"​البطالة​ هي أم الرذائل ". هو قول فرنسي. وينطوي على ما يمكن ان تخلّفه  البطالة من جرائم في المجتمعات. ومهما تبد لّت  الارقام المتداولة عن البطالة في ​لبنان​ ،ومهما جرى من محاولات لتدويرها والذهاب بمفاهيمها الى محطات متعددة بينها انها من تداعيات النزوح السوري مع وجود ما يقارب المليون ونصف المليون سوري في لبنان او حتى اكثر ، والاستغناء عن اليد العاملة اللبنانية واستبدالها بالسورية ، فضلاً عن اقفال العدد الكبير من الشركات والمؤسسات ، واللجوء الى الصرف التعسفي ،فان النتيجة وخيمة وهي على مسافة قريبة من ثورة اجتماعية ما من احد يمكنه تكهّن ارتداداتها.

في دراسة كشف عنها البنك الدولي عام 2012 قدّر  ان نسبة البطالة بين اللبنانيين هي 34% وهي بين الشباب.

من جهتها، قدرت منظمة العمل الدولية نسبة البطالة بين الشباب اللبناني بنسبة 22 في المائة عام 2013، مقارنة بنسبتها بين الشباب حول العالم حيث بلغت 13،1 في المائة في العام نفسه.

وأشارت المنظمة  في تقرير لها تحت عنوان "اتجاهات العمل العالمية للعام 2014 " إلى تداعيات الاضطرابات الاجتماعية في المنطقة وخصوصاً في سوريا على النمو الاقتصادي في لبنان وأحوال سوق العمل اللبناني ومعدل البطالة في البلاد.

وابعد من ذلك،  اعتبر تقرير آخر للمنظمة  ان "استمرار ارتفاع معدلات البطالة عالميا وتواصل العمالة في ظروف غير مستقرة يؤثران بشدة على أسواق العمل في العديد من اقتصادات الدول الناشئة والنامية". وتوقع  تقريرها  حول البطالة لعام 2016 إرتفاع عدد العاطلين بمقدار 2،3 مليون ليصل إلى 199،4 مليون في نهاية العام.

مؤخراً ، كشف رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس بعد اجتماع عقده وزير العمل سجعان قزي مع بعض الهيئات الاقتصادية ان عدد المصروفين  بشكل جماعي في بيروت الادارية نهاية تموز بلغ 2181والسبب التراجع الاقتصادي .

البطالة ارقام ام مفاهيم ام مؤشر ات ؟

غبريل

رئيس قسم الأبحاث الإقتصادية والمالية في بنك بيبلوس نسيب غبريل اسف لما يتم التداول به من ارقام غير دقيقة وغير علمية في موضوع البطالة. وقال بغياب اي دراسات علمية صادرة عن دائرة الاحصاء المركزي ، الجهة الرسمية المخوّلة باجراء المسح واصدار النتائج لايمكن الاستناد الى اي ارقام  منشورة.

وقال:  البنك الدولي  اعد ّ بين 2009 و2010 دراسة حول البطالة لحظ فيها رقماً تقريبياً  ولكنه غير دقيق. وللاسف في بعض الاحيان ، يقوم البعض  باستخدام هذه الارقام سياسياً. وبدلاً من اطلاق الارقام عشوائياً يجب ان يكون هدفنا دعم الاحصاء المركزي  كي يقوم بدوره باجراء المسح الدوري لسوق العمل مع تحديد نسبة البطالة بشكل عام وعند الشباب خصوصاً.

ففي الاردن حيث يعتبر  الاقتصاد اصغر من  الاقتصاد اللبناني هناك مسح علمي للبطالة .كذلك في كل من مصر وتونس. فنسبة البطالة مؤشر اساسي لاي اقتصاد . من هنا، اكرر بوجوب دعم دائرة الاحصاء المركزي مادياً وبشرياً.

اسباب

البعض يرد اسباب تفاقم النسبة وارتفاع عدد العاطلين عن العمل الى التراجع الاقتصادي والبعض ألاخر الى الوجود السوري الكثيف في لبنان و  اجتياح سوق العمل من قبل السوريين.

اما غبريل فيرى انه يجب التطرق الى موضوع العمالة السورية في لبنان بطريقة علمية. فهذه العمالة موجودة في لبنان منذ التسعينات وهناك شريحة من هؤلاء غير مسجلّة . وايضاً ثمة 10 الآف من العمال السوريين يعملون في قطاع البناء والزراعة . وهي عمالة موسمية نوعاً ما.

ولاشك ، ان السوريين نافسوا  اولاً اهلهم السوريين الموجودين اصلا في لبنان . وثانياً سائر العمال  الاجانب العاملين في لبنان من مصريين، سودانيين، سيريلنكيين ... وثالثاً اللبنانيين في عدة قطاعات مثل المنتجعات السياحية، المطاعم ... وصولاً الى اصحاب المصالح الحرة مثل اعمال الطرش والدهان والنجارة والبيع في الاكشاك وغير ذلك...

ولا ننسى ان وزير العمل حدد القطاعات التي يسمح للعمال السوريين الدخول اليها وهي : البناء، الزراعة والخدمات البيئية. الا انه رغم ذلك ما من جهة قادرة على ضبط العمال غير المرّخصين ، سيما من يعمل منهم في قطاعات الاقتصاد الموازي ، اي الذي يضم  الشركات غير المسجلة في المالية، في غرفة التجارة وفي الضمان الاجتماعي .

واليوم من يعمد من الشركات الللبنانية الى تشغيل السوريين فذلك هرباً من الاعباء التشغيلية التي يعاني منها القطاع الخاص في لبنان.. وهو السبب الرئيسي لتراجع الحركة الاقتصادية منذ العام 2011حتى العام 2015 حيث  بدأ الركود الفعلي.

كما لا يمكن في هذا الاطار تجاهل اعباء القطاع العام على القطاع الخاص اي عراقيل المعاملات الادارية والروتين الاداري الذي يمربه  من اجل تسيير اموره .

ويبقى الحل في التخفيف  من وطأة هذه الاعباء التشغيلية عن كاهل القطاع الخاص مما يشجّع الشركات في الاقتصاد الموازي على ان تتسّجل هي وموظفيها.

ويعتبر غبريل انه يجب دراسة الوضع الاقتصادي بطريقة علمية بعيداً عن الحالة الشعبوية.

عندها يمكن احصاء عدد فرص العمل التي يخلقها وعدد الفرص التي يخسرها. ولا شك ان ثمة ازمة سيولة في عدة قطاعات ، ولكن للتحقق من الموضوع بدقة من المفترض تقديم كل الدعم  للاحصاء المركزي للقيام بالمسح الشامل والعلمي  بشكل دوري.

الجدير ذكره ان التقريرالصادر عن منظمة العمل الدولية حذّ ر من  أن تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان قد يزيد حجم القوى العاملة وخصوصاً  تلك التي لا تتمتع بمهارات معينة بنسبة 30 في المائة إلى 50 في المائة، الأمر الذي يزيد من حدة المنافسة عند الباحثين عن العمل اللبنانيين.

وشدد التقرير على أهمية تطبيق سياسات تتعلق بتنشيط سوق العمل اللبناني بهدف تعزيز الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة،  منوهًا بأن المسح الذي أجراه البنك الدولي في دراسة على عينة من الشركات اللبنانية تبين أن 38 في المائة من الشركات المستطلعة تولي أهمية كبيرة لمهارات العمل عند اتخاذ قرارات التوظيف.

وأشار التقرير إلى ضعف سوق العمل الدولية بسبب الانتعاش الاقتصادي الضعيف والصعب المترافق مع تخفيض توقعات نسب النمو الاقتصادي العالمية.واعتبر أن النمو في معدلات التوظيف حول العالم لن يكفي لتلبية وتيرة الارتفاع حول العالم في القوى العاملة في الأعوام القادمة، مؤكدًا أن أهمية تطبيق سياسات تتعلق بتنشيط سوق العمل وتقليص الفجوة بين المهارات المطلوبة وتلك المتوفرة بهدف تأمين انتعاش سليم في سوق العمل.

والابرز توقع التقرير، أن يرتفع عدد الأشخاص العاطلين عن العمل في العالم إلى 215 مليونًا مع نهاية العام 2018، مقابل 202 مليون شخص في العام 2013 و197 مليونًا في العام 2012.وتوقّع  ايضاً في حال بقيت اتجاهات سوق العمل العالمية على حالها، أن يرتفع عدد الوظائف الجديدة 40 مليون وظيفة مع نهاية العام 2018، وأن ينتسب 6ر42 مليون شخص إلى القوى العاملة.

وأوضح التقرير أن نسب الارتفاع في معدلات البطالة حول العالم، وبالأخص بين الشباب يعود إلى الزيادة الملحوظة في معدلات البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

اخيراً، البطالة هي ازمة ليست وليدة الساعة بل تعيشها كل دول العالم وعلى مر الحقبات، وهي وليدة ظروف اقتصادية صعبة يجدر ايجاد الحل السريع لها كي لا يسلك من يقع فريسة البطالة طريق الانحراف، خصوصاً ان البنك الدولي يلفت الى  أن هناك 40% من اللبنانيين هم تحت خط الفقر، ويتوقع ان ينحدر حوالي 170 الف مواطن لبناني لما دون خط الفقر.  محذراً من تفاقم الأزمة المعيشية في لبنان. فاللبنانيون المرشحون لانحدار وضعهم المعيشي الى ما دون خط الفقر كثر.

والمطلوب يقظة  جدية وخطة حكيمة قابلة للتنفيذ بعدما نما الاقتصاد طيلة الفترات السابقة بدون ان يخلق فرص وظيفية ثابتة  .