تصاعدت حدة المخاوف من أزمة غذاء تلتهم المخزون العالمي من الحبوب، لتتفاقم معها مشكلات تطفو على السطح مثل نقص المياه، وضعف إمدادات الطاقة والكهرباء، وتذبذب الأسعار، وتراجع مستويات الزراعة والري، ولعل التأثير المناخي هو العامل المسبب للكثير من عوامل التصحر والجفاف، وهو ما يثير الهواجس لدى المعنيين في مجالات الزراعة والغذاء.

كان البيان الصادر من صندوق النقد و​البنك الدولي​ين حول مؤشرات ممكنة لتفجر أزمة غذاء على نطاق أوسع مما حدثت في 2007و2008 يثير القلق، وبدلاً من توجه الجهود نحو إيجاد حلول تنفذ على الأرض بدأت الدول المنتجة والمصدرة للحبوب الأساسية تأخذ خطوات مغايرة لذلك في وقف الصادرات وتقليص حجم النفقات وفرض رسوم جمركية وشراء عشوائي للغذاء.

يشير البنك الدولي إلى أنّ تكلفة الغذاء الإجمالية هي أعلى الآن.. ولكنها لم تصل لمستويات قياسية مثل عاميّ 2007و2008، وأنّ الخطورة لدى البلدان الفقيرة في أنّ قوتها المالية تآكلت بسبب الأزمة المالية وفقدت قدرتها على التعامل مع فواتير واردات الغذاء بشكل مدروس.

فيما حدد صندوق النقد الدولي رؤيته للأزمة بأنه حث الدول على التأهب لزيادة محتملة في فواتير الغذاء خلال الأشهر المقبلة بعد تراجع إنتاج روسيا الدولة الثالثة عالمياً في تصدير الحبوب من القمح من "80" مليون طن العام الماضي إلى "75" مليون طن هذا العام، وتخفيض تقديراتها لمحصول العام، وتعرض مزارع الولايات المتحدة الأمريكية لأسوأ موجة جفاف خلال نصف قرن حيث فقدت سدس محصول الذرة مما يهدد بموجة أزمة.

وإذا عرجنا إلى التأثيرات المناخية المتقلبة من فيضانات وزلازل واحتباس حراري فإنها تعد المسبب الأول لتراجع مستويات الزراعة في الدول المنتجة للحبوب، وقد أثرت على الشرق الأوسط الذي يتعامل بشكل رئيس على استيراد الغذاء ومحاصيل الحبوب، ولعل أبرز المتأثرين بالأزمة القارة الإفريقية التي أنهكتها النزاعات المسلحة والأزمات المتلاحقة من فقر وجفاف وتصحر وتفشي للأمراض وتدهور القطاعين الزراعي والحيواني، الذي يعاني من نقص المياه، وعدم توافر وسائل مطورة لتنقية مياه الشرب وفقدان سياسات إنتاجية واضحة ومدروسة، وانعدام وسائل الري وطرق الزراعة الحديثة.

 أما القارة الأوروبية فهي تعاني من زيادة حدة الانبعاثات الكربونية والغازات الصناعية وتراكمات الديون، والشرق الأوسط ليس بأحسن حالاً فالتوتر على المستوى السياسي فاقم من تلك التداعيات.

في استعراض للوضع القائم بالمنطقة العربية فإنّ دولنا تعد أكبر مستورد للحبوب في العالم وفق بيانات منظمة الأغذية العالمية "الفاو"، فهو يستورد نحو "50%" من الحاجات المستهلكة، وتعد المنطقة أيضاً من أعلى الأقاليم في معدلات الزيادة السكانية التي تضاعفت من "73" مليون نسمة في 1950 إلى مليارات نسمة ويتوقع البنك الدولي أن يتضاعف إلى أكثر من ذلك بحلول 2050.

 كما بلغت الواردات الزراعية "64،8"مليار دولار في 2009، واتسعت هوة الفجوة الغذائية من "13،5"مليار دولار في 2000 إلى "18،1"مليار دولار في 2006، كما ارتفعت أسعار الغذاء في 2007 بنسبة "40%" التي قدرت ب"25،3"مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى "114" مليار دولار في 2020.

 وتقدر منظمة الأغذية العالمية "الفاو" حجم الفجوة الغذائية العربية ب"37" مليار دولار في 2010 ومن المتوقع أن تتضاعف مع النمو السكاني، وعدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، وارتفاع معدلات البطالة وتراجع مستويات الأداء في المؤسسات الاقتصادية والصناعية.

أمام استعراض الوضع المقلق للغذاء فإنّ الجهود الدولية تسير بخطى ليست في مستوى القبول لأنّ ثمار هذه التحركات لم تؤت أكلها، فقد بذلت دول العالم جهوداً لتحسين الإنتاجية وزادت من الاستثمارات الزراعية ومثال ذلك ما قدمه البنك الدولي من استثمارات في الزراعة ارتفعت من "2،5"مليار دولار في 2008 إلى "9،5" مليار دولار وقد يزداد عن ذلك، إلا أنّ توترات الشرق الأوسط ونزاعات القارة الإفريقية وتقلب المناخ في قارة آسيا حصد الأخضر واليابس وأصبحت الجهود تذرها الرياح.

 ومن هذه الجهود فقد أسست الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية مؤخراً صندوقاً دولياً للاستثمار الزراعي برأسمال قدره "600" مليون دولار لصياغة حلول عملية، وتعكف دول أوروبا على إيجاد مخرج لأزمة غذاء تزيد الوضع سوءاً مع الوضع المتردي من ديون، فيما تدرس الولايات المتحدة الأمريكية أوضاع المزارعين الذين تعاني مزارعهم من الجفاف، وقد بدأت فعلياً دول آسيا تعويض النقص في الغذاء المستورد بزيادة مخزونها من الأرز والحبوب.

 هنا أستشهد برؤية تحليلية لدراسة عربية عن الأمن الغذائي للدكتور وحيد مجاهد أورد فيها أن قيمة الفجوة الغذائية خلال عقد التسعينيات لم تعكس زيادة ملحوظة وقدرت بمليار دولار في 1990 وارتفعت إلى "12،0" مليار دولار في 1999 وتدرجت إلى "13،5" مليار دولار في 2000ثم "18،1" مليار دولار في 2006.

وترى أن تفاقم أزمة الغذاء في المنظور المستقبلي تعود لأسباب طارئة كارتفاع أسعار النفط واستخدام الغذاء لإنتاج الوقود الحيوي وتحول استخدامات الأراضي الزراعية إلى استخدامات صناعية واعتماد الدول العربية على الواردات لتوفير احتياجاتها ونسب الاكتفاء الذاتي من الغذاء تميل إلى الانخفاض.

 لذلك أصبح من الضروري اليوم البدء في إعداد دراسات اقتصادية متأنية مبنية على تشخيص ورصد الوضع القائم من تخطيط وتسعير وزراعة وجني للمحاصيل، وعلى الخبراء وواضعي السياسات الزراعية والتنموية في منطقتنا الأخذ بعين الاعتبار تشخيص الوضع الزراعي والغذائي في إطار الأحداث الجارية على الساحة دون إعداد خطط مثالية لا تجد طريقها إلى التفعيل.