في الخامس والعشرين من أيلول من العام الماضي عقدت قمة التنمية المستدامة التي تنظمها الأمم المتحدة بمشاركة كل الدول الأعضا، وقرر المجتمعون مجموعة من الأهداف (17 هدفا)، ووضعوا خطط واطر وسياسات معينة للوصول إلى تلك الأهداف وتحقيقها خلال الـ15 سنة القادمة.

ويعتبر "الهدف التاسع" من أهم الأهداف التي ركّز عليها المجتمعون والذي يتمحور حول التنمية الصناعية الشاملة أو الصناعة الشاملة والمستدامة، بالإضافة إلى تشجيع الإبتكار وتحسين البنى التحتية وجعلها مرنة من أجل مساعدة الصناعيين على الإنتاج والإبداع وبالتالي تحسين الإقتصاد بشكل عام.

وأخذت الـ"UNIDO" (منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية) على عاتقها تحقيق هذا الهدف في العديد من البلدان حول العالم ومنها لبنان، حيث ستقوم المنظمة بمساعدة الدولة اللبنانية على تصميم وبناء 3 مدن صناعية جديدة نموذجية ومتكاملة.

مصادر خاصة أكدت لـ"الإقتصاد" ان "العمل الأن مازال في مرحلة تحضير الدراسات الخاصة والمخططات المتعلقة بالمشاريع الثلاثة، وستنتهي مرحلة التحضير في كانون الثاني من العام 2017 .. وبعدها ستنطلق الأعمال على الأرض، حيث أن معظم الأمور باتت جاهزة وقد تم إختيار المواقع على الأرض في ثلاث مناطق لبنانية مختلفة".

وتابع المصدر "فيما يتعلّق بالتكلفة ليس هناك أرقام محددة بعد، ولكن المشاريع ستخلق العديد من فرص العمل وستساعد القطاع الصناعي على الإنطلاق والنمو".

ولفت إلى انه "سيتم العمل أيضا على تقديم دراسة لإدارة المدن الصناعية الثلاثة بطريقة سلسة وغير معقدة تساعد على تسريع وتسهيل العمل .. وتتضمن الدراسة أيضا لائحة بالمعامل والشركات التي قد يهمها التواجد في هذه المدن، كما تتضمن خطط لفرز الأراضي وتوزيعها بطريقة تساهم في إستيعاب المعامل والشركات، إضافة إلى فتح طرقات مناسبة، وبنى تحتية ملائمة (مياه، كهرباء، هاتف، إنترنت ... ) وغيرها".

وأكد المصدر في حديثه لـ"الإقتصاد" أن الإسراع في إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص يساعد كثيرا على تنفيذ هذا المشروع وأي مشاريع مشابهة أخرى".

وكان تقرير البنك الدولي الأخير قد ذكر بأن المدن الصناعية هي المحرك الرئيسي لأي إقتصاد، وكذلك أكد المجتمعون في مؤتمر "ليما" في البيرو على ضرورة التنمية المستدامة .. لذلك تعتبر هذه المشاريع الثلاثة خطوة مهمة بإتجاه دعم القطاع الصناعي اللبناني، الذي عانى ويعاني مؤخرا من صعوبات جمّة، زادت من حدّتها الأزمة السورية وإقفال المعابر البرية، مما أدى إلى تراجع الصادرات الصناعية بنسب كبيرة .. هذا عدى عن كلفة الإنتاج المرتفعة وعدم توفر البنى التحتية اللازمة للتطور الصناعي بشكل عام.

وتجدر الإشارة إلى أنه في لبنان اليوم حوالي 131 مدينة صناعية خاصة عشوائية بمعظمها إذا صح التعبير، ومتداخلة مع الأبنية والأحياء السكنية ومتواجدة في مناطق غير ملائمة، لذلك سيساهم مشروع الـ "UNIDO" بالبدء في إعادة تنظيم هذا القطاع، حيث سيتم بناء المدينة الصناعية الأولى شمال مدينة بعلبك على مساحة 500 ألف متر مربع، اما المدينة الثانية فسيتم بناءها في بلدة تربل البقاعية على مساحة كبيرة تصل إلى مليون و800 ألف متر مربع، والمدينة الثالثة ستكون في قضاء الشوف (محافظة جبل لبنان) وتحديدا في منطقة الجليلية على مساحة تقدّر 650 ألف متر مربع.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المدن تتداخل فيها كل العناصر البيئية (جمع النفايات الصلبة، معالجة المياه المبتذلة... )، كما أنا تمتلك كل الظروف الملائمة للصناعيين (طرقات سليمة ومناسبة، تقديم التكنولوجيا المطلوبة، خدمات الإنترنت، الهواتف والمياه والكهرباء ... وغيرها).

ولكن يجب أن لا ننسى بان هناك تحديات كبيرة قد تواجه هذا المشروع في لبنان، لذلك يجب على القطاع الصناعي الخاص ان يبادر بشكل أكبر وأن يوسّع مشاركته.. كما انه على الدولة تسهيل هذا الأمر من خلال إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ... فليس من السهل إقامة مدن صناعية ضخمة دون المشاركة والتعاون بين الدولة والشركات الخاصة.

كما ان هناك أيضا تحديات تتعلق بالوضع الإقليمي وأهمها الأزمة السورية التي قدّ تصعّب تنفيذ هذا المشروع، خاصة مع تراجع  نسب إمكانية جذب الإستثمارات من الدول المانحة بسبب الوضع غير المستقر .. أضف إلى ذلك الوضع الإقتصاي السيء ووجود اكثر من 1.5 مليون نازح سوري في لبنان مما ساهم في إرتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 20%، وإنخفاض الإنتاجية من 8% إلى 2% في السنوات الأخيرة.

ولكن على الرغم من كل تلك الصعوبات والتحديات، يبقى الأمل موجودا في أن ترى تلك المدن الصناعية النور، لكي تكون خطوة أولى على الطريق الصحيح بإتجاه تأسيس قطاع صناعي صلب وقوي، وقادر على المنافسة إقليميا وعالميا.