قصة بول يارد حزينة، لكنها في الوقت ذاته ملهمة، اذ يتم تشخيص 250 طفل في لبنان بمرض السرطان سنويا، و80٪ منهم ينتصرون على المرض، لذلك من المهم جدا أن لا يضيعوا سنواتهم الدراسية خلال تلقيهم العلاج في المستشفى.

جمعية "Myschoolpulse" هي وليدة محنة أحلّت بعائلة يارد، اذ أصيب بول بسرطان العظم، وبدأ بالعلاج الكيميائي عشية عيد الميلاد في العام 2008. وعلى الرغم من الآثار الجانبية الناجمة عن هذا النوع من العلاج، أصرّ بول على استكمال دراسته، فبدأ أساتذته باعطائه الدروس الخصوصية في المنزل أو في المستشفى. وفي حزيران 2009، حصل على درجة ممتاز. ولكن للأسف، كان المرض قد وصل الى مراحل متقدمة، وتوفي في الصيف.

هذه التجربة الموجعة دفعت بوالدة بول، ميراي ناصيف، الى مساعدة الأطفال المرضى في متابعة دراستهم الأكاديمية، فأسست "Myschoolpulse" لتحقيق هذه الغاية، ولتكريم ذكرى ابنها بول.

كان لـ" الاقتصاد" هذا الحديث الخاص مع ناصيف:

- من هي ميراي ناصيف؟ وكيف قررت تأسيس جمعية "Myschoolpulse"؟

ولدت في لبنان من أب لبناني وأم سويسرية، وتربيت في هذا البلد حتى عمر 12 سنة، ومنذ ذلك الوقت وحتى عمر 18 سنة، كنت أتنقل بين باريس وبيروت، بسبب الحرب التي كانت قائمة.

وفي عمر 18 سنة، قررت الحصول على حياة دراسية وتعليمية أكثر استقرارا في باريس. وبعد التخرج عملت في المجال المصرفي في فرنسا، وتوجهت بعدها الى الولايات المتحدة، للحصول على ماجستير في إدارة الأعمال.

ومن ثم عدت الى لندن، وتزوجت، وأنجبت صبي وفتاة، وعندما أصيب ابني بول يارد بمرض السرطان في عمر 11 سنة كنا في بريطانيا؛ اذ بدأ يمشي بطريقة غير منتظمة، لكن صورة الأشعة السينية لم تظهر شيئا، وخلال عيد مولده دعا بعض الأصدقاء للعب كرة القدم، لكنه توقف فجأة عن اللعب، وهذا الأمر يعدّ غريبا بالنسبة الى ابن 11 سنة. فاتصلت حينها بالطبيب، وقلت له أنني متأكدة من وجود شيء ما، فخضع بول للتصوير بالرنين المغناطيسي، واكتشفنا حينها الورم السرطاني في أسفل ساقه اليسرى. وبدأنا العلاج الكيميائي خلال فترة عيد الميلاد، ومنذ ذلك الوقت قضى بول حوالي 8 أشهر في المستشفى. وخلال الأسبوع الأول، فرح كثيرا بسبب وجود غرفة لجميع الألعاب التي كانت ممنوعة في المنزل، والى جانبها غرفة للدراسة؛ وهذا ما أعطاني الفكرة لتأسيس "Myschoolpulse".

وبعد أسبوع شعر بول بالملل من الألعاب، وبدأ يحسّ أنه لن يمكل سنته الدراسية، وعندما رأيت كم كان قلقا، قلت له أننا سوف نجلب الأساتذة الى المستشفى. وبهذه الطريقة حصل على صفوفه الدراسية يوميا من سريره، وتمكن من القيام ببعض الامتحانات، ونجح، وجاء الأساتذة والمدراء لتهنئته.

وفي بداية تموز، بدأت العطلة الصيفية، وقرر تعلم اللغة الألمانية، ودرس حتى اللحظة الأخيرة. وبعد أن خسر معركته مع السرطان، قررت تأسيس جمعية خيرية في لبنان، تكريما لذكراه.

اذ رأيت كم كان التعليم مهما بالنسبة الى ابني بول، لكي يتطور مع أصدقائه في المدرسة، ويتفاعل مع المدرسين. وكان هذا الأمر بمثابة كرة من الأكسجين.

- كيف تتمكنين من التنسيق بين عملك المصرفي في سويسرا وعملك الاجتماعي في لبنان؟

نحن ننجز العديد من الأمور عبر البريد الالكتروني والهاتف، كما أنني أعلم تماما كيف تسير الأمور خلال تعليم طفل في المستشفى، والى ماذا يحتاج الولد والأهل، لأنني قمت بذلك لفترة 8 أشهر.

وبالاضافة الى ذلك، لدي فريق عمل رائع مؤلف من سيدتين في لبنان، وأنا بنفسي أتابع أخبار الجمعية يوميا من سويسرا، وأزور لبنان 4 مرات في السنة.

ولا بد من الاشارة الى أن الأصداء التي نتلقاها من الأطفال وعائلاتهم رائعة للغاية، ولقد قمنا مؤخرا بتنظيم حدث "5k Walk or Run" في "Faqra Club"، من أجمل تأمين التمويل اللازم، وحقق نجاحا كبيرا. اذ أنا شخصيا أحب الحصول على التمويل لـ"Myschoolpulse"، من خلال الأحداث التي تفرح الناس وتفيدهم.

- ما هي برأيك العوامل التي ساعدتك على إنجاح "Myschoolpulse"؟

لقد مررت بهذه التجربة بنفسي، لذلك أعلم تماما ماذا يعني أن يقضي الانسان يوما واحدا في المستشفى مع طفل مصاب بمرض السرطان. وأعرف كيف يشعر الطفل جسديا ومعنويا، والى أي مدى يفيده الوقت الذي يقضيه مع المدرسين، لكي ينسى لفترة قصيرة من الوقت، ويتابع دراسته، ويفتخر بنفسه.

فأنا مقتنعة بهذه الرسالة، وأعرف أن الآخرين سيشعرون مثلي؛ وهذا تماما ما حصل.

- كيف تمكنت من تحقيق التوازن بين أعمالك الكثيرة وبين عائلتك ومنزلك؟

عندما تخسر الأم ولدها، تتغير حياتها بالكامل، لكنني أشعر أن ابني بول يعطيني الطاقة والأمل من الأعلى، لكي أحقق الانجازات في الجمعية. فأنا أتفاجأ أحيانا بالطاقات التي أكرسها للعمل الخيري.

- كيف تقيمين وضع المرأة اللبنانية اليوم من ناحية الحقوق ودورها في المجتمع؟

للأسف لم تصل المرأة اللبنانية بعد الى مكانها المناسب من ناحية الحقوق، لكن عند الحديث عن الأعمال الخيرية، أفرح كثيرا برؤية هذا العدد الكبير من النساء اللواتي ينخرطن في العمل الاجتماعي، ويؤسسن المنظمات غير الحكومية التي تحل مكان الدولة، وتقوم بمهامها في العديد من الجوانب. فهذا العمل عظيم مليء بالحب بالتضامن.

المرأة في لبنان في لبنان بشخصيتها، لكنها لا تعامل بشكل منصف في السياسة والميراث مثلا.

- ما هي مشاريعك وتطلعاتك المستقبلية؟

في يوم ما، سأتوقف عن العمل في المجال المصرفي في سويسرا، وسأعود للاستقرار في لبنان، لأنني أحب وطني كثيرا.

- نصيحة الى المرأة.

أنصح المرأة أن تكون مقتنعة بالأمور المهمة بالنسبة اليها، وأن تقوم بما تحبه، ولا تخاف أبدا.