مجدداً يستحوذ ملف الاتصالات على اهتمام مجلس الوزراء ويشعل جو المناقشات ليحوّلها الى سجالات فيما ان القطاع يحتاج الى قرار جدي ليكون بالمستوى المطلوب.

ومن المعلوم ان هذا القطاع هو عنصر أساسي في تسهيل حياة اللبنانيين.ومن  المفترض ان  يتحوّل إلى رافعة أساسية للتطور الاقتصادي والحضاري والثقافي، وعنصر جوهري  من وسائل الانتاج على أنواعه كما لاقتصاد المعرفة، وأحد دعائم الدخل القومي. ولا يمكن ان يغيب عن بالنا انه قد يساهم في توفير فرص العمل،  والحد من معدلات البطالة والهجرة ،وتوفير التنقل وتحسين الإنتاجية والكفاءة.

الا ان الواقع ليس على قدر الآمال . و يمكن ايجازه ب : - ضعف  في الإرسال في معظم المناطق بدون استثناء..

-إنقطاع المكالمات Drop call بنسب متفاوتة في بيروت الادارية كما في بعض المناطق.

- بطء الولوج إلى الشبكة Latency in Call.

- بطء الولوج الى الانترت الثابت .

- كلفة فاتورة عالية مقارنة بنوعية الخدمة المقدمة.

لماذا هذه الصورة القاتمة عن هذا المرفق  في لبنان  اليوم بدءا ًبشبكةالهاتف  الثابت ،الخليوي و ​الانترنت​؟

حاصباني

رئيس "سيدر انستسيوت" للشؤون الاقتصادية والاجتماعية الخبير غسان حاصباني يرى ان قطاع الاتصالات في لبنان يتطور بشكل بطيء جدا ما يجعله في تراجع مستمر مقارنة بالدول التي فيها الدخل القومي للفرد هو شبيه بلبنان. ونجد التطور في نقاط محددة تتعلق بغالبيتها بالقدرة العالية للمواطن اللبناني على استخدام التكنولوجيا مما يزيد في الطلب على الانترنت والخليوي ،رغم رداءة الخدمات التي هي في تفاوت مستمر نسبيا.

فيما يتعلق بخدمة الجوال اي الخليوي ، فهي ليست من الأسوأ ؛ لكن أسعارها التي لا تزال مرتفعة نسبيا لم يواكبها توّسع  في استخدام الهواتف المتنقلة الى أكبر نسبة من عدد السكان، علما ان هذه النسبة في الأسواق الأكثر تطورا وصلت الى أكثر من 150% من عدد السكان.

أما بالنسبة لرداءة الخدمة في بعض الأحيان، فأسبابها متعددة منها ؛ ما هو مرتبط بالضغط  المرتفع على الشبكة بسبب عدد الزائرين في الصيف اوحتى النازحين، اضافة الى أعمال التطوير على الشبكة التي قد تؤدي الى عدم استقرار مؤقت. تضاف الى ذلك طبيعة استثمار الدولة في الشبكة التي على مدى سنوات كانت متقطعة ،ولم تكن كافية لتؤمن تغطية شاملة لكافة أجيال التكنولوجيا بسعات كافية لكل المناطق، مما أحدث فجوات في التغطية الشاملة على الأراضي اللبنانية ذات الطبيعة الصعبة للاتصالات المتنقّلة.

وفي ما يتعلق بخدمة الانترنت الثابتة، فلدى لبنان سعات ضخمة عبر الكابلات البحرية الا انه لا يستخدم الا جزءاً بسيطاً منها،لأن الشبكة الوطنية للألياف البصرية لم يتم تشغيلها بين كافة مراكز الاتصالات ، كما لم يتم ربط جميع محطات الخليوي بألياف بصرية لتحسين خدمة الانترنت المتنقلة، اضافة الى عدم وجود شبكات محلية قادرة على امداد المنازل بسرعات عالية للانترنت. لكن وزارة الاتصالات تقوم اليوم  عبر اوجيرو بتنفيذ خطة ترمي الى تطوير الشبكة المحلية وتمديد الألياف البصرية الى الأحياء بحلول العام 2020علماً ان  هذه الخطة ما زالة ضبابية ولا وضوح في أهدافها او مسار تنفيذها اقله للرأي العام.

لبنان في المرتبة 14عربيا

وعن موقع لبنان على هذا صعيد الاتصالات بين دول المنطقة يشير حاصباني الى ان دول المنطقة تنقسم الى قسمين بما يتعلق بقطاع الاتصالات. القسم الأول هو المتطور، ويضم بغالبيته دول الخليج والقسم الثاني هو المتخلّف في مجال الاتصالات. ويضمّ دولا مثل اليمن وسوريا والعراق وللأسف لبنان، بعدما كان لبنان يحتل المرتبة الأولى. فكلفة الانترنت العالية بالنسبة لمعدل سرعتها المتدني تضع لبنان في المرتبة 14 من اصل 16 دولة عربية، أي مباشرة قبل اليمن وسوريا، والمرتبة 200 عالميا. الا ان  أداء لبنان يتحسّن في مؤشر تطور المعلوماتية والاتصالات منتقلا من المرتبة 77 الى المرتبة 56 بين 2010 و2015. لكن هذا المؤشر الذي يصدره الاتحاد الدولي للاتصالات يقاس  من ضمن عدة مؤشرات ؛قدرة المواطنين والشركات على استخدام التكنولوجيا والزيادة في عدد المشتركين بدون الأخذ بعين الاعتبار السرعة التي يحصل عليها المشترك فعلا.

تحرير القطاع

ويستطرد حاصباني معتبراً ان غالبية المشاكل التي يعاني منها قطاع الاتصالات تعود الى ملكية الدولة الكاملة للقطاع وعدم قدرتها على ادارته كقطاع منتج اوضخ الاستثمار الكافي فيه ، أو حتى وضع تصور شامل له كرافعة أساسية للاقتصاد. فالدولة تنظر الى هذا القطاع كمصدر اساسي لتمويل الخزينة بصورة مباشرة وكأنه ضريبة على المواطن. في حين انه من المفترض ان يكون قطاع الاتصالات رافعة للاقتصاد تستخدمه الدولة كأداة اقتصادية واجتماعية وليس كوسيلة سهلة لجباية الضريبة.

لن تتمكن الدولة من تحرير هذا القطاع الا بتطبيق القانون 431 الذي اقر عام 2002 والذي يرمي الى تحرير قطاع الاتصالات وإدخال القطاع الخاص في ملكيته،وليس فقط في ادارته، مما يخفف العبء الاستثماري على الدولة ويؤمن نموا اقتصاديا، ويحسّن أداء البنى التحتية، ويخفّض الكلفة عندما تتنافس الشركات لخدمة المستهلك،بالاضافة الى المحافظة على مداخيل الخزينة والتخلّص من الهدر والمحسوبيات السياسية التي تعرقل النمو.الا ان ذلك يستوجب قرارا سياسيا ليس مربوطا فقط بوزير الاتصالات، بل بالحكومة مجتمعة وبالتوّجهات السياسية لمكوّناتها.

وعن تقييمه للاستهلاك التكنولوجي في القرن الحادي والعشرين وكيفية تعاطي قطاع الاتصالات معهيرى حاصباني ان الاستهلاك التكنولوجي  اصبح اساسياً في تكوين المجتمع الحديث ،حيت يلعب قطاع الاتصالات دورا هاماً في ربط كافة أنواع التكنولوجيا ببعضها البعض. ويقول :نحن نشهد على بداية ثورة صناعية جديدة ترتكز على التطور في عدة مجالات على المستوى العضوي والبيولوجي للمواد، وفي مجال المكننة والروبوت، تربطها شبكات الاتصالات لتعمل في اطار تفاعلي ذو  انتاجية عالية. ان قطاع الاتصالات في هذه الثورة  شبيه بقطاع  سكك الحديد في الثورة السابقة. فالبلدان التي لم تبني  سكككاً حديدية كافية عرفت التخلّف خلال الثورة الصناعية . وبرزت دول جديدة تمكنّت من السيطرة على الأسواق العالمية.

تكنولوجيا الاتصالات والاقتصاد

ويبقى السؤال ما هو دور تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات  في الاقتصاد اليوم ؟

يشير حاصباني الى ان قطاع الاتصالات يؤثر مباشرة في نمو الاقتصاد وخلق فرص عمل. واستناداً الى  دراسات عالمية لشركة "اريكسون" و"آرثر دي ليتتل"، فان الاقتصاد ينمو بـ 0.3% كلما تمت مضاعفة سرعة الانترنت، وكلما زاد انتشار خدمات النطاق العريض بـ 10% يزيد النمو الاقتصادي بـ 1%. وفق تلك المعادلة، اذاطوّرنا الانترنت لنصبح مثلا ستونيا خلال السنوات الخمس القادمة مثلاً، يزيد ناتجنا المحلي بنحو 5 الى 7 مليارات دولار تراكمية خلال هذه الفترة، أي أكثر من مليار دولارسنوياً. وبحلول عام 2032 تكون هذه النسبة 62 مليار دولار.

اما دور تكنولوجيا المعلوماتية بشكل عام، فقد اصبح مطلبا اساسيا لاقتصاد ناجح. فلا يمكن لاقتصاد ان يقوم في عصر الثورة الصناعية الجديدة بدون اعتماد شبه شامل على تكنولوجيا المعلومات، اذ انها اصبحت اداة اساسية للعمل كما كان دور المحرك البخاري في الثورة الصناعية السابقة.

باختصار، يشهد العالم ثورة رقمية  في هذه المرحلة تفوق بأبعادها الثورة الصناعية التي  شهدها القرن التاسع عشر.

فرغم كل الجهود التي بذلت،  لم تعد التقنيات المتوافرة في لبنان اليوم، مؤهلة لتواكب التطور والحاجات الكبيرة لنقل وتبادل المعلومات وهذا باعتراف المسؤولين ما يستوجب اجراءات من نوع آخر يواكبها اتفاق سياسي وشفافية في التلزيمات.