يعيش ​لبنان​ حالة من الشلل السياسي وذلك منذ إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق. وتفاقم هذا الشلل إلى درجة أصبح معها الوضع المالي والإقتصادي مُقلق لدرجة كبيرة. وتُشير الحسابات التي قمنا بها إلى أن لبنان يواجه إستحقاقات مالية هائلة في الأعوام القادمة يتوجب عليه إيجاد حلّ لها تحت طائلة الإفلاس.

أخذ الوضع المالي العام بالتردّي تحت وطئة الشلل السياسي الذي سببته الأزمة السورية والذي كانت نتيجته تعطيل الإنتخاب الرئاسي مما إنعكس سلبًا على عمل المجلس النيابي وعلى عمل مجلس الوزراء. وفي ظل غياب موازنة عامة، تعمد الحكومة اللبنانية إلى الصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية إضافة إلى إعتمادات من خارج الموازنة تقوم عادة بالإقتراض لصرفها. وهذا الإقتراض يتطلب موافقة المجلس النيابي بحسب الدستور الذي ينص على أن أي إلتزام مالي للدولة اللبنانية يجب أن يمرّ عبر مجلس النواب. من هذا المُنطلق، يقوم مجلس النواب وذلك منذ العام 2006 بتحديد سقف للحكومة يُمكنها من خلاله الإقتراض في الأسواق لتغطية نفقاتها وإستحقاقاتها المالية خصوصًا تلك المُتعلقة ب​الدين العام​.

وهنا تظهر المُشكلة، إذ وفي ظل غياب الموازنة والشلل في المؤسسات الدستورية، تجد وزارة المال نفسها في حالة عجز عن القيام بأي إجراءات لمواجهة الإستحقاقات القادمة.

الإستحقاقات المالية للدولة اللبنانية كثيرة وعلى رأسها الأجور وخدمة الدين العام ومؤسسة كهرباء لبنان. وإذا كانت الأجور وخدمة الدين العام لوحدها تستهلك كل دخل الدولة، فإن بنود الإنفاق الأخرى تتحول في نهاية العام إلى عجز وبالتالي إلى دين عام. وهذا الأمر يؤدّي بدوره إلى زيادة خدمة الدين العام مما يعني الدخول في حلقة مُفرغة لا يُمكن الخروج منها إلا بخطة تقشفية.

بلغت قيمة بند الأجور والتعويضات والتقاعد مليار ليرة لبنانية وهذا البند هو الأول في الإنفاق العام مع إرتفاعه من 3970 مليار ليرة في العام 2008 إلى 7080 مليار ليرة في العام 2015 (أي ما يوازي الضعف!). ويأتي بند خدمة الدين العام في المرتبة الثانية مع 7050 مليار ليرة لبنانية. إلا أن هذا الأمر لن يكون كذلك في العام 2017 مع إستحقاق العديد من الإصدارات السابقة.

وفي التفاصيل هناك خمسة إصدارات بالدولار الأميركي (Eurobonds) تصل إلى نهايتها في العام 2017 مع مجموع إجمالي بقيمة 3.05 مليار دولار أميركي:

إضافة إلى ذلك هناك إصدارات بالليرة اللبنانية تصل إلى 1.362 مليار دولار أميركي وتستحق في العام 2017.

وقمنا بحساب الفائدة على الإصدارات بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي معتمدين بذلك على المعلومات المُتوفرة على الموقع الإلكتروني لوزارة المال ووصلنا إلى الأرقام التالية:

1) إستحقاقات الدين العام وخدمته في ما تبقى من العام 2016: 2.86 مليار دولار أميركي؛

2) إستحقاقات الدين العام وخدمته في العام 2017: 7.92 مليار دولار أميركي؛

3) إستحقاقات الدين العام وخدمته في العام 2018: 7.32 مليار دولار أميركي؛

أضف إلى ذلك هناك الإنفاق على البنود الأخرى (بإستثناء بند خدمة الدين العام) لشهر كانون الأول من هذا العام والبالغ 741 مليون دولار أميركي. وبحسب تصريح وزير المال علي حسن خليل، لا يوجد إعتمادات لتغطية هذا الإنفاق وبالتالي فإن شهر كانون الأول سيكون كارثي إجتماعيًا لأن الأجور وبالتحديد في القطاع التربوي لن تُدفع أو أقلّه سيكون هناك تأخير في دفعها. ولتذكير فإن شهر كانون الأول هو شهر الأعياد مما يعني أن اللبنانيين لن يستطيعوا الإنفاق خلال فترة أعياد رأس السنة!

الحلّ الأفضل بالطبع هو إقرار مشروع موازنة العام 2017 والسماح للحكومة بالإقتراض لما تبقى من العام 2016، لكن هذا الحلّ بعيد المنال مع الإنقسام السياسي الحاصل وما ينتج عنه من شللّ في المؤسسات الدستورية.

ولكن في فرضية عدم إقرار مشروع الموازنة وعدم إنعقاد مجلس النواب للسماح للحكومة بالإقتراض (وهو الأكثر إحتمالًا)، فإن مصرف لبنان سيقوم بعمليات شبيهة بتلك التي جرت في العام الفائت حين قام بدفع إستحقاقات الدين العام التي إستحقّت في شهر تموّز. وبالتالي، فإن مثل هذا الحلّ هو حلّ على حدود القانون ويضرّ بسمعة لبنان ومصداقيته.

إن إنتخاب رئيس للجمهورية يحلّ مُشكلة تعطيل مجلس النواب ويسمح له بالتشريع وبالتالي إقرار مشروع موازنة العام 2017 كما والسماح للحكومة بالإقتراض للعام 2016، لذا نوجّه صرخة إلى القوى السياسية إلى الإسراع في إنتخاب رئيس للجمهورية لأن العكس يعني هلاك الدولة والمواطن اللبناني معها.