لاشك ان بند  الانفاق المالي  يطغى في كل مشروع موازنة مقدمة على سائر البنود ، سيما وان البحث عن  سلة الواردات يبنى على هذه الركيزة التي يكبر حجمها من موانة الى اخرى . واذ تكمن أهمية الموازنة في ضبط الإنفاق لانها تخلق انضباطاً مالياً، وفي الوقت ذاته تهدف إلى زيادة الإيرادات العامة للدولة، وتشكّل عاملاً مساعداً للنمو الإقتصادي في البلد بفعل زيادة النفقات الإستثمارية، كما تسهّل التقديمات الإجتماعية ،   لا يفترض ان يغيب  مصدر الابواب المتشعبة في النفقات  .  وفي موازاة الملاحظات التي تدوّن  مع كل دراسة  لمشروع موازنة  حول كلفة كهرباء لبنان على الدولة اللبنا نية حيث سجلت ما بين العامين 2010 و2015 نحو 10 مليارات دولار، فيما  أن الإدارة اللبنانية لا تستحوذ على أكثر من 10% من بند الرواتب، وتذهب الـ90% الأخرى إلى قطاعي التربية والعسكر، بما يناقض كل المساعي التي تبذل لمنع التوظيف أحياناً وتخصيصها أحياناً بحجة تخفيض النفقات العامة يجدر تسليط الضوء ايضا على ما ينفق من بدل ايجار لمباني مشغولة من قبل الوزارات والادارات والمؤسسات العامة في حين ان املاك الدولة اما سائبة واما مشغولة من قبل غيرها.

من المعلوم ان  الدولة اللبنانية تستأجر اليوم عدة مبان لمكاتب وزارتها واداراتها العامة . ما هي كلفة هذه الايجارات السنوية التي تدخل ضمن انفاق الدولة ؟

عجاقة

الخبير إلاقتصادي وإلاستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة يوضح "للاقتصاد": ان الدولة اللبنانية من خلال الوزارات والإدارات الحكومية تستأجر مئات المباني والمكاتب في مختلف المناطق اللبنانية. وبحسب مشروع موازنة العام 2015، تبلغ كلفة الإيجارات 97.7 مليار ليرة مقارنة بـ 68.2 مليار ليرة في موازنة العام 2005. هذا الإرتفاع في كلفة الإيجارات يعكس بدون أدنى شكّ غياب الإدارة الرشيدة في إدارة أملاك الدوّلة اللبنانية. والجدير بالذكر أن هناك خطّة وُضعت من قبل الحكومة اللبنانية لشراء وأو تشييد مباني للوزارات والإدارات الحكومية، لكنها لم تُنفذ إلا بشق بسيط جدًا. الحجّة التي أُعطيت لتبرير عدم تنفيذ هذه الخطّة هو عدم توفّر التمويل، لكن بالنظر إلى المبالغ التي تُدّفع سنويًا، نرى أن هذه الحجّة لا تبرّر عدم تنفيذ الخّطة.

والمُشكلة أن هذه الكلفة مُرجّحة أن ترتفع في الأعوام المُقبلة نتيجة التوسع في الإدارات العامة ونتيجة قانون الإيجارات الجديد والذي يفرض زيادة سنوية.

ولكن هل تلتزم الدولة بتسديد بدل الايجارات عنها؟ وما هي هذه المباني؟

يشرح البروفسور عجاقة ان الإيجارات مرصود لها في الموازنة (حتى العام 2005) وفي مشاريع الموازنة (من العام 2006 إلى العام 2016) وبالتالي فإنها جزء لا يتجزأ من إنفاق الدولة اللبنانية. وتُقسّم هذه المباني بحسب الوزارات والإدارات والمؤسسات الرسمية على النحو التالي (المصدر- مشروع موازنة العام 2015):

الوزارةالإدارةالمؤسسة كلفة الإيجار في العام 2015 (ليرة لبنانية)

رئاسة مجلس الوزراء 300 مليون

ديوان المحاسبة 1.160 مليار

مجلس الخدمة المدنية 565 مليون

التفتيش المركزي 1.118 مليار

دوائر الإفتاء 130 مليون

المحاكم الشرعية السنية 527 مليون

المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى 125 مليون

دوائر الإفتاء الجعفري 58 مليون

المحاكم الشرعية الجعفرية 817 مليون

المحاكم المذهبية الدرزية 200 مليون

الهيئة العليا للتأديب 30 مليون

إدارة الإحصاء المركزي 1.329 مليون

المديرية العامة لأمن الدولة 700 مليون

وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية 965 مليون

وزارة الخارجية والمغتربين 800 مليون

وزارة الخارجية والمغتربين – مبنى الإسكوا 11.7 مليار

وزارة الخارجية والمغتربين - البعثات في الخارج 24.5 مليار

المديرية العامة للمغتربين 549 مليون ليرة

وزارة العدل 624 مليون ليرة

المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين في وزارة الداخلية 224 مليون ليرة

المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي 905 مليون

المديرية العامة للأمن العام  1.055 مليار

المديرية العامة للأحوال الشخصية 81 مليون

محافظة جبل لبنان  27 مليون ليرة

محافظة الشمال 95 مليون

وزارة المالية 3.6 مليار ليرة

إدارة الجمارك  1.825 مليار

مديرية الشؤون العقارية  1.672 مليار

المديرية العامة للطرق والمباني 399 مليون

المديرية العامة للتنظيم المدني 460 مليون

المديرية العامة للنقل البري والبحري 946 مليون

الجيش اللبناني 2 مليار

المديرية العامة للتربية- التعليم الأساسي  19 مليار

التعليم الثانوي 10 مليار

مديرية الصحة العامة 1.183 مليار

المختبرالمركزي للصحة العامة 51 مليون

وزارة الاقتصاد والتجارة 937 مليون

وزارة الزراعة 1.190 مليار

المديرية العامة للتعاونيات 30 مليون

البريد 325 مليون ليرة

وزارة العمل 820 مليون

وزارة الإعلام 40 مليون

وزارة الطاقة والمياه 150 مليون

المديرية العامة للنفط 290 مليون

وزارة الثقافة 670 مليون

وزارة البيئة 640 مليون

وزارة المهجرين 1.013 مليار

وزارة الشباب والرياضة 355 مليون

وزارة الشؤون الاجتماعية 265 مليون

وزارة الصناعة 496 مليون

المجمعات الحكومية  اين هي؟

ولكنه في المقابل، ثمة مبان  مملوكة من الدولة ولكنها متروكة او حتى  انها مؤجرة الى الغير وبالامكان الاستفادة منها .

وفي هذا السياق، يلفت البروفسور عجاقة الى ان  لائحة العقارات التي تمتلكها الدولة تفوق الألاف موزعة على كل الأراضي اللبنانية. وبحسب بعض المعلومات (مجلة الدولية للمعلومات)، في بيروت وحدها تمتلك الدولة ما يُقارب الـ ٢٣٥ عقارًا. والمُلفت في الأمر أن العديد منها شاغر،  في حين أنها تستأجر في عدّة أماكن أخرى. وهذا الأمر كارثي إذ أن المُجمّعات الحكومية تبقى الحّل الأمثل على أراضي تمتلكها الدولة ولا يكون عليها إلا كلفة الصيانة.

استئجار مبان مملوكة من نافذين

هل ان ظاهرة استعمال او استئجار مبان  من قبل الدولة تعود ملكيتها للقطاع الخاص موجودة في بلدان العالم اليوم؟ اين؟

يقول البروفسور عجاقة  انه من المعروف أن هذه الظاهرة موجود ة جزئيًا في دول العالم. فالهدف يبقى دائمًا التوفير على خزينة الدولة مع إحترام مبدأ سهولة الوصول إلى الإدارات العامة من قبل المواطنين. من هذا المُنطلق يبقى الخيار الأول في بناء مُجمّعات حكومية يكون الوصول إليها سهل تمتلكها الدولة وبالتالي تقلّ الكلفة إلى حدّ الصيانة فقط لهذه المباني.

يبقى أن هناك خيارات إستثنائية تطال بعض المباني التاريخية التي تحمل في جدرانها جزءًا من تاريخ البلد والتي قد تكون مُستأجرة أو أن الدولة مُرغمة بإستئجار مبنى لكي توصل الخدمات إلى المواطنين، لكن هذا الأمر لا يُمكن أن يستمر إلا ما لا نهاية فإما تعمد الدولة إلى شراء هذا المبنى أو تقوم بإخلائه. فعلى الآمد البعيد، تصل كلفة الإيجار إلى مستويات عالية كانت لتُستخدم في شراء المبنى.

لكن الوضع في لبنان يبقى غير طبيعي خصوصًا مع وجود المحسوبيات والتي تفرض أن تستمرّ الدولة في إستئجار مباني مملوكة من أشخاص تابعين لأصحاب النفوذ.

أيضّا يُمكن القول أن بعض المباني مُستأجرة بضغط من أصحاب النفوذ لإعتقادهم أن وضع مؤسسة عامة في منطقة نائية  يؤدّي إلى إحياء المنطقة. وهذا الأمر غير دقيق بحكم أن الشركات الخاصة وحدها الكفيلة بإحياء منطقة مُعينة لأنها تؤمن فرص عمل وتُثبّت الأشخاص في مناطقهم.

الهدر أيضًا يأتي من السفارات والبعثات في بلاد العالم، حيث نرى أن الدولة اللبنانية تستأجر مباني في أحياء عالية الكلفة وهذا الأمر ينعكس في الأرقام إذ تبلغ كلفة إستئجار هذه المباني 24.5 مليار ليرة (أرقام العام 2015).

اخيرا، ليس مستغربا في دولة تعجز عن اقرار موازنات شفافة ،ووضع خطة اقتصادية سليمة مبنية على رؤية علمية تنهض بالبلد  ان يستمر الهدر في الانفاق والنفاق معاً.