"حفّظ هذا الحدث"...

الذكريات هي عبارة عن لحظات عشناها وقمنا بتوثيقها عبر اَلة أحسن مبتكرها الفعل، بعد أن أصبحنا قادرين على تطويرها واستخدامها في المجالات كافة. فكلنا نصوّر اللحظات السعيدة والمناسبات المهمّة لنؤرشف هذه الذكرى ونحفّظها لأننا حتماً سنراجعها يوماً ما ونشعر بالفخر والحب والدفء من خلال "الصورة".

وثمة من يمتهن تصوير الأحداث؛ لا بل يبدع بخلقها لتغدو فيلماً وثائقيا من الأحداث سواء كانت شخصية أو مهنية..

في ظل هذا الإبتكارات من التحكم بالصورة والإضاءة والمكان كلمة واحدة فقط تقال.. "الفن"!

وهنا استطاع شاب لبناني أن يحوّل مهارته الفنية إلى شركة فعلية فرضت وجودها على الساحة اللبنانية والصيداوية بشكل خاص!

بدأ بتسلّل الجبل من أوله .. ليصل إلى القمة

فلكل مهنة نقطة بداية، ولكن هل سيعرف عبد الرحمن سنجر نقطة النهاية؟ أو قمة هذا النجاح وهو يطمح للمزيد في كل خطوة يجتازها؟

بدأت مسيرته في تصوير أشياء بسيطة.. ليتعرف إلى دهاليز مهنته التي ما لبثت أن وسّعت شِبَاكَ علاقتها ونشاطاتها..

فبعد الفيلم الوثائقي الذي أعده عن مدينته صيدا، وحضر حفل الإفتتاح أبرز الشخصيات الفنية والرسمية.. وصفت مسيرة عبد الرحمن سنجر المؤسس لشركة "Media Yard Productions"  بأنها "لا تعرف زر الوقوف" ...

فتابع هذه القصة و"حفّظ هذا الحدث"!

- لماذا قررت تأسيس مشروعك الخاص عوضاً عن سعيك لوظيفة الثابتة؟

بدأت مسيرتي المهنية في العام 2011، وذلك في خلال دراستي الجامعية.

درست فصلا واحداً في جامعة في الخارج قبل أن أنتقل إلى الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا في بيروت "AUST".

هدفي الأول والوحيد كان تأسيس مشروعي الخاص في لبنان، لذا تخليت عن منحة دراسية إلى الخارج وقررت أن أستكمل دروسي في لبنان وأباشر في تحقيق حلمي ولو بخطوات خجولة في البداية.

في العام 2012 أسست "Media Yard Productions" "فكريّاً" فقط! فلم أكن أملك حينها الخبرة لتحقيق مشروعي عمليّاً وفعلياً... رغم انخراطي في محاولات عدة، لذا قررت أن أكوّن خبرة كافية لإدارة هذا الحلم ولكن بالطريقة الصحيحة والتدريجية، وبرأس مال يتجسد بكاميرا واحدة فقط.

في السنة الثانية من الجامعة بدأت أستلم مشاريع بصفة مستقلة "Freelance" ، وبالتحديد بدأت بتصوير "The Making Of" اخترت هذا النوع من التصوير بشكل خاص في البداية لأكتشف أسرار هذه المهنة من أولى درجاتها، ولكي أكتشف ما أحب اكثر.

بعد عام من التصوير والمونتاج على كاميرتي وحاسوبي المتواضعين، لأنواع عدة من المشاريع منها،  وتصوير ومونتاج أفلام وثائقية قصيرة لجمعيات محلية ودولية، قررت في العام 2014 تأسيس مشروعي الخاص رسمياً ولو بصفة مبدئية.

وكنت في العام نفسه قد صوّرت فيلماً  وثائقياً عن مدينة صيدا، وهي مدينتي، تعاونت مع صديقي لننجز تصويره خلال عشرين يوماً. وقمت رسمياً بإطلاق العرض الأول منه؛ الذي كان برعاية بلدية صيدا، وحضر العرض شخصيات رسمية وفنية رغم أن سنّي عندها لم يكن قد تجاوز العشرين عاماً.

هذا الحدث كان أكبر حدث بالنسبة لي شخصيا ومهنيا، إذ وضعت على هذا الفيلم اسم شركتي "Media Yard Productions"ورمزها وهنا بدأت الناس تتعرف أكثر إلى اسم الشركة.

بعد هذا الحدث بشهرين، كنت قد حصدت مبلغاً مالياً مقبولاً من أعمالي السابقة، بالإضافة إلى مساندة الأهل والأقارب فاشتريت أواخر العام 2014 كاميرا أكثر تطوراً كي تلبي حاجات عملي الأساسية "Canon 5D Mark III". ومنذ أواخر العام 2014 وحتى العام الماضي صورت، وقمت بأعمال مونتاج لحوالى عشرين فيلماً قصيراً، وما يقارب  الخمسة عشر فيلماً وثائقياً، ولكني لم أضع كل هذه الأعمال باسم الشركة لأنني كنت أعمد الدقة والإنتقائية بهدف المحافظة على هوية الشركة المستقلة وتميزها.

في آب من العام 2015، حصلت على شهادة الدبلوم في "Film Making" من "Light Art Academy" وهي أكاديمية أميركية الأصل، حضر فريق عملها إلى تركيا، وقمنا بدورة تدريبية مدتها أربعين ساعة.

عندها راجعت أفكاري وأعمالي ورأيت أنني سأتخرج من الجامعة بعد عام وأنني قد اشتريت من الأموال التي جنيتها العديد من المعدات الإضافية لمشروعي المتواضع، لذا خططت للمباشرة بالعمل في "Media Yard Productions" رسميا ومن دون تردد، فلـ"Media Yard Productions" رؤية من يومها الأول مبينية على شقين : أولا مميزات مدينة صيدا وجماليتها، وثانياً العلاقات العامة التي بنيتها مع أشخاص يعملون لحسابهم الخاص -"Freelancers" - في هذا المجال من داخل صيدا وخارجها، وأسست جسر الوصل بينهم وبين الزبون.

فمثلا، إذا أراد الزبون التعامل مع مصمم غرافيك يمكنني أن أعرض عليه أكثر من خيار، ولا أحصل على عمولة في المقابل، ولكن عبر هذه الاستراتيجية تمكنت من توسيع شبكة علاقاتي بسرعة فائقة، وكسبت هذا الزبون على المدى البعيد،حيث سيعود لخدمات أخرى بعد أن  قام باختيار الشخص الذي سيتعامل معه بنفسه، وكان شريكاً في العملية، ولم يُفرض عليه شيئاً.

في العام 2015 واجهت مشكلة النقص في رأس المال الكافي لافتتاح مكتب رسمي، وفضّلت أن أشتري معدّات إضافية عوضاً عن دفع هذه المبالغ مقابل إيجار محل، لذا قمت بافتتاح هذا المتجر ولكن"online".

ومن جهة أخرى قمت بإعداد دورة للتصوير في بلدية صيدا، تدرّب فيها العديد من الأشخاص وحصلوا على شهادات باسم "Media Yard Productions"، بقيت على هذا المنوال حتى آخر العام 2015.

ومن شهر أيلول 2015 وحتى الآن أنجزت العديد من المشاريع ومن أبرزها : قمت بتصوير في الإمارات، عملت على "TVC" لحملة مخصصة لمستشفى بصيدا، كذلك قدمت العام الماضي برعاية خدماتية بقيمة تقارب الـ3000 دولار باسم الشركة كمسابقة لرواد الأعمال.

في تشرين الثاني من العام 2015 قمت بخطبة صغيرة عن مشروعي الصغير والمصاعب التي واجهتني، بالإضافة إلى الدورات التي كنت أعِدُها دورياً لاستقطاب أشخاص جدد.

- كيف استطعت أن تنسّق بين حياتك الأكديمية والمهنية؟

عند مشروع التخرج، تمكنت من تصوير فيلم مشروع التخرج الخاص بي، بمستوى رفيع من الجودة، وخبرتي العملية هنا ساعدتني على تجنّب "فحش" المصاريف.

فإذا نظرنا اليوم لأفلام الخريجين الجدد نرى أن الطالب يلجأ مباشرة إلى أهله ليتلقى مبالغ طائلة لتصوير فيلم التخرج الخاص به.

خبرتي هنا دعمتني في مجال العمل الميداني، خاصة في تنسيق الوقت وتفادي التكاليف الطائلة غير المُجدية، ومعرفة استخدام المعدات اللازمة بالميزانية المقبولة، إذ تمكنت من تصوير فيلمي في خلال واحد بكلفة مقبولة جدا على عكس العديد من الطلاب الذين يصورون أفلامهم بالمدة الزمنية  نفسها "عشر دقائق" ولكن بمبالغ طائلة جداً ومدة تصوير أطول.

-من منطلق خبرتك المهنية المكتسبة كيف ترتب الأمور التالية بحسب الأولوية : الشهادة الجامعية، الخبرة ورأس المال المادي؟

اُفضل أنا أضيف إلى هذه الأساسيات عنصر الشغف، فهو الذي يدفع الشخص إلى التوجه لدراسة اختصاص معين، السعي لجني الخبرة وتحصيل رأس المال مادي لتأسيس مشروع يحقق طموحه ويتماشى مع شغفه.

وبرأي إذا فُقد هذا العنصر؛ تتلاشى بقايا مكونات المعادلة كحجار الدومينو.

-ما هي أبرز العراقيل التي واجهت مسيرتك المهنية وكيف تجاوزتها؟

سني شكّل لي معضلة صغيرة، خاصة عند تعاملي مع الزبائن أو الشركات، فكان يعتبر البعض أنهم لن يدفعوا لي مستحقاتي نظرا لصغر سنّي !

ولكني اكتسبت من هذا الأمر الخبرة اللازمة للتعامل مع الأطراف ووضع الشروط المناسبة التي تحفظ حقي وحق غيري.

- ما هي الصفات التي تميّز عبد الرحمن سنجر عن غيره؟

بالإضافة إلى الشغف، أعتبر أن الإندفاع يرفعني خطوة خطوة إلى مراحل جديدة، فكلما أحصل على شهادة جديدة أو أنجز مشروعاً ضخماً أرى نفسي أنظر إلى مراحل أصعب وأقوى.. عيني دائما على رأس القمة التي أتسلق جبلها يوميّاً.

كما أنه لا يمكنني أن أنسى دعم أهلي وأصدقائي وتحفيزهم الدائم لي .. هذا التحفيز لم يقتصر على الكلمات المنمّقة، بل تطور ليجسد عملاً جماعياً أسهم في نجاحنا جميعاً.. فلم تبصر "Media Yard Productions" النور لولا تلك الجهود المشتركة.

- يتميز مجال عملكم بطبيعته "الموسمية" كيف تتعامل مع هذا الأمر لتضمن مشاريع على مدى العام؟

لا شك أننا أصبحنا على دراية بتقسيم المواسم من خلال خبرتنا على الأرض، وعندما تتوسع شبكة الأعمال والعلاقات تتمدد معها النشاطات.

بدأت أنا في العمل على "Making Of" فقط ومن ثم تطورت للعمل على أفلام وثائقية، ومع الوقت عملت على أكثر من مجال، ومررت بمراحل عدة،لذا لكل إنتاج موسمه الخاص ، وبما أننا بمقدورنا تغطية كافة الإنتاجات يمكننا أن نستمر في عملنا، وأن نقسم أعمالنا على مدى العام.

- ما هي الرسالة التي تود أن توجهها إلى الشباب خاصة الذين تتشارك معهم الفئة العمرية فسها؟

أرغب أن أشارك قصتي معهم، لأننا قد نتقاسم الهموم والتطلعات نفسها ولكن كل بحسب شغفه وطموحه.. عندما تخرجت من الجامعة نويت البحث عن وظيفة في البداية ،رغم أنني استأجرت مكتباً فعلياً بعد إنشائي للمتجر الالكتروني.

وعملت أيضا منذ فترة وجيزة مع "TEDBAU"  كـ"Production Partner".

ولكن عندما فكرت في الوظيفة وجدت أنها فكرة غير مجدية؛ لأنها ستضيع تعبي وشغفي وتحصره بهدف الراتب الثابت آخر الشهر.. لا شك أنه في يوم من الأيام سأحصل على المردود المادي الجيد ولكن علينا أن نصبر ونحن نعمل على تحقيق أحلامنا.

وعلى صعيد الشق المادي، أنصح الشباب ألا يولوا المردود المادي أهمية كبرى في البداية،  فبعد تطوير المهارات والخبرات يتمكن الإنسان من تحصيل ثمن تعبه مادياً،خاصة أن الخبرات والمهارات هما رأس مال الفرد المستدام ، ومهما حصل لن يخسرهم، فإذا وقع انهيار اقتصادي قد يخسر الإنسان أمواله، ولكن لن يخسر خبراته المكتسبة.