إذا ما نظرنا إلى البلدان التي حققت نقلات تنموية نوعية في السنوات الماضية وانتقلت من خانة البلدان النامية إلى البلدان الصاعدة، وبالأخص كوريا الجنوبية وتركيا والهند، فإننا سنجد ببساطة أن ذلك تحقق أساسا بفضل اهتمامهم بالتعليم ومجاراته للتقدم التقني الذي يمنح العديد من الأفضليات مقارنة بالبلدان الأخرى.

واهتمت دول ​مجلس التعاون الخليجي​ بالتعليم منذ البداية واستثمرت في ذلك أموال طائلة، ولم يقتصر هذا الاهتمام على أبناء دول المجلس، وإنما شمل أبناء العاملين الوافدين، حيث استحوذت موازنات وزارات التربية والتعليم العالي على نسبة كبيرة من الموازنات السنوية العامة في دول المجلس تراوحت ما بين 20-23% في المتوسط من حجم هذه الموازنات، مما أسهم في تطور التعليم وإتاحته للجميع، بما في ذلك غير القادرين على تحمل نفقاته الباهظة.

وفي الوقت نفسه تحولت دولتا الإمارات وقطر إلى مراكز استقطاب لجامعات عالمية عريقة وتحتل المراكز الأولى ضمن التصنيف العالمي للجامعات، مما يبشر بتقدم مستوى التعليم الجامعي وما قد يتبعه من تطوير لمراكز الأبحاث والابتكار والتي مازالت في مراحلها الأولى في دول المجلس.

أما التعليم الأساسي والثانوي، فإنه بحاجة لنقلة تشبه النقلة التي حققها التعليم العالي بفضل تطوير الجامعات الوطنية وفتح فروع للجامعات الأجنبية، إذ مازال هذا التعليم يعتمد على الكتاب المدرسي وأساليب التعليم التقليدية في معظم جوانبه، في حين أن مرحلة التنمية في دول المجلس تتطلب إدخال التقنيات الحديثة للتعليم الأساسي والثانوي، ليس من خلال وجود حصص دراسية لتعليم الكمبيوتر فقط، وإنما من خلال نشر ثقافة التقنيات الحديثة وتوفير الأجهزة التقنية التي تتيح للطالب التواصل مع العالم والبحث عن البيانات والمعلومات العلمية ودخول مكتبات العالم من خلال الكتاب المدرسي الإلكتروني المتقدم.

هذا ما تحاول تركيا والهند تطبيقه خلال السنوات القادمة، حيث أنشأت الهند معامل لإنتاج اللواح الكمبيوتر أو الكتاب المدرسي الإلكتروني وتوزيعها على المدارس إما بالمجان أو بأسعار زهيدة، في الوقت الذي قررت تركيا استثمار 11 مليار دولار لتوفير الكتاب الإلكتروني لكافة طلبة المدارس التركية في السنوات القليلة القادمة، أما كوريا الجنوبية، فقد سبقت هاتين الدولتين، ففي المدارس الكورية يحصل كل طالب على هذا الجهاز والذي يحتفظ به في خزائن مدرسية مخصصة لذلك وتقوم بشحنها بالطاقة اللازمة استعدادا لاستخدامها في اليوم التالي، وذلك إضافة إلى وجود أجهزة مماثلة خاصة بالدروس الإضافية للمحتاجين إليها.

لذلك تتقدم هذه البلدان الثلاثة بسرعة كبيرة في مجال التقنيات الحديثة وتحقق معدلات نمو اقتصادي واجتماعي كبيرة وغير مسبوقة، بل إن أجهزة "سامسونج" الكورية تجاوزت مبيعاتها مثيلاتها من أجهزة " آي فون وآي باد" الأمريكية لما تتميز به من أفضليات ودرت على الاقتصاد الكوري في النصف الأول من العام الجاري 6 مليارات دولار، كأرباح، وذلك عدا أشكال القيمة المضافة الأخرى التي دعمت الاقتصاد الكوري ونموه السريع.

مثل هذه النقلة أصبحت ضرورية للتعليم الخليجي وللاقتصادات الخليجية، خصوصا وأن ارتفاع أسعار النفط ووجود فوائض مالية تتيح تنفيذ مثل هذا المشروع الذي سيشكل نقلة نوعية في التعليم في دول المجلس، ويبدو أن دولتي الإمارات وقطر وربما البحرين الأكثر قدرة على تنفيذ هذا المشروع الطموح، وذلك بفضل انفتاح مؤسساتها التعليمية والمرونة التي تتعامل بها القيادة مع كافة التغيرات الجارية في العالم.

أما الكويت، فإن مجلس الأمة يقف (البرلمان) بالمرصاد لعرقلة أي توجه يرمي للتقدم الاقتصادي أو التعليمي، حيث تم منع إدخال اللواح الكمبيوتر " آي باد وكلاكسي" للمدارس مؤخرا، وكأن من اتخذ هذا القرار يعيش في عالم آخر، أما في السعودية، فإن سيطرة المحافظين على مؤسسات التعليم ربما تؤخر هذه النقلة النوعية والتي أصبحت ملحة وضرورية ولا يمكن الحديث عن التقدم الاقتصادي والاجتماعي من دونها.

ولحسن الحظ، فإن الترابط الوثيق بين دول المجلس ووجود لجنة وزارية مشتركة للتعليم يتيح إحداث هذه النقلة في كافة دول المجلس متى ما بادرت إحداها إلى تبنيها وتطبيقها في مدارسها، إذ إن عملية التطبيق الجماعية حتى وإن كانت على فترات بين دول المجلس ستتيح بدورها إقامة مؤسسات لإنتاج أجهزة التقنيات الحديثة، مما سيؤدي إلى تكامل هذه العملية التعليمية والتقنية ويزيد من انعكاساتها الإيجابية الكبيرة على التنمية في دول المجلس