بدأت الأصوات ترتفع من قبل الإتحاد العُمّالي العام للمطالبة بزيادة ​الأجور​ مستندة بذلك إلى قيمة مؤشر الإحصاء المركزي. لكن المُلفت بالأمر أن بعض القوى السياسية أخذت هذا المنحى وعلى رأسها وزير العمل الذي طالب برفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 102 مليون ليرة. فهل يُمكن أن يتحقق هذا الأمر في ظل الأوضاع الحالية؟

صرّح الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن عن بدء "معركة الأجور" بهدف رفع الأجور إلى 105 مليون ليرة لبنانية. وهذا الأمر يأتي بعد مُشكلة سلسلة الرتب والرواتب التي لم تُحلّ حتى الساعة.

والمعروف أن سلسلة الرتب والرواتب التي أُقرّت في العام 2012 على عهد حكومة الرئيس ميقاتي، لم يتمّ إقرارها في مجلس النواب حتى الساعة نظراً إلى عدم توفر التمويل الكافي لها. وبالتالي تمّ الفصل بين الحدّ الأدنى للأجور وغلاء المعيشة. هذا الأخير تمّ البدء بدفعه منذ العام الماضي وبالتالي يبقى رفع الحدّ الأدنى للأجور والمُستحقات التي تجري منذ إقرار السلسلة في العام 2012.

وإعلان غصن اليوم يأتي في ظل إنشقاق واضح لهيئة التنسيق النقابية عن الإتحاد العمّالي مما يعني أنه سيكون حتمّاً إضعاف لموقف الإتحاد العمّالي من ناحية المُطالبة خصوصاً إذا لم يتمّ التنسيق مع هيئة التنسيق النقابية.

والغريب في الأمر أن وزير العمل طالب برفع الحد الأدنى للأجور إلى 102 مليون ليرة لبنانية مُستنداً بذلك إلى أرقام الإحصاء المركزي الذي يُستخدم مؤشر كمرجع للحد الأدنى للأجور ولغلاء المعيشة. من جهة أخرى طالب غصن بزيادة الأجور إلى 105 مليون ليرة ليكون الفرق مع الوزير سببه الأساسي إحتساب بدل النقل، التعليم، والتعويضات العائلية.

لا تمويل جدّي...

ويبقى السؤال عن كيفية تمويل هذه الزيادة في حال أقرّت خصوصاً أنه من المعلوم أن وزير المال قام بدّق جرس الإنذار عن أوضاع المالية العامة من جهة والقطاع الخاص يواجه مُشكلة التراجع الاقتصادي مما يدفعه إلى إستبدال العمالة اللبنانية بنظيرتها السورية؟

الجواب بإعتقادنا أنه سيتمّ عبر طريقتين أساسيتين: الأولى رفع الضرائب والرسوم خصوصاً الضريبة على القيمة المضافة، والثانية عبر إصدار سندات خزينة. وفي كِلا الحالتين هناك مُشكلة.

في حال رفع الضرائب وبما أنه معروف أن الضرائب هي بمجملها ضرائب على النشاط الاقتصادي، وبما أن النشاط الاقتصادي مُتردّي، فإن ما سيتمّ حسابه على الورق لن يتحقّق بأي شكل من الأشكال. فالمعروف أن الضرائب لها تأثير على النشاط الإقتصادي من ناحية الإستهلاك إذ تُخفّض هذا الأخير ومن ناحية الإستثمار الذي وبغياب الربحية يقلّ.

من هذا المُنطلق نرى أن إمكانية تمويل هذه الزيادة من الضرائب غير مُمكن ناهيك عن الضرر الذي ستُشكّله الضرائب على النمو الإقتصادي الذي هو في الأصل ضعيف ولا يتجاوز الواحد بالمئة.

أما في حال إصدار سندات الخزينة، فالتدعيات على الخزينة العامّة ستكون كارثية من ناحية أنها سترفع من خدمة الدين العام الذي يستهلك أصلاً من مداخيل الدولة. أضف إلى ذلك أن هذه الزيادة ستطال بشكل أساسي القطاع العام لأن القطاع الخاص عاجز اليوم عن دفع الزيادات في الأجور وهذا سيؤدّي إلى تراجع الفرق بين أجور القطاع العام والقطاع الخاص وما له من تداعيات على طلب الوظائف العامة في دولة تدفع نصف مدخولها أجور.

نظرة إقتصادية...

زيادة الأجور ستكون له تدعيات سلبية على الاقتصاد بعكس ما يدّعيه الكثير من "الخبراء". فالمعروف أن الشق الأساسي من الإستهلاك في لبنان هو مُستورد، وهذا نتج عنه عجز في الميزان التجاري تقلص في العام الماضي نتيجة إنخفاض أسعار النفط إلى حدود الـ مليار دولار أميركي. وبالتالي فإن زيادة الأجور ستدفع بإستهلاك البضائع والسلع المُستوردة إلى الإرتفاع مما يعني زيادة العجز في الميزان التجاري ومع ميزان المدفعوات. هذا الأخير يُستخّدم بشكل أساسي من قبل وكالة التصنيف الإئتماني ستندارد أند بورز في عمليات تقييم التصنيف الإئتماني للدول. وهذا يعني أن لبنان سيتعرض بدون أدنى شكّ إلى تراجع تصنيفه الإئتماني.

أضف إلى ذلك هناك مشكلة العمالة السورية التي لن توفرّ الشركات الفرصة في صرف العمالة اللبنانية لصالحها. وبالتالي سنرى أن البطالة التي تجاوزت منذ فترة عتبة الـ 35%، سترتفع ميكانيكياً وكل هذا في غياب قدرة الدولة على الرقابة على هذه العمالة.

من ناحية أخرى فإن رفع الحدّ الأدنى للأجور سيكسر التوازن القائم بين القطاع الخاص والعام وهذا سيكون له تداعيات على النمو الإقتصادي لأنه من المعروف أن النمو الإقتصادي تُحقّقه الشركات وليس القطاع العام. فرفع الأجور سيجذب اليد العاملة الكفوءة إلى القطاع العام وسيحرم القطاع الخاص من القدرات البشرية الكفيلة برفع إنتاجية القطاع الخاص وبالتالي زيادة النمو الإقتصادي.

الحل...

بإعتقادنا أن الحلّ يكمن في حفظ حقوق العُمّال مع مفعول رجعي وفي المقابل تقوم الدولة بالشراكة مع القطاع الخاص بإحصاء أو عشرة سلع يستوردها اللبناني وتعمد إلى إنتاجها محليّاً. فهذا الأمر سيدفع بالماكينة الإنتاجية إلى العمل أكثر وبالتالي زيادة الأجور والأرباح للشركات. وهنا نرى أن الزيادة سيتمّ تمويلها من الماكينة الإقتصادية وليس من الضرائب أو الإستيدان.

يبقى القول أن اللعب على أعصاب العُمّال من ناحية إعطائهم وعود لا يُمكن تحقيقها، هو ضرر على الإقتصاد لأن الإحباط سيصيب العامل اللبناني وبالتالي سيكون هناك تراجع في القدرة الإنتاجية.