القيادة في الليل تُعطي فكرة عن حلبات السباق التي يشترك بها الشبان كما والشاحنات. وتبقى هذه السرعة السبب الأساسي في حوادث السير المُميتة التي تعصف بطرقات لبنان وتحصد معها أرواحًا بريئة. فما هي الكلفة الإقتصادية لعدم تطبيق ​قانون السير​ الجديد؟

تمّ إقرار قانون السير الجديد رقم 243 عام 2012، ودخل حيّز التنفيذ في نيسان 2015. هذا القانون الذي من المفروض أن يُنظمّ السير ويُقلل من الحوادث المُميتة على الطرقات، ما زال بيعدًا عن التطبيق. حيث أنه نسمع كل يوم على نشرات الأخبار وفي الصحف وعلى مواقع الإنترنت أن هناك قتلى وجرحة نتيجة حوادث سير مع، دائمًا وأبدًا، السرعة كسبب رئيس لهذه الحوادث.

المخالفات تطال كل شيء تقريبًا: إستخدام الهاتف، عدم وضع حزام الأمان، المرور عكس السير... لكن المخالفة الأكثر خطورة تبقى السرعة التي وبحسب الأرقام هي السبب الرئيسي الذي يرفع من عدد القتلى في الحادث.

البيانات التاريخية التي إستحصلنا عليه من تصاريح الأمن الداخلي ومن موقع يازا، تُشير إلى أنه ومنذ تطبيق قانون السير الجديد، إنخفض عدد حوادث السير وحتى نهاية العام 2015، بمّعدّل 36 عن الفترة السابقة (نفس الشهر من العام السابق). وحكمًا إنخفض معه عدد الجرّحى بمعدّل 33 على نفس الفترة. لكن المُلفت أن عدد القتلى الذي إنخفض في المُطلق، لم ينخفض بنفس النسبة (شهري تمّوز وتشرين الأول 2015 شهدا إرتفاعًا في عدد القتلى نسبة إلى الفترة السابقة). وإذا ما قمنا بإحتساب عدد القتلى في الحادث الواحد، نُلاحظ أن هناك إرتفاعًا كبيرًا مع بدء تطبيق قانون السير الجديد في نيسان 2015.

التحاليل تُظهر أن السرعة هي السبب الأساسي في إرتفاع عدد القتلى في الحادث الواحد. ويكفى النظر من حولنا على إشارات السير التي تُحدّد السرعة القصوى وسرعة السيارات على الطرقات لنستنتج أن مُعظم السيارات هي مُخالفة.

ويبقى الليل هو الملاذ الآمن لمُحبّي السرعة وخصوصًا الشباب العائد من الحانات مع نسب كحول عالية في أجسامهم تُحولهم إلى ألآت قتل لأنفسهم وللأخرين. والمرور ليلًأ (على سبيل الذكر لا الحصر) على طريق يسوع الملك - فاريا، يُظهر مدى خطورة الوضع.

أيضًا تظهر فانات النقل والشاحنات التي تسير بسرعة تفوق الـ 120 كمساعة، كخطر كبير مع مئات الأطنان من الحديد التي تُطيح بكل من في طريقها وتحصد أرواح الناس.

أضف إلى ذلك الطريقة التي يتبعها أصحاب الفانات من ناحية لعبهم دور شوماخر والتسابق في ما بينهم للحصول على راكب كما وإمتلاكهم لأسلحة بيضاء في فاناته ينتظرون الفرصة لإستخدامها.

السرعة هي مرض تحرم السائق من القدرة على القيام بردّة الفعل اللازمة وذلك بحكم أن نقل المعلومات من الحواس إلى الدماغ يلزمه وقت يُقدّر بثانيتن (إذا إفترضنا أن السائق لا يلهو بالهاتف أو أي شيء أخر). وهذا الأمر يعني أن هناك مسافة بين السيارات يجب المحافظة عليها لإستيعاب الوقت. هذه المسافة يُضاف إليها مسافة توقف السيارة الناتج عن السرعة وحالة الدواليب وحال الطقس. فمثلًا، على سرعة 50 كمساعة، يحتاج السائق إلى 30 متر للتوقف وتمتد إلى 46 متر في حال كانت الأرض مبللة. وإذا ما زدنا السرعة إلى 130 كمساعة، تُصبح هذه المسافات 144 و25 متر للتوقف أي ربع كم!

ويُمكن تصنيف اللبناني بأنه من أكثر السائقين إهمالًا في العالم وأسوأهم على الإطلاق. فبين عدم إستخدامه لحزام الأمان، وإستخدام الهاتف أثناء القيادة، وإعتماد سلوك عدائي على الطرقات مثل التجاوز على اليمين والولوج بين السيارات كما لو أصبحت الطرقات حلبة سباق، وبين السرعة الفائقة التي يقود عليها، تقع الكارثة التي تحصد شهريًا 41 شخص منذ بدء تطبيق القانون و46 قبل بدء تطبيق القانون.

أيضاً من العادة أن الرجل اللبناني يشتري لزوجته سيارة رباعية الدفع (4x4) بحجة أنه يخاف على عائلته من الأخرين. ونرى الزوجة تقود السيارة الرباعية الدفع في نفس الوقت الذي تُرسل فيه رسائل عبر هاتفها الخلوي لتصبح هي بحد ذاتها مصدر للموت لأشخاص يعبرون الطريق أو سائقين أخرين (الأفضلية في حال تصادم سيارتين، للسيارة الأكبر وزناً).

الكلفة الإقتصادية للعدم تطبيق قانون السير...

بالطبع إن خسارة شخص لا تُعوض وخاصة بالنسبة إلى عائلته، لكننا سنقوم بإعطاء تقدير لما يخسره الاقتصاد الوطني نتيجة خسارة هذا الشخص.

تنص المُحاكاة على أن الشخص الذي يقضي في حادث سير، يُفقد الإقتصاد اللبناني قيمة أجره السنوي وهذا لما تبقى له من سنين لو لم يقض بحادث سير، أضف إلى ذلك تكاليف الإسعافات التي تُقدّم إليه. وبإعتبار أن عدد القتلى في حوادث السير هو 41 شخص (مُعدّل شهريمنذ نيسان 2015)، نرى أن الكلفة الإجمالية على الاقتصاد ترتفع إلى 739 مليون دولار سنويًا!

أما في ما يخص عدد الجرحى وبإعتبار أن هناك 375 جريح شهريًا منهم 3% بإعاقات، فإن الكلفة السنوية للطببابة والإستشفاء تبلغ 68 مليون دولار سنويًا. وإذا ما كانت الإعاقات دائمة، فإن هذا المبلغ سيزيد بقيمة 324 مليون دولار أميركي الذي هو خسارة الإقتصاد من عمل هؤلاء الأشخاص.

لذا نرى أن تطبيق قانون السير بشكل صارم هو أمر ضروري وحيوي. فبالإضافة إلى خسارة الأشخاص وإعاقاتهم، هناك عامل إقتصادي كبيرة يتمثل بأكثر من مليار دولار أميركي خسارة مباشرة على الإقتصاد اللبناني. من هنا نتوجه إلى معالي وزير الداخلية نهاد المشنوق للطلب منه بـ "قمع" السرعة على الطرقات لكي يذكره التاريخ برجل الدوّلة الذي أنقذ حياة المئات من الأشخاص بقرار حكيم.