في زمن الالتفاف حول اهمية التقشف وعصر النفقات تلافياً من حصول الافلاس المحظور، يطلّ وزير الصحة العامة وائل ابوفاعور مبشّرا بشمول التغطية الصحية  الكاملة لمرض الوزارة من هم فوق سن ال 64 بدءاً من شهر ايلول المقبل. وهذه الشريحة المستفيدة والمشمولة بالمشروع تقدر وفق دراسة اعدها المدير العام لوزارة الصحة وليد عمار  بعدد 128 الفا بينها عدد المرضى 30 الفا  898اي نسبة 24 %، فيما ان عدد طلبات الدخول للاستشفاء هو54الفا و729اي نسبة 43% .

اما الكلفة فهي بحدود 17 مليار ليرة سنويا اضافية على موازنة الوزارة التي تتضمن  348مليارا  و707مليون ليرة للاستشفاء  اي نسبة 55% من موازنة الوزارة بينها 107مليارات و485مليون ليرة للتغطية الشاملة اي مانسبته 17% .

الجدير ذكره ، ان هذا المشروع هو لتغطية الخدمات داخل المستشفى فقط ولن يشمل الفحوصات والاشعة والتحاليل المخبرية ... التي تنفّذ خارج الاقامة في المستشفى.

هل تشّكل هذه الخطوة انجازا ً حقيقياً؟

حبيقة

الخبير الاقتصادي د.لويس حبيقة وضع هذه الخطوة في خانة الدعاية اكثر من اهميتها الحقيقية. وقال" للاقتصاد" من واجب الدولة ان تعطي هذه الخدمة للمسنين ولا احد يمنّن بانه انجاز كبير. فبامكان الدولة ان تجد عدة وسائل لتأمين التمويل المطلوب اذا ارادت فعلياً ذلك وليس فقط من باب التوفير.

ويبقى الاهم من ذلك:

- هل المستشفيات ستطبق هذا القرار وهي تشكو من تراكم مستحقات لها بذمة الوزارة ، فضلا عن التجربة العاطلة لها في هذا المجال تجاه تقصير الصحة عن الايفاء بالتزاماتها؟

- هل الدولة ستكبّر  فاتورة حجم الانفاق ؟

ويعتبر حبيقة ان لبنان من البلدان المتخلفة جدا في موضوع المستوى الصحي والاخلاق المفروضة في هذا القطاع ،سيما وان معظم البلدان تولي هذا القطاع الاهمية اللازمة.

الشكوك

بغض النظر عن الارقام المتداولة ، وقع الخبر الذي تم التسويق له من قبل في عدة مناسبات كان مريحاً ، الا ان موعد ايلول يستدعي القول لا تقول " فول تيصير بالمكيول"  ، خصوصا وان وتيرة الشك بالالتزام بالتنفيذ تنسحب على عدة جهات ومن بينها  وزير المال علي حسن خليل الذي رأى في  الخطوة جرأة تحمل الكثير من المخاطر والمصاعب وتحتاج إلى سلسلة من الإجراءات البنيوية في مقاربة مثل هذا الملف الخطير الذي عجزت عنه دول متقدمة كثيرة. ولفت الى ان البداية من الحاجة إلى قاعدة من الرعاية الصحية الأولية التي تحدد الحالات الواجب تحويلها إلى المستشفيات وإلا فسيترتب الكثير من الحاجات التي لن تستطيع دولة كدولتنا في واقعها الراهن تأمينها".

واكد الحاجة إلى منظومة متكاملة تبدأ من الرعاية الصحية الأولية لتصل إلى مرحلة الدخول إلى المستشفى للمسنين.

وعلّق على ما جاء في عرض المدير العام لوزارة الصحة حول أن "2،7% من الفاتورة الصحية تكفي لتغطية مشروع التغطية الإستشفائية الشاملة للمسنين"، متمنيا أن "يكون هذا الرقم صحيحا لأنه عندما تصبح الفاتورة مجانية يكثر الإقدام على استخدام الخدمات الصحية حتى لو لم تكن ثمة حاجة ماسة إليها، ما سيؤدي إلى رفع الفاتورة الصحية".

والى وزير المال نقيب المستشفيات سليمان هارون الذي وصف "الخطوة بالجريئة منبّها من المبالغة في استعمالها، اذ ان الاولوية في الافادة من تقديمات وزارة الصحة يجب ان تكون للناس الاكثر حاجة ماديا. وبالتالي، على الميسورين ان يشتروا بوالص تأمين من الشركات الخاصة ويتركوا لذوي الدخل المنخفض فرصة الاستفادة من التقديمات المتاحة. فالامكانات محدودة ولا مجال للتبذير والترف.

كما ان الدخول الى المستشفى لاي مريض يجب ان يكون مبرّرا من الناحية الطبية، وليس لاجراء الفحوصات التي يمكن اجراؤها بصفة خارجية او لاسباب خاصة بالاوضاع العائلية والشخصية كما يحدث احيانا كثيرة."

واذ تمّ الالتقاء بين وزير المال ونقيب المستشفيات حول التخوّف من عدم ضبط الافادة من هذه التغطية باعتبار انه سيكون هناك نزوحاً للمرضى من جهات ضامنة اخرى سيما شركات الـتامين ، حيث البوالص الباهظة الاسعار، ينبّه وزير الصحة على ان هذا المشروع المغامرة هو الزامي وعلى المستشفيات الالتزام به على خلفية " اعذر من انذر". وفي المقاربة بين من اين التمويل وحق الناس في الطبابة والاستشفاء المجاني يجزم الوزير ابوفاعور بان للمواطن الاولية. وفنّد آلية ضبط المشروع ومنع استغلاله وفق التالي:

- اولاً :آلية قبول admission criteria سيبدأ تطبيقها في المستشفيات ومن واجب العاملين في هذه الآلية التمييز بين الحالات التي يجب أن تدخل إلى المستشفيات والحالات التي لا تحتاج إلى ذلك .

- ثانيا آلية لضبط النزوح من الضمان الإجتماعي إلى وزارة الصحة.

-  ثالثا : يتم العمل على آلية لضبط النزوح من شركات التأمين الخاصة إلى وزارة الصحة".

التمويل

ولمشكلة التمويل ابواب عدة سيتم الاعتماد عليها بعد الهمس باولوية ترشيد الانفاق وهي تشمل:

- تطوير شبكة الرعاية الصحية الأولية وتعزيز البرامج الوقائية

- تطوير قاعدة المعلومات الموحدة للمستفيدين من الجهات الضامنة

- الاعتماد على نتيجة قرارات متتالية لتخفيض اسعار الأدوية

- اعادة توزيع المستشفيات وفقاً لفئات تعرفة تأخذ بالإعتبار جودة الخدمات (accreditation) ورضى المريض (Patient Satisfaction) وجديّة الحالات (Case-mix)

- الإستعانة بمؤسسات خاصة TPA للمراقبة والتدقيق وتطبيق نظام معايير الدخول إلى المستشفى Admission criteria.

يضاف الى هذه السلسلة من التدابير خفض الفاتورة الدوائية عبر اعتماد آليات جديدة للتسعير.

الا ان هذه الرزمة قد لاتكون كافية . واذا كان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ينقذ نفقات فرع المرض والامومة والتعويضات العائلية بمد اليد الى فرع نهاية الخدمة فمن اي جهة سيطالب وزير الصحة لانقاذ المشروع الذي يشبهه البعض بمشروع الضمان الاختياري في الضمان والذي يعاني التعثّر الشديد.

ومن المعلوم ان القسم المخصص منها للاستشفاء في الموازنة الحالية لوزارة الصحة لايكفي مبالغ التغطيات الصحية التي تؤمنها، اذ ان الطلب يفوق السقوف المالية المحددة لكل مستشفى ، مما يستدعي لجوء قسم من المستشفيات الى بعض التجاوزات بناء لإيعاز من الوزير الذي اعلن مباركته للخطوة اذا اقتضى الامر. ولكن في مقابل هذا التمادي تراكم لمستحقات يعود قسم منها الى العام 2000 وتعرفات وضعت منذ 18 عاما تصرّ نقابة المستشفيات على تعديلها ، وهي تحظى اليوم بمباركة الوزير ابو فاعور الذي يبدي الاستعداد للمضي باي تدبير يضمن النجاح لمشروعه.

ورغم كل ذلك يصمد السؤال من اي مصدر سيؤمن التمويل اللازم وعجز المالية العامة للدولة ينذر بافلاس فكيف يتم توسيع ابواب النفقات؟

نقيب المستشفيات سليمان هارون يقول ان كلفة الاستشفاء السنوية  في لبنان لا تتعدى مليار وسبعماية مليون دولار اميركي أي نسبة 400 دولار لكل مواطن بينما هي في فرنسا مثلا 80 مليار يورو أي بنسبة 1350 دولار لكل مواطن.

وحاليا، الدولة تؤمن حوالي 55% من الانفاق على الاستشفاء في لبنان أي حوالي 1400 مليار ليرة لبنانية سنويا من خلال مجمل الصناديق الضامنة الرسمية، اما نسبة ال45% والباقي يؤمنه المواطنون اما مباشرة من جيبهم الخاص او بشراء بوالص تأمين لدى شركات التأمين الخاصة.

وهذه النسبة  من المساهمة للمواطن  تعد مرتفعة وتشكل  عبءاً ثقيلاً . وبرأي هارون  لايجب  ان تتعدى هذه النسبة 20% . ومن اجل  ذلك يجب ان تؤمن الدولة 425 مليون دولار اضافي وهو امر يبدو مستحيلا في الوقت الحاضر.

هذا المشروع خطوة في دولة تعيش كل انواع الفراغ حتى منه في جيوب الفقراء الذين هم بحاجة الى الرعاية الكاملة من الدولة ،سواء على الصعيد الصحي او الاجتماعي. وهم بحاجة الى ضمان شيخوخة والى خدمات حياتية مؤمّنة بشكل سليم وبدون تكلفة مرتفعة.

هذه الخطوة ستسلك طريقها في ايلول فاما تكون سهلة، واما تساهم في تفاقم العجز وتبقى في دائرة  الوعد الذي عادة يكون بسقوط الرهان مبلول.