تعرف يفيجينيا ​إيفانوفا​ (27 عاما) التي تعمل مديرة للعلاقات العامة في موسكو، أن أزمة اقتصادية أخرى تلوح في الأفق، لكن ذلك لا يعني أنها تتراجع.

لذلك هي تتباهى برحلاتها هذا العام إلى سيريلانكا وأستراليا، ورحلة تسوق استمرت خمسة أيام في باريس. واشترت سيارة مرسيدس بينز جديدة لزوجها وتخطط لشراء سيارة بي إم دبليو لنفسها، لأن ترى أن "الأمر لن يستقيم مع سيارتين من طراز مرسيدس".

وتصر إيفانوفا على أن روسيا لم تعد تعتمد على النفط الدولاري كما كانت في تلك الأيام التي سبقت الأزمة، حينما كان الناس "لا يهتمون بعد أموالهم" وكان يمكنهم إنفاق 30 ألف روبل (940 دولارا) على وجبة عشاء، إضافة إلى 15 ألف روبل بقشيش، دون أن يفكروا في الأمر مرتين. ومن جهة أخرى، لا يزال البلد يعيش في عصر التقشف.

ومع تراجع سعر النفط إلى 115 دولار للبرميل برزت مخاوف من أن روسيا قد تتراجع نتيجة لتداعيات أزمة اليورو التي بدت وكأنها تحط على شواطئها.

واستقر معدل البطالة عند 4.9 في المائة، وهي أقل نسبة في روسيا منذ ما يزيد على عقد من الزمن، بينما ترتفع الأجور الفعلية بنسبة 10 في المائة سنويا. وفي حين يأخذ نمو الأجور في التباطؤ، إلا إنه لا توجد إشارة على أن المستهلكين يقللون من إنفاقهم.

وهذه أخبار سارة بالنسبة لروسيا التي تحدت التوقعات القائلة بأن جمود الاقتصاد العالمي قد يوهن النمو فيها، وذلك بفضل الإنفاق النشط للمستهلكين.

وتترجم مؤشرات النمو إلى أعمال رائجة بالنسبة لأصحاب المتاجر في البلاد بأسرها. فقد نمت شركة ماجنيت، وهي واحدة من كبرى شركات التجزئة في مجال الغذاء في البلاد، مواكبة للطبقة الوسطى، وشهدت ارتفاعا في المبيعات السنوية بمقدار الثلث خلال تموز (يوليو). وتقول شركة بي إم دبليو إن مبيعات سياراتها في روسيا ارتفعت بنسبة 30 في المائة هذا العام، مقارنة بما كانت عليه عام 2011.

في الوقت نفسه غيرت الطبقات المتوسطة من وجهات رحلاتها إلى تركيا ومصر وأخذت تتجه إلى وجهات أعلى تكلفة في دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وفقا لما أورده سيتي بانك في روسيا. وتوقع البنك أن ينفق الروس 50 مليار دولار هذا العام، أي ما يزيد بمقدار الخمس عما تم إنفاقه عام 2011 .

ويتوقع أن ينمو الاقتصاد الروسي بنسبة 3.5 – 4 في المائة هذا العام. بيد أن الاتجاه إلى إنفاق النقود يشير كذلك إلى تفضيل الروس تاريخيا أن ينفقوا أموالهم عندما تكون بين أيديهم، لا أن ينتظروا حتى يخسرونها نتيجة لانهيار سوق الأوراق المالية أو انخفاض قيمة العملة، وقد حدث كلاهما عدة مرات خلال العقدين الماضيين.

ويقول أوليج تينكوف، رئيس مجلس إدارة تينكوف كريديت سيستيمز، وهي شركة روسية تعمل في مجال الإقراض ويمتلك جولدمان ساكس جزءا منها: "إن المستهلكين الروس لا يؤمنون بالمستقبل، بل باليوم". ويضيف: "إننا نحب الإنفاق، ونحب شراء السيارات المرسيدس سواء كنا نستطيع تحمل تكلفتها أو لا".

وعملاء شركة تينكوف الذين تنتمي غالبيتهم إلى الطبقة المتوسطة يميلون إلى إنفاق معظم دخلهم. ويقول تينكوف: "من سوء الحظ، أو حسنه، بالنسبة للاقتصاد الروسي، إنني لا أرى أي ميل إلى الادخار في أنشطة عملائنا".

وخلافا لنظرائهم في أوروبا الغربية، فإن نسبة ضئيلة من الروس يلجأون إلى الرهون العقارية، نظرا لارتفاع معدلات الفائدة.

وبالنسبة لأولئك الذين لا يستثمرون في العقارات، هناك إحساس بأن السلع التي يقبل عليها المستهلكون يمكن أن تكون استثمارا آمنا مساويا.

ويقول ألكسندر بروستاكوف (33 عاما) ويعمل مصمم إعلانات: "الذهب غال حقا الآن، وسوق الأوراق المالية تنخفض طوال الوقت". ويضيف: "أظن أن ذلك سببه عدم وضوح السوق، فهي التي تدفع الناس إلى شراء السيارات والأشياء الأخرى، لأنه ما من أحد يعرف في أي أمر آخر يمكنه أن يستثمر".

ويعترف بروستاكوف بأن إنفاقه الخاص ينصب على الخروج مع أصدقائه، إلا أنه يحاول أن يقتصد، مشيرا إلى توقعات بحدوث ارتباك سياسي أو اقتصادي في روسيا هذا الخريف.

ويقول مايكل بيرنر، رئيس وحدة إقراض المستهلكين في بنك سيتي بانك في روسيا، إن الروس إذا رغبوا في الترشيد فإنهم يستطيعون ذلك. وكان حجم بطاقات الائتمان الخاصة بالبنك قد انخفض بشدة بين عشية وضحاها عام 2009.

ويضيف: "لكن يبدو الآن أنهم يفضلون التعامل مع الأزمة فقط عندما تدق أبوابهم".

وتوافق إيفانوفا على قائلة: "عندما تعمل بكد فإنك ترغب في جني ثمار عملك". وتتابع: "هناك وقت كهذا بين الأزمات، فأي وقت آخر ستستمتع فيه كهذا الوقت؟ فإذا ما وقعت الأزمة، سنشد أحزمتنا".