انها مرحلة المناورات المطاطة  في مؤسسة كهرباء  لبنان. ولكن هذه  المرة ليست المناورات على الشبكة العامة ، وانما بين  وزارة الطاقة والمياه  وادارة المؤسسة  متمثلة  برئيس مجلس ادارتها  المدير العام  واعضاء المجلس من جهة ، وشركات مقدمي الخدمات  الثلاث من جهة اخرى، تواكبها  ضغوطات  وتدخلات  تمارس  من قبل  وزارتي الطاقة  والمالية  والنافذين  السياسيين المستفيدين من هذا المرفق  عبر الصفقات  المعقودة.

ويبدو ان من يدخل هذا المرفق من شركات وقطاع خاص لا يكون بالسهل خروجه عنه  ووضع حد لتدخله،  سيما وان  وراءه  نفوذ  سياسي يستفيد اصحابه الى اقصى الحدود من كل المشاريع المنفذة .

وفي 28 آب ، لاتختلف  صورة كهرباء لبنان  عما كانت  عليه  قبله . اي مع هذا التاريخ ، موعد انتهاء عقود شركات  مقدمي الخدمات ، لم يتم اتخاذ  اي قرار جدي  اقله  بشأن  استمرار خدمات  الكهرباء  علماً  ان التحرك العمالي  و خصوصاً المرتبط   بالمياومين  منهم  يستمر  من  تصعيد  الى تصعيد  يرافقه  صرخة لنقابة  العمال والمستخدمين في المؤسسة  تدعو  الى وقف شركات  مقدمي  الخدمات،  وعدم التجديد او حتى  التمديد  لها لاي فترة  بعد تاريخ 28آب ، وذلك بعد الفشل  الذي حصدته  طيلة  فترة استلامها  خدمات  التوزيع  في بيروت والمناطق.

اما ادارة  كهرباء لبنان ،  فهي عاجزة  عن حسم اي  مشكلة ، لا بل تنجر الى   مسار المفاوضات الجارية مع الشركات في آخر لحظة  . وتارة تلمّح الى انها مع  التجديد  والتمديد ( وقد اصبح بالأمر الواقع ) ، وطوراً تهمس  الى انها  لا تريد هذه   الشركات ، تاركة  المجال للتدخلات السياسية  للطلب  منها  ذلك، علماً  انه في ادراجها تقبع سلسلة تقارير واردة من التفتيش المركزي   تلحظ سوء  اداء الشركات  وتدعوها الى   اتحاذ الاجراءات  والتدابير اللازمة   بحقها لعدم مراعاتها شروط تنفيذ العقد ، فضلاً  عن  انتقادات  وزارة المال " للكهرباء " والملحوظة في كتبها ، ورأي  ديوان المحاسبة غير المؤيد  للتمديد  بالأصل  عن الفترة الممتدة  من نيسان  الى آخر آب 2016.

منذ بداية مشوار شركات مقدمي الخدمات  في مؤسسة كهرباء لبنان ، لا يمكن اغفال البلبلة  الذي  احدثها  دخولها  الى هذا القطاع ،  وهو يرسم سلسلة علامات استفهام منذ انطلاقته ،  حيث بناء لتقرير وضعه المدير السابق للتوزيع وقد تضمن  ملاحظاته على الثغرات الكبيرة  في العقد مع الشركات الثلاث تم نقله  على اثره من مركزه  كمدير الى رئيس مصلحة التجهيز اي الى رتبة ادنى .

ورغم كل المواقف الرافضة  للشركات و اللافتة الى ادائها  غير المقبول  يبقى  تمسّك كل منها بالبقاء واضحاً رغم انها ابلغت ادارة الكهرباء عدم  تمكنها  من الايفاء بالتزاماتها  المالية  تجاهها  في  اكثر من مرة . ووفق المراقبون لشؤون الكهرباء هذا التمسك  بالبقاء في الكهرباء  ليس وراءه  قطبة  مخفية، ولكن قراراً سياسي  لا تدخل في حسابات من وراءه  ضخامة المبالغ المالية التي  تتكبدها المؤسسة  سنويا ً،  وذلك بفعل وجود 3 جهات نافذة  هي العرّاب  لعقد  التلزيم  وهي تتوزع  كالتالي : شركة  BUS محسوبة على وزير الخارجية جبران باسيل ، شركة  KVA  لخطيب وعلمي  محسوبة على الرئيس سعد الحريري واخيرا شركة  NEU لشركة  دباس  وهي محسوبة على الرئيس نبيه بري.

الجدير ذكره ،ان مجلس ادارة المؤسسة سبق  وان مهّد للتمديد للشركات  بعد رفضه الخطة البديلة التي وضعها المراقب العام في حزيران الفائت ، اي قبل بدء مهلة  التسلم والتسليم  التي كان من المفترض ان تحصل بين الادارة والشركات منذ شهرين .

و الخطة  تقضي بتقسيم كل المناطق  المستفيدة من كهرباء لبنان  الى 17 منطقة ؛  يعهد تلزيم  التوزيع  في كل منها الى شركة واحدة تقوم  بتنفيذ الاشغال لحساب الكهرباء على ان تتم  الاستعانة  بجميع العاملين في الكهرباء  بمن فيهم المياومين الناجحين في مباراة الخدمة المدنية ، سيما وان هناك  شغور كبير في مختلف المراكز في المؤسسة .

والاهم ان هذه الخطة وضعت الاصبع على الجرح  على المستوى المالي و لحظت توفير مبالغ كبيرة كانت تسددها المؤسسة للشركات بنسبة 10%.

وفي لمحة موجزة عن  ظروف مشروع مقدمي الخدمات يشار الى انه عام 2010  وافقت  حكومة  الرئيس سعد الحريري على تلزيم شركات خاصة خدمات توزيع الكهرباء والجباية، كمحطة أساسية في  ورقة "سياسة إصلاح قطاع الكهرباء" التي وضعها وزير الطاقة حينها جبران باسيل، وأقرّت بتاريخ 21/6/2010. وقد  تم تقديم مشروع مقدمي الخدمات على أنّه الحل الوحيد المتاح لإصلاح قطاع التوزيع  في الكهرباء الذي يصيبه الكثير من الاهتراء والسوء في تقديم الخدمات. وذكر  إن المشروع سيؤمن المعالجة الجذرية من خلال تأهيل القطاع وتصليحه وتحديثه ومعالجة النزف الحاصل في المؤسسة، في ظل العجز البشري وإصلاح أوضاع العاملين. وقد شكل هدف تركيب 1,4 مليون عداد ذكي في مختلف المناطق اللبنانية بقيمة 370 مليون دولار، حجر الزاوية في المشروع، والتزمت الشركات الخاصة ببدء تركيب هذه العدادات اعتباراً من شباط 2014، إلا أن شيئاً لم يحصل حتى تاريخه.

وفي بداية صيف 2010، تعاقدت وزارة الطاقة والمياه مع  شركة استشارية هي NEEDS، ووقّعت المؤسسة آنذاك عقداً معها بقيمة 10 ملايين دولار، على أن تكون مهمتها مساعدة  المؤسسة في إدارة المشروع وتقديم النصح إليها في ما يتعلق به. إلا أن الشكوى كانت عارمة من أداء الاستشاري. وأعيد تقسيم الخريطة الكهربائية إلى مناطق ثلاث: منطقة شمال بيروت الإدارية لُزّمت  الى شركة BUS التي تملك معظم أسهمها شركة BUTEC، ومنطقة بيروت  الإدارية والبقاع  التي لُزّمت الى شركة KVA المملوكة من شركتي "خطيب وعلمي"  و"الشركة العربية  للإنشاءات"، ومنطقة  جنوب  بيروت الإدارية التي لُزّمت الى شركة NEU التابعة  لمجموعة  دباس. وفازت هذه الشركات  بالعقود  الرضائية  بقيمة  إجمالية بلغت 785 مليوناً و462 ألفاً و727 دولاراً على 4 سنوات، بناءً على التقويم الذي أجرته شركة NEEDS   للعروض الفنية والمالية.

وانطلق  المشروع على أساس أنّه  سيؤمن  تمويله  الذاتي من خلال الوفر الذي سيحققه، وقد تمت الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء ووزارة المال وديوان المحاسبة على هذا الأساس. ويذكر ان   شركة NEEDS أفادت ديوان المحاسبة في عام 2012 بأن المشروع سيكسب المؤسسة نحو 685 مليون دولار ويخفف السرقات ويحسّن الجباية، إلا أن النتيجة  لم تكن هكذا  .  واللافت ان الشركة الاستشارية المذكورة التي كانت متحمسة للشركات  انقلبت ضدها .

باختصار،  اليوم  شركات مقدمي الخدمات الثلاث  مصرة على التمديد  لنهاية العام الحالي ،وقد يكون بعده التجديد .  والذريعة ان مؤسسة كهرباء  لبنان احتُلّت  وأُقفلت قسراً لمدة 4 أشهر من قبل المياومين، الى جانب  جملة اسباب . وفي ضوء ما يتردد اليوم من اجواء الاجتماعات الحاصلة   ان  ادارة المؤسسة  اصبحت بحكم الخاضعة لارادة الشركات ومن يقف وراءها   بالتمديد  وان لم يخرج ذلك بعد الى العلن بشكل رسمي .