توقع معهد التمويل الدولي في تقريره الأخير أن تبلغ صافي تدفقات رؤوس الأموال الخاصة لغير المقيمين الوافدة إلى لبنان 5 مليارات دولار في 2016، وذلك بتراجع بنسبة 11.6% بالمقارنة مع العام 2015.ويأتي هذا التراجع نتيجة إنخفاض صافي التدفقات من المصارف التجارية والدائنين الآخرين من القطاع الخاص، إضافة إلى انخفاض تدفقات الإستثمار بالأسهم.

ولمزيد من التفاصيل حول المستجدات الإقتصادية اللبنانية كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع كبير الاقتصاديين، رئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة على صفحة النشرة الاقتصادية، د. ​مروان بركات​:

- كيف تقيّمون أداء النشاط الإقتصادي في لبنان هذا العام؟

إن الاقتصاد اللبناني، الذي استهل العام الحالي بتحسن صافٍ في مؤشرات القطاع الحقيقي، قد فقد قسطاً من وتيرة نموه في الفصل الثاني من العام والذي شهد بعض التهديدات والإنحرافات الأمنية على الساحة المحلية. ووفقاً لمسح أجرته وكالة بلومبرغ في نهاية حزيران، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد اللبناني بنسبة 1.7 في العام 2016، وذلك بخفض توقعاتها السابقة للنمو من نسبة 2.2 . والمسحُ أجري في نهاية شهر آذار 2016 إنما أعلى من النسبة المسجلة في العام الماضي والبالغة 1%. هذا وتستمر حالة الترقب والتريث السائدة في أوساط المستثمرين حيث أجّلت القرارات الإستثمارية الكبرى، كان هناك بعض العوامل المخففة جزئياً مثل النمو الإيجابي للإستهلاك الخاص من قبل اللبنانيين المقيمين واللاجئين السوريين. فنمو إيرادات الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 7% وارتفاع الواردات بنسبة 11% على أساس سنوي يصبّان في هذا الإتجاه. في خضم ذلك، فإن نمو متوسط المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان بنسبة 5.7% في الأشهر الخمسة الأولى من العام، يؤكد على بعض التحسن في النشاط انطلاقاً من القاعدة المتدنية في العام الماضي.

- ماذا عن وضع المالية العامة في ظل الضغوط المستجدة في الفترة الأخيرة؟

في سياق وهن النشاط الاقتصادي بالتّزامن مع تراجع نسبة تعبئة الموارد من 22 إلى 18 خلال السنوات الخمس الماضية، إتخذت الإيرادات العامة منحىً تنازلياً، بينما كان الإنفاق العام آخذاً في التزايد، ما أدى إلى ارتفاع في نسبة العجز المالي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 7.6 في العام 2010 إلى أكثر من 10 هذا العام، علماً أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تزال تناهز عتبة الـ140، وهي ثالث أعلى نسبة استدانة حول العالم. هذا ويصح القول إن هناك اعتبارات جوهرية تساعد على ديمومة نسب المديونية المرتفعة مثل الحيازة المحلية التي تمثل ما نسبته 87 من إجمالي الدين العام والقدرة على الخروج من دائرة الاختلالات المالية في بلد نسبة تعبئة الموارد فيه تعدّ منخفضة، ناهيك عن إمكانية ترشيد الإنفاق والإمكانات المهمة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، إلا أن التعقل الاقتصادي الأساسي يتطلب إصلاحاً مالياً بنيوياً لضمان سيناريو الهبوط الآمن الضروري للاقتصاد اللبناني.

- ما مدى تأثير انخفاض أسعار النفط العالمية على حركة الأموال الوافدة إلى لبنان وعلى القطاع المصرفي اللبناني؟

لا شك أن انخفاض أسعار النفط العالمية قد أرخى بثقله على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي التي تربطها بلبنان علاقات إقتصادية وثيقة نوعاً ما، لاسيما وأن ما نسبته 55% من التحويلات المالية للبنانيين العاملين في الخارج تتأتّى من دول الخليج. وعليه، فقد تراجعت تدفقات الأموال الوافدة إلى لبنان بنسبة 25% في العام 2015 وبنسبة 6% في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2016، ما انعكس نسبياً على نمو الودائع المصرفية في لبنان. في الواقع، لقد تراجع نمو الودائع المصرفية في دول الخليج من نسبة 11.5% في العام 2013 إلى 9.8% في العام 2014 و3% في العام 2015 وإلى 1.7% في أيار العام 2016 على أساس سنوي. بموازاة ذلك، تراجع نمو الودائع المصرفية في لبنان من 9% في العام 2013 إلى 6% في العام 2014 و5% في العام 2015 وإلى 4% في أيار 2016 على أساس سنوي. إلا أننا نعتقد أن نمو الودائع في لبنان لا يزال كافياً لتمويل الحاجات الإقتراضية للإقتصاد الوطني بشقيه العام والخاص. في المقابل، لا تزال مؤشرات المكانة المالية متينة في الإجمال، فالسيولة متوفرة بحيث تتجاوز نسبة السيولة الأولية إلى الودائع بالعملات الأجنبية عتبة الـ45%. أما الرسملة فهي ملائمة مع نسبة ملائمة وفق بازل 3 تفوق 14%. هذا ولا تزال نوعية الموجودات متينة مع نسبة تسليفات مشكوك بتحصيلها بحدود 3% من إجمالي التسليفات. كما أنه على الرغم من الضغوط الأخيرة على صعيد الربحية، لا تزال نسب المردودية مؤاتية مع مردود على متوسط الموجودات بنسبة 1% ، ومردود على متوسط الأموال الخاصة بنسبة 10%. في ظل هذا المناخ، نعتقد أن التحديات الإقتصادية الرّاهنة تتمحور حول تأجيل في المسار التصاعدي المرجو للقطاع المصرفي أكثر منه ضغوط إنكماشية متوقعة على القطاع في ظل تأكيد وتعزيز مناعة القطاع في مواجهة هذه التحديات.

- وماذا عن الوضع النقدي في البلاد وهل من مخاوف على استقرار سعر صرف الليرة؟

لا مخاوف على استقرار سعر الصرف في المدى المنظور، يجدر التذكير أن لبنان قد حافظ بشكل ملحوظ على استقرار اسمي في سعر صرف نقده الوطني مقابل الدولار دون أي انحرافات تذكر خلال العقدين المنصرمين، وذلك على الرغم من بعض الضغوط النقدية العابرة في أوقات هشة نسبياً. وقد دعمت ديمومة سعر الصرف الديناميكيات الماكرو إقتصادية والنقدية، ليتماشى سعر الصرف الليرة اللبنانية مع الأساسيات الماكرو إقتصادية للبلاد. وربما قد تمثّل الدعم البنيوي لتلك الديمومة بمتوسط النمو السنوي للكتلة النقدية م3 (بمفهومها الواسع) منذ العام 1993 (5.1 مليار دولار) الذي يتجاوز المتوسط السنوي لخلق النقد المحلي (4.2 مليار دولار) في كل من مكونَيْه الإثنين، أي نمو الذمم المصرفية الصافية على القطاع الخاص والقطاع العام. هذا ومع تغطية الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان بما في ذلك الذهب مجمل الكتلة النقدية بالليرة اللبناني حالياً، من المرجح أن تستمر ديمومة سعر الصرف على الأقل في المدى القريب. وحتى إذا ما استثنينا الذهب، فإن الموجودات الخارجية تمثل حالياً 70 من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، أي أكثر من ضعف متوسط التغطية المسجلة في الأسواق ذات التصنيف السيادي المماثل، ما يشير إلى قدرة مصرف لبنان المطردة في الحفاظ على استقرار سعر الصرف.