شباب في منتصف العمر يرتدون سترات ذات لون أصفر فاتح، ورجل في منتصف العمر داخل عربة ''للسيدات فقط'' في مترو الأنفاق في القاهرة، يفتح أحد الشباب أصحاب السترات الصفراء باب العربة، فيما يقول آخر محذرا ''يجب عليك النزول''، ثم يمسك بيد الرجل ويقوده إلى الخارج.

وعلى الرصيف تنفجر مشادة كلامية بين الرجل وأعضاء دورية المتطوعين الجديدة التي تستهدف تضييق الخناق على وباء التحرش الجنسي بالنساء، المنتشر في الأماكن العامة في البلاد.

يصيح الرجل: ''أنا مع عائلتي!''، ويواصل: ''الآن كيف أجدهم''؟

ويحاول عبد الفتاح محمد، قائد الفريق، تهدئة الرجل ويشرح له الوضع قائلاً: ''يجب أن تعي أن الرجال غير مسموح لهم بركوب العربات المخصصة للسيدات''، مبتعدا به عن المتطوعين الآخرين.

وهولاء ​المتطوعون​ نوع من شرطة الآداب الليبرالية العلمانية، وقد تجمعت الدورية عبر مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة لزيادة واضحة في مضايقة النساء في الأماكن العامة في جميع أنحاء البلاد، ما يقوض من مشاركتهن في الحياة المدنية. ومعظم حوادث التحرش تتم من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة الثانية بعد الظهر، حين تذهب النساء إلى العمل أو المدارس، حسبما توصلت إليه دراسة عام 2010 بتمويل من الاتحاد الأوروبي وصندوق الأمم المتحدة للسكان.

وتتماشى هذه الدورية مع روح الثورة التي اندلعت في العام الماضي، حيث يخشى البعض أن الانفلات الأمني قد ساهم في زيادة ملحوظة لما هو مرتفع بالفعل من حالات التحرش الجنسي.

وعلى مدار عطلة عيد الفطر، اجتمع نحو 20 متطوعاً للمرة الأولى في محطات مترو الأنفاق في محاولة لتوفير فرجة ولو قليلة للسيدات للتسوق والسفر في أيام العطلة.

ومن دون أي موارد كافية لوقف آلام السيدات التي تحدث بين الحين والآخر، ركز المتطوعون على أكثر الانتهاكات فظاعة: اجتياح الرجال لعربات مترو الأنفاق المخصصة لإيواء وحماية النساء من التحرش والنظرات الشهوانية والكلمات النابية الصادرة عن الرجال.

وقالت نهال سعد زغلول، الناشطة في مجموعة بسمة، وهي مجموعة مجتمع مدني انبثقت من الثورة، وهي صاحبة مبادرة الدورية المناهضة للتحرش: ''المشكلة هي أن 50 في المائة من السكان تنتابهم حالة من الذعر من النصف الآخر من السكان، ولذلك لا يمكن للسيدات الذهاب إلى العمل''. وأضافت: ''يعرف الرجال أنهم لا يعاقبون فيفعلون ذلك''.

ومن بين أكثر من ألف امرأة شملتهن دراسة مسحية بعنوان ''غيوم في سماء مصر''، أجريت عام 2010، قالت 83 في المائة إنهن تعرضن لتحرش، فيما قالت 46.1 في المائة إنهن يتعرضن للتحرش بشكل يومي.

ونحو ثلثي الرجال أقروا بأنهم تحرشوا بالنساء، وألقت الأغلبية العظمي من الرجال الذين شملتهم الدراسة باللوم على السيدات لارتدائهن ملابس مثيرة. لكن الدراسة أظهرت أن الأغلبية الساحقة من الضحايا يرتدين مثلما ترتديه وفاء عبد الفتاح (23 عاما) التي تعمل في مركز لخدمة العملاء، وترتدي فستانا مناسبا وحجابا وردي اللون يغطي كل رأسها ما عدا وجهها.

وقالت بعد خروجها من النفق: ''لقد تعرضت للتحرش مراراً وتكراراً بل الأمر أصبح روتينيا''. وأضافت: ''يأتي الشباب إلى عربات النساء ويحملقون بنظراتهم الشهوانية، أو يتفوهون بكلمات نابية. وذات يوم صفع رجل امرأة على وجهها''.

وفي العام الماضي أصدر المجلس العسكري الذي تولى زمام البلاد بعد إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك، قانوناً يحرم التحرش الجنسي بالنساء.

ويخضع الرجال الذين يستقلون عربات النساء لغرامة بسيطة، لكن نادراً ما يتم تطبيق القانون. وتوصلت الدراسة إلى أن 2.4 في المائة فقط من النساء يبلغن السلطات بتعرضهن لتحرش.

وتراوح أعمار المتحرشين بين 19 و24 عاما حسبما أظهر المسح، لكن العديد أصغر من ذلك، وبعضهم لم يبلغ حتي طور المراهقة. وقال محمد الخطيب، الناشط في خريطة التحرش، وهو مشروع لتوثيق عمليات التحرش في البلاد عبر الإنترنت: إن النظرات الشهوانية ومعاكسة النساء أصبحتا أمرا شائعا. وأضاف: ''إنه عرض لإظهار الرجولة، لإثبات رجولتهم''.

ودورية مناهضة التحرش في العطلة كانت تجربة استقطبت نحو 20 متطوعا معظمهم من الرجال، وأيضا عددا قليلا من النساء. وينسق هؤلاء الحراس أنشطتهم مع مديري محطات المترو الذين رحبوا فيما يبدو بالمساعدة الإضافية في تطبيق قواعد إدارة المترو.

''هناك سوء فهم، وهو أنهم يظنون أننا نعمل بشكل رسمي هنا، نحن نريد سوء الفهم هذا حتى يظهروا لنا مزيد من الاحترام''، حسبما قال محمود، الخبير في فنون الدفاع عن النفس، الذي كان يتحدث إلى المتطوعين، والذي قال: إنه يخطط لتقديم فصول في الدفاع عن النفس للنساء.

ويتعلم المتطوعون بالتجربة والخطأ، ففي إحدى الحالات أمسك متطوع ولدا ووضعه على كتفه وأخرجه، فقرر قائد الفريق أن يطلب في المرحلة المقبلة ممن يوجدون في عربات النساء مع أسرهم النزول وركوب عربة أخرى في المحطة التالية.

ومعظم الجناة ينكرون التحرش بالنساء، أو يتظاهرون بأنهم يجهلون حقيقة أن التفوه بكلمات نابية أو مضايقة النساء أمر خاطئ أو غير قانوني.

ويقول الخطيب إن الناشطين يسعون إلى الحصول على تمويل دولي لتوسيع نشاط الدوريات، ويأمل المنظمون أيضاً أن يشجع ذلك النساء على أن يكن أكثر حزما، خصوصا وهن يشاهدن الآخرين يدافعون عن حقوقهن.

وبعد تقديمها عدة شكاوى لرجال الشرطة، ازدادت الآنسة وفاء عبد الفتاح شراسة في ردها على من يتعدى عليها سواء بنظرات شهوانية أو غير ذلك. وقالت: ''لا أخاف لأنني أعرف أنه بإمكاني الدفاع عن نفسي أمامهم''. وأضافت: ''عندما أتعرض للتحرش أصيح في وجهه وأقاومه ولا أهتم بما يقوله الناس''.