مجدداً يكون وضع الكهرباء رهن الكباش السياسي الذي ذهب بالمؤسسة الى ادنى مستوى خدماتي، رغم مرور اكثر من 27سنة على انتهاء الحرب التي لم تستثني مرافق القطاع من الدمار. والجديد اليوم دخول عنصر المساومة على خط ما يرسم للكهرباء، سيما ان قضية المياومين  بدأت تأخذ منحا خطيرا بعد تزايد المراكز الشاغرة يقابلها دخول شركات خاصة في قطاع التوزيع تنتهي عقود تلزيمها في 28 آب الحالي.

ووفق المعطيات المتوافرة، فان المساومة الحالية تقضي باستمرارية المؤسسة وتلزيم الاشغال عن طريق غب الطلب وبالتراضي الى شركة او عدة شركات مقابل ادخال القسم الناجح من المياومين الى الملاك .

وقبل التطرق الى هذه المسألة لابد من تقويم بسيط  لوضع مؤسسة كهرباء لبنان المفترض ان تكون في افضل احوالها بعدما ارهقت خزينة الدولة على مدى السنوات، وهي ما تزال بفعل الدعم المقدم لها رغم التراجع الملحوظ في التحويلات المرسلة اليها، والتي وصلت الى 246 مليار ليرة ، نتيجة انخفاض اسعار النفط في نهاية الفصل الثاني من العام الحالي.

وخلال مناقشة الموازنة مؤخراً قدمت سلسلة  ملاحظات افضت الى  ان كهرباء لبنان كلفت الدولة اللبنانية ما بين العامين 2010 و 2015 نحو 10 مليارات دولار. فيما ذكر احد النواب ان كهرباء لبنان كلفت الخزينة حتى العام 2014،  29 مليار دولار تم تحويلها من الخزينة العامة الى كهرباء لبنان لتغطية العجز في هذا المرفق. هذا عدا عن خسائر غير مباشرة جراء التقنين تبلغ عدة مليارت ايضا.

واللافت انه رغم ضخّ كل هذه الاموال وما انفق على اعمال التأهيل والتجهيز ما يزال وضع الكهرباء مترهّلاً على مختلف المستويات: انتاج ونقل وتوزيع وجباية وادارة.

فعلى صعيد الانتاج، ما تزال طاقة المعامل دون مستوى الطلب المتزايد باستثناء الفصول التي يتراجع فيها الاستهلاك خصوصا في الخريف والربيع. ولم يف استقدام البواخر التركية الراسية قبالة معملي الجية والزوق من تعويض النقص الحاصل في الانتاج رغم ما تسببه من تلوّث.

وتقدّر حاجة لبنان الكهربائية بين 3000 و3300 ميغاواط/ ساعة، فيما معدل الانتاج حالياً وبدون اي اعطال مفاجئة يصل إلى 1600 ميغاواط. هذا التقصير تحاول شركة كارادينيز هولدينغ التركية لصناعة بواخر الطاقة وتوليد الكهرباء تعويضه مع ابداء استعدادها لإرسال باخرة ثالثة .

وعلى مستوى النقل ، فان صعوبة استملاك بعض الاراضي لمد خطوط التوتر العالي وتعقيدات ربطها بالمعامل من جهة ، وبعض المحطات الرئيسية من جهة اخرى  تنعكس سلباً على امكانية استجرار الطاقة الى عدة مناطق وتحرمها من ساعات اضافية من التيار.

وفي مجال التوزيع، فان دخول الشركات الثلاث NEW و KVA وBUS كمقدمي خدمات زاد الامر سوءاً . وبغض النظر عن اداء هذه الشركات المذكورة حيث رسمت علامات استفهام كثيرة حول دور كل منها وحول مدى التزامها بالعقود التي تنتهي في 28آب الجاري، فانه حتى الاشراف المسلم الى شركة NEEDS لم يكن بالمستوى المطلوب. وقد جهت سلسلة مذكرات من وزارة المال تشير الى تخلّف الشركة عن القيام بما هو متوجب عليها .

وبالنسبة للوضع الاداري ، فان الصراع القائم داخل المؤسسة بين الادارة والمياومين الذين نجحوا في مباراة مجلس الخدمية وهم من  فئة 4/1 و 4/ 2 بدأ يأخذ منحاً خطيراً خصوصا وانه  لم ينفذ الإلتزام بقانون رقم 287 حول " تثبيت المياومين" الذي ينص على حصرية تقديم المباراة للمياومين الذين كانوا يعملون في الشركة حتى شهر 8 -2011، وليس كما يحصل الآن حيث يتقدم للمباراة الخريجون الجدد ما يخالف القانون الصادر كما يضرب تكافؤ الفرص بين المتبارين. والجديرذكره هنا، ان المؤسسة تشكو من المراكز الشاغرة في عدة مديريات ومصالح بعد بلوغ العديد من المدراء ورؤساء المصالح والموظفين السن القانونية.

وفي المعلومات، انه عشية انتهاء عقود شركات مقدمي الخدمات الثلاث في 28/8/2016 تتدفق التدخلات السياسية والحزبية لصالح البعض منها، وبينها ما يوعز بتجديد التلزيم واخرى الى ادخال شركات اخرى . كما يجري اليوم التفاوض مع احدى الشركات على عقد جديد وفق غب الطلب لالتزام تنفيذ اشغال لصالح مديريات التوزيع في بيروت والمناطق لمدة 3 سنوات و4 اشهر ، وذلك بعد تاريخ 28 آب لتعويض النقص الحاصل في تنفيذ الاشغال. كما انه لغاية تاريخه ، لم تحسم مسألة الجباية اذا كانت ستدخل  ضمن العرض ام ستكون مستثناة.

ويشار هنا الى ان ثمة خطة بديلة وضعتها اللجنة المشرفة من الكهرباء والمراقب العام في المؤسسة لتسلم الاشغال من شركات مقدمي الخدمات بعد انتهاء العقد ما يساعد في استمرار خدمات المؤسسة بدون اي تأخير ، الا ان مجلس الادارة لم يأخذ بها لاسباب شتى، علما انه كان من المفترض ان يتم  ذلك قبل شهرين من موعد انتهاء العقد.

والجدير ذكره، ان اي عقد بهذه القيمة لايمكن تمريره عن طريق الاتفاقيات بالتراضي بدون المرور بمجلس الوزراء. كما ان  شروط العقد لا يمكن ان تشمل الشأن الاداري  في مديرية التوزيع . و ان حصر المشروع بجهة واحدة سيضرب حق المنافسة المشروعة  ضرب الحائط ،مما يعني الحؤول دون الحصول على اسعار مخفضّة بعد الغاء المناقصات واستدراج العروض.

وفي غضون ذلك، ستكون الكهرباء في فترة عجز كاملة لن تستطيع معها تنفيذ اي اشغال لان المرحلة هي انتقالية ستدوم لاكثر من 3 اشهر.

اما بالنسبة لموضوع الجباية التي لم يحدد لغاية تاريخه مصيرها فقد سبق وان  انذرت الكهرباء شركات مقدمي الخدمات لتسليم الجباية قبل 28 آب ، والتزمت شركة KVA بسرعة وتخلت عن قطاع الجباية ، فيما طلبت شركة NEW استمهالها لفترة قصيرة بينما طلبت شركة BUS الانتظار لغاية انتهاء العقد.

الى جانب كل هذه المعطيات يبقى اللافت في النزاعات الخفية الدائرة بين الادارة الحالية في الكهرباء ومستشار وزير الطاقة الذي بدأ يطالب بضرورة ترحيل المدير العام مما يطرح امكانية الاتيان بمدير آخر جديد على رأس المؤسسة بعد مضي اكثر من 14 سنة على وجود المدير الحالي في منصبه. ويبقى السؤال فهل ينجح هذه المرة ايضا مكتب الوزير في جمع المواقف السياسية لعزل المدير العام في الكهرباء لغايات معروفة بالسيطرة الكاملة على هذا المرفق؟