مشروع الليطاني.. مشروع الصفقات .. والأموال..المشروع الذي مُوّل من قبل البنك الدولي "عسى ان يُطبّق للنهاية على غير عادة حكومتنا"..

حصلت حكومتنا على مئتين وخمسين مليون دولار من البنك الدولي، لجرّ مياه الليطاني إلى بيروت الكبرى كمياه شفة علماً أنه يهدف من الأساس إلى توليد الكهرباء والريّ، فنوعية المياه المجمّّعة في سدّ القرعون (حتى قبل التلوث الحاصل حاليا) لا تصلح للشرب لأنها مياه "موحلة" ناهيك عن ضرورة مرورها من طريق معامل الكهرباء الثلاثة."

لماذا ضللت الحقائق في الدراسات التي أعدت للحصول على تمويل من البنك الدولي؟؟

يبدو أن مشروع الليطاني هو الوصفة الأمثل لمرض المواطن اللبناني أولاً، وزيادة أعبائه المالية ثانيا.. فمن سيدفع كلفة مشروع تزويد بيروت الكبرى بالمياه التي تقدر بمليار  وست مئة مليون دولار؟؟ ومن سيدفع الفوائد؟؟ وعلى من ستزيد تعرفة المياه عندما تضطر مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان للدفع؟؟

لم تعد الحلول الأنسب والأرخص "تجذب" هيئاتنا المختصة؟؟

واللوم على المواطن "المُخدّر" ؟؟ وكيف لا ؟؟ فمن يحاسبهم! .. لم يعد للمواطن العربي بشكل عام واللبناني بشكل خاص دور رقابي يحاسب ويتمرد..ربما لأنه لا يعلم التفاصيل والصفقات المخفية أو لأنه يئِس من الواقع المكرر في كل ملف وقضية ..

ولنتعرف أكثر إلى معطيات هذا الملف وخفاياه كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع منسق المرصد اللبناني للفساد شارل سابا، الذي يحتفظ بكل التقارير والدراسات منذ بداية الحديث عن هذا المشروع.

إذ أكد سابا أن الخطة التي أعدتها وزارة الطاقة بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار مبنية على دراسات قديمة أعدتها الوزارة عن مواقع السدود في لبنان والخطة العشرية التي ترتكز على تأمين موارد مائية إضافية من خلال بناء السدود والبحيرات الجبلية وبتغذية المياه الجوفية إضافة إلى اعتماد التقنيات الحديثة.

ويشرح أن الطروحات التي تم عرضها في العام 2013 تمحورت حول تحلية المياه، وحفر آبار،وزيادة كثافة، وكفاءة الشبكة، ورسى الخيار حينها على اختيار سدّي بسري وجنة لجر مياه الليطاني من بحيرة "أنان" عبر نفق جون باتجاه محطة الوردانية وصولا إلى بيروت.

وكشف  سابا أن تكلفة هذه العملية النهائية  تقدر بمليار و ست مئة مليون.

ويتابع:" لكن وفق الدراسات التي أُجريت وأكد عليها مجلس الإنماء والإعمار بإعتراف الدولة اللبنانية، كان بالإمكان استبدال كل هذه المنظومة بتحسين كفاءة الشبكة من جعيتا إلى الضبيه وبناء سد عند نهر الدامور، وكلفة هذا المشروع لا تتخطى مئتي مليون دولار".

يتسائل سابا :"لمَ لم يعتمدوا هذا الحل؟ علماًأنه الأفضل والأوفر؟؟" ولكنه يعود ويؤكد أن سبب تجاهل هذا الحلّ يعود لأسباب سياسية.

وإذا تمعنّا بحال الجهة الشمالية لبيروت، يتبين لنا أن البديل عن سد جنة وفق الخبير الالماني الذي درس وعاين وضع مغارة جعيتا، هو تصحيح الخط الرابط بين جعيتا وضبيه أولاً،والذي تشكل نسبة الهدر فيه 30% من المياه.

وثانياً، إنشاء سدّ في منطقة داريا (أعلى من منطقة جعيتا) لزيادة مخرون المغارة من المياه، مع العلم أن نبع جعيتا يؤمّن حوالى75 % من مياه بيروت.

أما النقطة الثالثة التي طرحها سابا فتمحورت حول زيادة كفاءة الشبكة، فاليوم 50% من مياه شبكة بيروت وجبل لبنان تذهب هدراً، وبالإضافة إلى هذا الأمر كان من المفترض القيام بدراسات وبحوث عن التخزين الجوفي، لأن طبيعة لبنان الجبلية والصخرية تسمح بتخزين المياه في باطن الأرض مثل مغارة جعيتا، ويضيف :" ومن يعلم كم مغارة جعيتا في لبنان لم تُكتشف بعد؟ّ" 

وأهمية هذا النوع من المياه تتمثل بأنه غير مُعرّض للتبخّر كحال مياه السدود، وليس عُرضة للتسرب، لأنه بطبيعة الحال مُتسرب إلى جوف الأرض .

كذلك تشكل المياه الجوفية حوالى 90% من إجمالي المياه اللبنانية، فالمياه السطحية في لبنان (الينابيع والأنهار) هي الإستثناء الوحيد، أما أساس طبيعة المياه اللبنانية فهي المياه الجوفية، لأن كمية المتساقطات في لبنان سنويا تمثل حوالى عشرة مليار متر مكعب، مليار واحد منها فقط يعود للمياه السطحية،أما الباقي فيتجسد في المياه الجوفية.

وعن مشكلة سوء استخدام المياه الجوفية وتملّح الآبار يقول سابا :" تتمركز هذه الظاهرة في المناطق الساحلية، وهي ناتجة عن الضخ والحفر الزائدَيْن، ما يؤدي إلى زيادة نسبة التملّح لاختلاط مياه البحر بمياه الآبار." وأكد أنه لا يتطرق إلى هذا النوع من المياه الجوفية؛ بل يقصد من طرحه المياه الجوفية المخّزنة في الجبال ومعظمها غير مُكتشف بعد ولم يخضع لدراسات كافية.

 * تلاعب في تقارير تلوّث الليطاني لتضليل البنك الدولي.. وقد فات الأوان..

بني مشروع الليطاني على أربعة أُسس: أولاً للري والتجفيف والكهرباء، وثانياً لإنشاء شبكة ارتباط بين معامل توليد الكهرباء في لبنان، وثالثاً لإنشاء محطات تحويل وخطوط توزيع في جميع المناطق اللبنانية،ورابعاً استثمار مختلف أقسام المشروع من الوجهتين الفنية والإدارية.

وتسعى الخطة المعتمدة من قبل الوزارة بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار لإحضار خمسين مليون متر مكعب من مياه القرعون. التي تنزل من نفق القرعون باتجاه جزين ومعامل الكهرباء الثلاثة وبحيرة "أنان" و "جون" بهدف جرّ هذه المياه إلى بيروت كمياه شفة.

ويشدد سابا " بني مشروع الليطاني على أساس أنه مشروع توليد كهرباء وريّ، فنوعية المياه المخزنة في سدّ القرعون (حتى قبل التلوث الحاصل حاليا) لا تصلح للشرب لأنها مياه "موحلة" ناهيك عن ضرورة مرورها من طريق معامل الكهرباء الثلاثة."

وبحسب سابا، ففي العام 2014 أي في الفترة التي كانت تتم فيها الدراسات بهدف الحصول على تمويل من البنك الدولي لهذا المشروع، رُفعت شكاوى بأن هذه المياه لا تصلح للشرب. أنكرت الجهات المختصة حينها هذا الأمر، وكان ردهم أن المياه "Lightly Polluted " –ملوثة بشكل طفيف- ويمكن أن يتم معالجتها بطرق تقليدية في مركز الوردانية.  والجدير ذكره أنه في مطلع هذا الشهر طلبت الجهات الرسمية ثلاثين مليون دولار قيمة استملاك تسعين الف متر مربع في الوردانية لإنشاء محطة تكرير لهذا المشروع. ويتابع سابا "من دون الغوص في تفاصيل .. الأرض وأصحابها، وسبب اختيارهم هذا الموقع بشكل خاص."

ويؤكد سابا :"تبين أن المياه "Highly Polluted" –شديدة التلوث-  ولا يمكن أن تتم معالجتها بطرق تقليدية باعتراف الوزراء، فوزير الصحة وائل أبو فاعور يلقبها بـ"بحيرة الموت" ووزير البيئة محمد المشنوق صرح أن " تكلفة تنظيف المياه هي 880 مليون دولار" ووزير المال علي حسن خليل - من خلال الكتاب الذي ارسله الى مجلس الوزراء - يكشف أننا بحاجة الى 150 مليون دولار تكاليف حل تلوث القرعون."

بالتوازي مع مشروع سدّ بسري الذي - بحسب خرائط مياهه - ستجرّ إلى بيروت بالخطوط نفسها التي اعتبروها لجرّ مياه الليطاني عبر نفق الوردانية – جون، وتجميع المياه لبسري في بحيرة "أنان" يتساءل سابا: "هل ستختلط مياه  بسري بمياه الليطاني لأن بحيرة "أنان " هي مركز تجمّع المياه الآتية من الليطاني، أم ستلغى فكرة جر المياه عبر نفق القرعون  - أنان، وبالتالي ستذهب المياه كلها فيما بعد لمشروع ري عبر القناة 800 (وهي جنوب الليطاني منطقة حاصبيا – مرجعيون)؟؟"

ويشدد :"إذا بقيت المياه تأتي من القرعون إلى بيروت، فهذه جريمة كبرى،  وحلّ المعالجة سيكون مكلفاً جداً،  وإلا سيتبين أنهم استخدموا الليطاني في البداية كحجّة لتمويل المشروع ومن بعدها اكتشفوا ""فجأة"" أن مياه الليطاني غير صالحة للشرب، وحصلوا على قرض من البنك الدولي يساوي مئتين وخمسين مليون دولار."

ويتساءل سابا "من سيدفع كلفة مشروع تزويد بيروت الكبرى بالمياه التي تقدر بمليار  وست مئة مليون دولار؟" فجزء كبير منه ستدفعه مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، ما سيؤدي إلى رفع تسعيرة متر المياه على البيوت. أما الشق الذي حصلت عليه الدولة كقروض من البنك الدولي و"بنك التنمية الإسلامي" وغيره عبر مجلس الإنماء والإعمار؛ الذي يقارب حوالى مليار دولار كقيمة تراكمية، سيضاف إلى الدين العام وسندفعه "كمواطنين" فوائد إضافية .. هذا كله سيحصل لأن الدولة اللبنانية تجاهلت اتباع مشروع يُكلف مئتين أو ثلاث مئة  مليون دولار فقط  .. فعزموا بالمقابل على إقامة سدود مكلفة.

*حلول البديل وأقل تكلفة

الحلول البديلة والأقل تكلفة واضحة .. سد الدامور هو حل جنوب بيروت، وحل شمال بيروت يتمثل عبر زيادة غزارة نبع جعيتا وتحسين  كفاءة الشبكة.

والطرح البديل عن سد جنة يتجسد بسدود تجميعية صغيرة لتخفيف الضغط على الأرض لأن  نوعية الأرض يتخللها تشققات لا تسمح لهذا الأمر.

بعد إعداد هذه الأمور الضرورية وصيانتها - الموجودةأصلا في الوقت الحالي - يمكننا أن نفكر في  كيفية إنشاء مشاريع كبرى مستقبلية من هذا النوع.

في النهاية.. ماذا يمكننا أن نقول سوى " يا حسرة عليك يا لبناني ستدفع لتمرض.."