كان لافتاً في سياق تحديد مكامن العجز المالي في لبنان تركيز المراقبين على  ان تراجع إيرادات الدولة مرتبط بالوضع الإقتصادي اي الضرائب  المواكبة للنشاط الاقتصادي بالدرجة الأولى، ونتيجة دخول إتفاقية التبادل التجاري مع أوروبا حيز التنفيذ في آذار 2015 ، بعدما حرمت خزينة الدولة من قسم كبير من  الرسوم الجمركية بفعل تراجعها في السنوات الثلاث الاخيرة الى 300 و400 مليار ليرة.

والبعض  يضع مفاعيل هذه الاتفاقية في خانة  الانحياز الفاضح لصالح التجار على حساب الصناعة اللبنانية  التي لا تنافس تلك الأوروبية، بسبب ارتفاع أكلاف الاعباء التشغيليةوذلك رغم البرامج العديدة الممولة من الاتحاد الأوروبي .

ومن المعلوم ان الحل لحماية الانتاج المحلي يكمن بفرض رسوم حمائية نوعية، أسوة بما تقوم به سائر الدول. واللافت  ان بعض المنتجات المستوردة تباع في لبنان بسعر أدنى من سعرها في بلد المنشأ وهو ما كشفه اخيراً وزير الصناعة حسين الحاج حسن .

ما هو الضرر الذي الحقته اتفاقية التبادل التجاري مع ​اوروبا​ بالصناعة اللبنانية ؟ وما هي الجدوى من هذه الاتفاقية التي وقعت عام 2002 لتطبق على مراحل قبل دخولها حيز التنفيذ الفعلي في آذار 2015 ، سيما وان العوائق امام ال​صادرات​ اللبنانية الى سوق ال 300مليون مستهلك لم يتم الغائها او على الاقل لم تكن على مستوى الطموح الصناعي اللبناني؟

فادي الجميل

يعتبر رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين الدكتور  فادي الجميل ان اتفاقية التبادل التجاري مع اوروبا لم تطبق كما كان متفقاً عليه ، سيما في ما خص الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة  التي كان من المفترض ان تخضع للتخفيض التدريجي على مدى السنوات الاخيرة وصولاً الى دخول الاتفاقية  حيز التنفيذ في العام 2015.

ويقول "للاقتصاد " عملياً ، لبنان دخل في هذه الاتفاقات بهدف الانفتاح على اسواق جديدة تمثلّ قوة شرائية كبيرة تساعد الصادرات اللبنانية في الوصول الى بلدان واسعة.

وفي غضون ذلك، وعدت الصناعة اللبنانية بسلة اجراءات لتقوية قدرتها التنافسية . الا انه للاسف لم ينفذ من هذه الاجراءات سوى القليل مثلتخفيض ضريبة الدخل على نسبة الارباح المتأتية من الصادرات الصناعية بنسبة 50%.

  اي بمعنى آخر، لم يتم ما يسهّل تحقيق تكافؤ الفرص، وانما زادت اعباء الاكلاف الاضافية في لبنان مقارنة عما هي عليه في البلدان المحيطة ،حيث  يعتمد على الطاقة المدعومة،  وايضا في اوروبا التي تعتمد على الغاز في الانتاج الصناعي .

ويقول: عندما وقعنا اتفاقية التبادل التجاري مع اوروبا لم نعمل كغيرنا من الدول الى اتخاذ التدابير المواكبة على مدى العشر السنوات. فمثلا:

1- لم تتم طيلة الفترة السابقة مراقبة كلفة الرسوم الجمركية وتقييمها اذا كانت متدنية ام مرتفعة. مما اوجد الخلل الفعلي .

لقد سمحت منظمة التجارة العالمية في اعادة النظر في التعرفة الجمركية. وقد سمعنا من المسؤولين انها في لبنان الادنى عالمياً.

2- لم يتم العمل على تحقيق التكافؤ في فرص العمل ودعم سائر القطاعات مثلما ما يحصل في كل من المانيا وفرنسا وتركيا، وذلك على مستوى المناطق.

ويلفت الى انه حتى في انكلترا حيث الاقتصاد الحر يتم دعم الطاقة المكثفة ب 70 ملياردولار استرليني. فدعم القطاعات الانتاجية هوخيار لا بد منه.

وكانت النتيجة، انه على مدى السنوات  الماضية ، زادت صادرات اوروبا الى لبنان  بنسبة104% مقابل زيادة صادرات لبنان اليها بنسبة 31%. ونحن اليوم نتمنى ان تصل قيمة صادراتنا الى اوروبا لتصل الى مليار دولار سنويا، علما اننا نصدر اليوم ب 60 مليون دولار. ومن اجل هذا الهدف نسعى مع المسؤولين الى رفع حجم التصدير الى ال 300مليون دولار ، خلال فترة معينة بدون التسبب باي ضرر لاي بلد او قطاع.

ويشار هنا الى  ان قيمة مستوردات  كل من فرنسا وايطاليا الى الخارج تبلغ 540 مليار دولار.وهذه البلدان  تضبط عملية استيراد بعض السلع من بعض الدول مقابل السماح باستقبال سلع اخرى. ومثلا في قطاع الالبان والاجبان فانها تحرص على حماية قطاعها بقانون سلامة الغذاء. وهي تسمح بالاستيراد من لبنان وفقا لانواع واصناف مختلفة.

نحن لانطالب بتغيير الانظمة، ولكن ببعض التسهيلات لإدخال بعض اصناف الاجبان وبعض المواد الغذائية.

كما نطالب اليوم بسلة اجراءات تساهم في تطوير صناعتنا وتمكننا من تصدير منتجاتنا الجديدة والملائمة للذوق العالمي ولمتطلبات الحداثة، إلى الخارج، ونحن نعوّل على برامج التعاون المشتركة لزيادة قدراتنا الانتاجية والتنافسية والتصديرية. وقد عملنا من خلال "السيم "1 و"السيم 2" على تطوير الصناعة .كما اننا نتطلع الى "السيم 3 "ما يسمح بكسر حواجز الدخول الى اوروبا الى جانب الاعداد للبرامج الهادفة.

ونحن نجدد مطالبتنا بتخفيض الاكلاف الاضافية اسوة بما هو مطبق في البلدان المحيطة. ولاشك ان وزير الصناعة يعمل جاهداً من اجل تحقيق هذا الأمر ،ولكن هناك دائما معوقات للوصول الى التنظيم المنشود .

لدينا طاقات مالية هائلة في المصارف تفوق الـ 180 مليار دولار جاهزة للتوظيف، ولدينا علاقات دولية يعززها الانتشار اللبناني في الخارج، ولدينا ايضاً ثروات وموارد طبيعية يساعد استخراجها على تطوير القطاع الصناعي وعلى تحقيق النمو الاقتصادي، كل هذه العناصر مفيدة جداً.لذلك لا بد من استخدام طاقاتنا بالطريقة الامثل. ونحن في جمعية الصناعيين نركز على العمل معاً لجمع كل الطاقات التي نعتبر تنوعها قيمة مضافة واعدة تعيد للبنان دوره. فاذا اعتمدنا عليها نستطيع تحقيق النمو. فعندما تعمل الصناعة يسير كل باقي القطاعات الاخرى لانها الحلقة القوية في الاقتصاد الوطني.

اجراءات لم تتخذ

اذا  كي لا تبقى هذه الاتفاقية قميص عثمان نحملّها وزر تراجع ايرادادت الدولة من  الضروري الاشارة الى انه  بموجبها  كان يُفترض بلبنان أن يتخذ خلال فترة التخفيض التدريجي للرسوم الجمركية (2002-2015) إجراءات من شأنها تحصين الإنتاج المحلي قبل تشريع الأبواب بالكامل أمام المنافسة غير المتكافئة من الإنتاج الأوروبي. ومن اهم الإجراءات خفض أكلاف الإنتاج المحلي بنحو 30%، وهي اكلاف مرتبطة بالطاقة والنقل، حيث كان يُفترض خفض سعر الكهرباء بالتحول إلى استعمال الغاز لإنتاجها، وبناء شبكة نقل بري كفؤة تتضمن إنشاء سكة حديد من بيروت إلى البقاع مثلاً، فضلاً عن إعفاء مدخلات الإنتاج (آلات، أسمدة، مواد أولية) من الرسوم. وهذ ه الرزمة من الاجراءات  تضمن  التنافسية .

كما انه لا يجب الهروب من الواقع لان لبنان  لا ينافس اوروبا في في غالبية صناعاتها؛ وتبقى  المشكلة في خسارة الدولة لجزء مهم من الإيرادات .

وينطلق الحلّ  عبر تكبير حجم الاقتصاد. اذا لا يمكن ان ينهض لبنان وحجم الناتج المحلي فيه 50 مليار دولار، مع فاتورة استيراد تبلغ 21 مليار دولار وصادرات لا تتعدى الـ 4 مليارات دولار. وللاسف لا احد يتأمل بولادة مؤسسات جديدة في ظلّ هذا الستاتيكو من الاوضاع .لاجل ذلك، ووفق وزير الصناعة لبنان يحتاج الى اقرار لسلسلة اجراءات تبدأ في تطوير قوانين الاستثمار وتعديلها، وتصحيح السياسات الضريبية، الاستفادة من المشاعات والاملاك العامة في اقامة مشاريع انتاجية  تدرّ للخزينة اموالاً بدل الايجارات وكما تؤمن للمستثمرين ورجال الاعمال اراض صناعية باسعار متدنية.علما ان العمل جار على دراسة مشروع دعم الفوائد على الرأسمال التشغيلي للصادرات، مشروع قانون دمج المصانع، وتعديل قانون ضريبة القيمة المضافة لجهة الاسترداد على المعدات الصناعية.

اخيراً ،فان هذه الاتفاقات ضرورية للبنان في اطار انفتاحه عالى العالم فيما ان  مواجهة العولمة تتطلب المزيد من التركيز على وضع وتنفيذ خطط عملية لكل قطاع بحد ذاته لزيادة تنافسيته وانتاجيته والحفاظ على الاسواق التقليدية ، الى جانب الدخول الى اسواق جديدة خصوصاً وان بعض القطاعات تبوّأ مراكز عليا وتمكن من الدخول الى الاسواق الاكثر تطلباً كما يردد الجميل. من هنا يجب أن يبقى القطاع الصناعي اللبناني حاضراً في مواكبة هذه التطورات لنبقى على مسار الحداثة والتطور.