17 عشر دولة يتخطّى دينها العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي نسبة الـ 90% وبالتالي تتواجد في منطقة الخطر. وإذايحتلّ لبنان المرتبة الثالثة خلف اليونان واليابان، إلا أنه من المُتوقع أن تتنافس ​سوريا​ على المرتبة الثانية لتفوق هذه النسبة الـ 200% في حلول العام 2018.
 
تنصّ النظرية المالية على أن الدين العام يُشكّل رافعة (Leverage) لعائدات الإستثمارات. وفي التفاصيل فإن أي شخص يُريد شراء سيارة يتوجب عليه إقتراض قسم من ثمنها حتى ولو كان يمتلك كلّ ثمنها، وتتعلق قيمة القرض بعدة عوامل منها سعر الفائدة ونسبة إنتقاص القيمة للسلعة (depreciation)، وهذا المبدأ يصلح أيضًا للدول. ويُمكن رؤية الإستيدان من منظار تفائل بالمُستقبل وليس مشكلةبحد ذاته، من هذا المُنطلق إعتمدت الولايات المُتحدة الأميركية منذ بدء القرن الماضي سياسة إقتصادية مبنية على عامودين أساسيين: النفط والإستيدان. وإستطاعت الولايات المُتحدّة الأميركية من تحقيق نمو إقتصادي هائل نتيجة التمويل الكبير الذي إستحصلت عليه من الإستيدان. فدين الولايات المُتحدة الأميركية يبلغ 17 تريليون دولار أميركي إستطاعت من خلاله تمّويل إستثماراتها في القطاعين العام والخاص. وهذا الضخ الهائل في الإقتصاد أوصله إلى حجم هائل مع أكثر من 17 تريليون دولار أميركي أي ما يوازي ثلث الاقتصاد العالمي!
 
في الدول الأخرى مثل اليابان وإيرلندا وإيطاليا وغيرها، إستُخدم الدين العام لمواجهة العجز في الموازانات. ولم يكن وراء سياسات الإستيدان في هذه الدول إلا نظرة قصيرة لتخطّي الصعاب التي تواجه إقتصاداتها. 
 
فعلى سبيل المثال، إزداد الدين العام في اليابان بشكل كبير في تسعينات القرن الماضي على إثر الإنكماش (deflation) الذي أصاب الاقتصاد الياباني. لكن العام 2011 وكارثة فوكوشيما، رفعت الدين العام إلى مُستويات أصبحت معها نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي تفوق الـ 240%! 
 
أما في إيرلندا، فقد ضربت الأزمة المالية التي عصفت بالعالم أواصر الاقتصاد الإيرلندي مما دفع إيرلندا إلى زيادة مديونيتها إلى نسب عالية لمواجهة الإستحقاقات المالية. وكذلك الحال في إيطاليا وفرنسا.
 
الترتيب العالمي الحالي لمديونية الدول (تقرير الـ World Economic Forum) يُظهر أن اليابان تحتلّ المرتبة الأولى مع دين عام إلى الناتج المحلّي الإجمالي يوازي 243.2%، تليها اليونان مع 173.8%، لبنان مع 139.7%، جاميكا مع 138.9%، إيطاليا 132.5% ...
 
تبلغ نسبة الدين العام السوري إلى الناتج المحّلي الإجمالي 31.21% (أرقام العام 2010). وإذا كان من الصعب معرفة الأرقام الرسمية بعد العام 2010 نظراً إلى تردّي الوضع الأمني، إلا أن حساباتنا تُشير إلى هذه النسبة إرتفعت إلى 128.66% في نهاية العام 2015. ويعود هذا التردّي إلى تراجع الناتج المحّلي الإجمالي الذي بلغ بحسب التقديرات 15 مليار دولار أميركي مقارنة بـ 60 مليار دولار أميركي في نهاية العام 2010.
 
 
 
 
 
وعدم ورود سوريا على لائحة الـ World Economic Forum يعود إلى غياب الأرقام الرسمية.
 
لكن سرعة ارتفاع هذه النسبة ستزيد مع الوقت مع إزدياد الدين العام بحدّ ذاته نتيجة شراء الأسلحة التي يقوم بها النظام ونتيجة الإنفاق الذي لا يوجد مدخول في مقابله. وبحسب المُعطيات من المُتوقع أن ترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي السوري إلى ما يفوق الـ 200% في حلول العام 2018.
 
وقد فهمت الدول الغربية والعربية هذه اللعبة لتعمد إلى إطالة الأزمة بهدف كسر النظام السوري مالياً خصوصًا أن الحلفاء – أي روسيا وإيران – لا يمتلكون قدرة مالية لإقراضه. وبالتالي يقوم النظام بوضع رهانات على الثروة النفطية وعلى إعادة إعمار سوريا.
 
وعلى الطريقة العراقية، فإن وضع سوريا تحت دين عام يزيد يومًا بعد يوم إضافة إلى عقوبات مالية وإقتصادية سيؤدّي بدون أدنى شك إلى إضعاف النظام لعقود حتى ولو إستمرّ في الحكم والسبب يعود إلى أن الموارد الطبيعية والمشاريع ستكون عائداتها بالدرجة الأولى لسدّ الدين العام.
 
من هذا المُنطلق نرى أن الطوق الاقتصادي والمالي المفروض على سوريا سيُضعفها وستكون في المُستقبل (أي بعد نهاية الحرب) دولة ضعيفة على الصعيد الاقتصادي والمالي. من هنا نرى حتمية وقف النزف السوري عبر المضي في المفاوضات لإنقاذ ما تبقى من سوريا وإقتصادها.
 
على صعيد أخر قدّر البنك الدولي إعادة إعمار سوريا بـ 200 مليار دولار أميركي. هذه العملية كفيلة وحدها بإعادة لمّ شمل النازحين السوريين من حول العالم وخصوصًا من لبنان. وبالتالي سيستفيد لبنان إقتصاديًا في حال كانت سوريا وفية للبنان وكان لديها هامش تحرك في تلزيم مشاريع إعادة الإعمار. أضف إلى ذلك أن الثروة النفطية والغازية في سوريا والمُقدّرة بحجم الثروة في لبنان، ستُشكّل رافعة لإعادة الإعمار.