، في مدينة ميلان الايطالية.

ثم أمضيت سنوات عدة في العمل على تصميم الأثاث من وراء الشاشة، لكنني لطالما كنت أحلم بالتوجه الى مشغل أو ورشة عمل. انما في ذلك الوقت، لم أكن أعرف نوعية الورشة بعد، بل علمت فقط أنني أريد أن أكون على اتصال مع المواد والأدوات، وأتعلم كيفية تشكيلها وإعطائها معانٍ جديدة.

ومع مرور الوقت والتجارب، أدركت أن الخشب هو في الواقع ما كنت أرغب في العمل معه! وبهذه الطريقة قررت تعلم الأعمال الخشبية حين كنت أعيش في مونتريال في كندا، وأطلقت "Nadine Hajjar Studio"، في العام 2014. واليوم، أنا أصمم وأنتج قطعي الخاصة في مشغلي الخاص.

ولا بد من الاشارة الى أن هذه القطع موجودة في "متحف سرسق"، كما يمكن الاطلاع على أحدث أعمالي عبر موقعي الالكترونيwww.nadinehajjarstudio.com

- كيف أتيت بفكرة اطلاق "Nadine Hajjar Studio"؟

كان "Nadine Hajjar Studio" بمثابة فكرة موجودة في ذهني منذ أن أنهيت تخصصي الجامعي. لكن في ذلك الوقت، كانت تلك الفكرة لا تزال غامضة ومبهمة. اذ شعرت أيضا، أنني بحاجة إلى تعلم المزيد من أجل تأسيس شركتي الخاصة.

ومرت السنوات، ووضعت هذا المشروع جانبا، إلا أنه خلال تخصصي في الأعمال الخشبية، عادت الفكرة الى رأسي، وبدأ هذا المفهوم يتضح بشكل نهائي.

- من أين حصلت على التمويل اللازم من أجل اطلاق أعمالك الخاصة؟

أطلقت الاستوديو بميزانية منخفضة جدا، فمن مدخراتي الشخصية اشتريت بعض الأجهزة والمعدات، وتشاركت مع بعض الأصدقاء في ورشة العمل، حيث لكل واحد منا عمله الخاص.

في تلك الفترة، كنت موظفة بدوام كامل، لذلك كنت أعمل خلال فترة الليل على مشاريعي الشخصية، وعلى طلبيات الزبائن. أما اليوم، فأنا سعيدة للغاية لأنني أستطيع القول أخيرا أنني أعمل بدوام كامل على إنتاج مجموعاتي الخاصة، لقاعدة من الزبائن تتزايد يوما بعد يوم.

- من هم زبائن "Nadine Hajjar Studio" اليوم؟

زبائني هم أشخاص يحبون القطع الفريدة المصنوعة يدويا، والمنحوتة يدويا، والعضوية. ومؤخرا، بدأت بالتعاون مع المهندسين المعماريين، والشركات متعددة الوسائط.

- كيف تواجهين المنافسة الموجودة في السوق؟

بصراحة، لا أعير اهتماما كبيرا للمنافسة، بل أحاول التركيز على عملي الخاص وشغفي الشخصي. فأنا أستثمر طاقتي في تصميم القطع الفريدة، وأشعر أن هذا الأمر يعطيني القوة والمصداقية للتميز عن غيري، والسير في طريقي بشكل سلمي، والحصول على المزيد من الزبائن.

- هل تمكنت من ايصال منتجاتك الى العالمية؟

أنا حاليا بصدد إنشاء متجر على الانترنت، وأعتبر أن هذا الأمر هو بمثابة الخطوة الأولى الرسمية، باتجاه البيع دوليا.

من ناحية أخرى، كنت على اتصال مع عدد من تجار التجزئة في الشرق الأوسط، ولكن دون وجود استراتيجية مبيعات منتظمة؛ وبالتالي فإن الوصول الى العالمية هو حقا عملية جارية!

- ما هي الصعوبات المهنية التي تصادفك في رحلة عملك؟

الوقت هو المورد الأكثر ندرة، وفي عملي أدركت أنني مضطرة الى أن أكون متعددة المهام: فأنا أدير وقتي بين التصميم، وطلب المواد، وإنتاج القطع في ورشة العمل، والاجتماع مع العملاء، وفهم رغباتهم، والتسعير، وتسليم المنتجات، وتركيب القطع. كما أهتم بالمحاسبة، وموقعي الالكترونيwww.nadinehajjarstudio.com  (الصور، والنصوص)، والتسويق لعلامتي التجارية، والتركيز على وسائل التواصل الاجتماعي، والاتصال بالمخازن،... والقائمة تطول!

- هل تعرضت يوما الى التمييز لمجرد أنك امرأة؟

نعم بالتأكيد! في مونتريال، يتفاجأ الناس بشكل إيجابي، عندما يعلمون أن المرأة تعمل في "عالم الرجل". أما في لبنان، فالأمور تختلف، وأشعر أن الناس ينظرون الي بطريقة أقل جدية. فعلى سبيل المثال، صممت منذ حوالي سنتين قطعة خشبية خاصة بالتلفزيون لأمي، وبينما كنت في إجازة في بيروت، اعتقدت أنه سيكون من الجميل إذا بنيتها بنفسي. فاتصلت بالنجار الذي نتعامل معه، وطلبت منه استئجار مساحة صغيرة في ورشته للقيام بهذه المهمة، لكن رد فعله الأول كان: "حقا؟ هل تعرفين كيف تصقلين الخشب بورق الزجاج؟"، وبالتالي فإن جوابه كان مليئا بالاستغراب والمفاجأة، ناهيك عن التشكيك والارتياب، وشعرت حينها أنه سيكون من الصعب علي اختراق السوق اللبناني.

- ما هي الصفات التي أسهمت في تقدمك المهني؟

شغفي للتصميم هو ما دفعني الأكثر في مسيرتي. ومن خلال المثابرة والصبر، تمكنت من تحقيق أهداف معينة كانت عزيزة على قلبي. وبالإضافة إلى ذلك، أنا شخص منظم وطموح.

- ما هي خططك وأهدافك المستقبلية؟

على المدى القصير، أسعى الى إثبات نفسي، والاستمرار في بناء سمعتي كمصممة وعاملة في النجارة. وعلى المديين المتوسط والطويل، أتمنى أن أؤسس شركة منظمة، تضم موظفين وحرفيين. بالاضافة الى صالة عرض، تبيع منتجاتي بشكل حصري.

كما أحلم بافتتاح في يوم من الأيام، مدرسة في بيروت، متخصصة في تعليم فن الأعمال الخشبية، وذلك من أجل ترك أثر ملموس في بلدي الأم.

- كيف نجحت في تحقيق التوازن بين عملك وحياتك الشخصية؟

بُعد المسافة بيني وبين عائلتي وأصدقائي، أجبرني على التركيز بشكل أكبر على عملي، وساهم في جعلي مدمنة على العمل! ولكن بالطبع، دعم أسرتي المحبة ورفيق دربي، هو بمثابة الوقود الذي لا يقدر بثمن، والذي يعطيني الأجنحة، للمثابرة في عملي كل يوم.

- ما هي برأيك المعوقات التي تقف في طريق تقدم المرأة في لبنان؟

للأسف تتمثل إحدى العقبات الواضحة، في النظام السياسي الطائفي في لبنان، فالضغط الذي تمارسه الأحزاب السياسية المختلفة، هو بمثابة جدار كبير، يقف حاجزا أمام تعديل العديد من القوانين التمييزية ضد المرأة.

ومن الأمثلة على ذلك، عدم قدرة المرأة على اعطاء جنسيتها لأولادها، والعقوبات المخففة، أو غياب العقوبات القانونية ضد الاغتصاب الزوجي وجرائم الشرف، بالاضافة الى عدم المساواة في معاقبة الزنا، إذا كان الموضوع متعلقا بامرأة أو رجل، وغيرها من المواضيع،...

أما العقبة الرئيسية الأخرى، فتكمن في الموقف السلبي العام للمرأة اللبنانية في ما يتعلق بحالتها الخاصة. اذ أنها لا تناضل بما فيه الكفاية لإجراء تغييرات وتعديلات ذات أهمية كبرى! كما أنها لا تعترض ضد المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه، بل تستفيد أحيانا من الدور الذي أوكل اليها: دور المرأة التي يهتم بها زوجها ماديا، وفي المقابل، عليها الاعتناء بالمنزل والأطفال؛ وبذلك تكون بالطبع ملزمة بالحصول على مسيرة مهنية "أقل نجاحا" من الزوج!

ولكن بالتأكيد، هذا تقييم عام للمجتمع، فالاستثناءات موجودة والحمد لله! وهي تتزايد أكثر فأكثر يوما بعد يوم. انما هذا لا يعني أن الاستثناء يتقبله بقية أفراد المجتمع دوما بشكل جيد؛ فالمناقشة في هذا الموضوع طويلة جدا!

- ما رأيك بالتقدم الذي حققته المرأة اللبنانية على صعيد الحقوق؟

الإنجاز الملموس الأخير هو تمديد إجازة الأمومة. لكنني لا أؤيد تمديد الفترة أكثر، لأنه في نهاية المطاف، قد يشكل هذا الأمر فاصلا كبيرا في مسيرة المرأة الوظيفية، وبالتالي قد يهدد تقدمها ونجاحها.

بدلا من ذلك، أقترح تقديم إجازة الأبوة، لأن هذا الأمر سيتيح لكل من الوالدين أن يقوم بدوره الفعلي، وبمسؤولياته المباشرة في رعاية الطفل. كما أن الطفل بدوره سيستفيد من اهتمام والديه به.

- كيف تقيمين دور الرجال في لبنان اليوم؟

في المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه، يلعب الرجل دورا مهما للغاية، ووجوده قد يعتبر أحيانا أهم من وجود المرأة! فالنظام السياسي الطائفي يقدم معظم الامتيازات الموجودة في مجتمعنا، الى الرجل. لماذا قد يرغب اذا بتغيير الوضع القائم في ما يتعلق بالعقاب، أو الطلاق، أو حضانة الأطفال، أو الأجور،...؟ وبالتالي فإن الرجل هو المسؤول عن جمود الوضع!

لكن الرجل المثقف يعرف تماما فوائد المساواة بينه وبين المرأة؛ انما هذه الفئة من الرجال تبقى بالعادة بعيدة عن المشهد السياسي، وبالتالي لن تتمكن من تحقيق التغييرات في النظام.

يجب أن نأمل أن يبقى لبنان بعض المفكرين من الرجال والنساء، الذين يديرون الثورات الصامتة نحو الأفضل!

فهذه الفجوة بين حقوق الرجل والمرأة، هي في الواقع إحدى القضايا الرئيسية التي يعاني منها مجتمعنا، والتي تشكل عقبة خطيرة في طريق التقدم! وغياب الوعي حول هذه المشكلة، من قبل معظم الرجال والنساء، يشكل عائقا أساسيا في تقدم المجتمع اللبناني.

- هل تؤيدين اقرار الكوتا النسائية في البرلمان اللبناني؟

المرأة اللبنانية سلبية وخاملة في الموضوع السياسي، في حين أننا بحاجة ماسة الى مشاركة المرأة في صنع القرار.

لذلك أؤيد وجود كوتا اجتماعية، بدلا من الكوتا الطائفية! فهذا النوع من الكوتا يمثل بشكل أكبر المجتمع الحديث والعصري. والحصص الطائفية في البرلمان، "عفا عليها الزمن"، والقتال بين الأحزاب السياسية، هو محاولة لتأجيج الكراهية والانقسامات بين الناس! فإذا تُرك الشعب اللبناني بسلام، سيتمكن من التعايش بشكل جيد؛ ولدينا أمثلة وافرة من المجتمعات متعددة الطوائف، والتي تعيش في وئام مطلق، دون تدخل "الدين المسيس".

- ما هي نصيحة نادين حجار الى المرأة؟

أحب أن أكون جزءا من جيل، حيث المرأة اللبنانية هي أكثر استباقية بشكل عام! جيل حيث تتمكن المرأة من تحسين أوضاعها، واستثمار طاقاتها من أجل تحقيق مستقبل أفضل لابنتها!

أحب أن أرى المرأة تحصل على التعليم المناسب، بغض النظر عن المكان الذي تعيش فيه، وخاصة في المناطق الريفية.

لا أعرف ما إذا كنت في وضع يتيح لي إعطاء النصائح الى المرأة، لكنني أشعر أن بهذه الطريقة، نستطيع إيقاظ المرأة اللبنانية بشكل عام، لكي ترتفع إلى مستوى أولئك الرجال، الذين يشعرون بالارتياح في المجتمع الذكوري القائم.

وفي النهاية أريد أن أشكر المصورة الفوتوغرافية "Richère Trudeau" على الصورة الأساسية لهذا المقال.