"النمو الاقتصادي ضعيف في لبنان،  ونسبة البطالة عالية، والعجز المالي كبير ومتنام بالمقارنة مع الناتج المحلي. يضاف الى ذلك عبء النزوح السوري الذي  بلغ 15 مليار دولار،فيما ان الكلفة السنوية تصل إلى 30 في المئة من الناتج المحلي ".هذه الصورة  القاتمة وصفها وزير المال علي حسن خليل. وعرض  وصفات لمعالجة هذا الامر؛ إمّا ان تكون بالتقشف او بزيادة الدين العام او بزيادة ​الضرائب​بعد اقرار سلسلة الرتب والرواتب.

والسجال الذي استحضر غياب الرقابة المالية بين المسؤولين خلص الى وجوب حسم الخيارات المالية .

هل وضع وزير المال الاصبع على الجرح؟ هل زيادة الضرائب واعتماد التقشف من الحلول الناجعة؟ كيف تحسم الخيارات المالية؟

غبريل

الخبير الاقتصادي ورئيس قسم الابحاث في بنك "بيبلوس " ​نسيب غبريل​ اعتبر ان  ما قدمه الوزير علي حسن خليل فيه نظرة واقعية ؛ فالعجز مرتفع بشكل كبير خلال الفصل الاول من العام الحالي بنسبة 36%اي ما يوازي 37%من النفقات . وهناك ارتفاع في النفقات بنسبة 23% وفي الواردات 17% رغم تراجع فاتورة النفط وتحويلات وزارة الاتصالات .

ويقول غبريل لـ"الاقتصاد" :هناك بعض الانتعاش الاقتصادي بسبب بعض التحسّن في الجباية . ولكن هذا لايكفي. العجز سيبقى مرتفعاً بمعدل 400مليار دولار سنوياً اي ما يوازي 7و8% من الناتج المحلي.

دين الدولة وصل الى 72 مليار دولار وهو رقم كبير يجعل لبنان رابع دولة في ارتفاع الدين العام.

ويضيف غبريل : ​القطاع المصرفي​ يموّل الدولة وعجز الدين العام . وهو بذلك يؤمن نوعاً من الاستقرار في المالية . ولكن التباطؤ الاقتصادي الذي تحوّل في 2016الى جمود يخشى ان يدخل مرحلة  الانكماش مما ينذر بعواقب وخيمة.

النمو تراجع من 9،2بين 2007و2010 الى 1،4بين 2010 و2015. وهذا يرتد سلباً على الواردات بشكل مباشر خصوصاً ان نسبة 74 % منها مصدرها الضرائب. وهي تشكل 69%من الموازنة.ولا شك ان اي زيادة  في ​الضريبة​ على القيمة المضافة سترتد  مزيداً من التباطؤ الاقتصادي المرتبط  بعجلة  الاستثمار والاستهلاك.

وعن وصفات الوزير خليل باللجوء الى التقشف يوضح غبريل: بتصوّري ان تخفيض النفقات هو الحل الانسب والضروري ؛ فالدولة تنفق 14 مليار دولار سنويا بينها 4% فقط على مشاريع بنى تحتية. لذا يجب تخفيض النفقات الى جانب مكافحة التهرّب الضريبي ووقف الهدر وتطبيق الاصلاحات الادارية، وايضاً وضع حد لتوّسع القطاع العام على حساب القطاع الخاص.

فالمراقب يشاهد كيف ان التعيينات تتم بشكل عشوائي وضمن اطار المحاصصة  والمحسوبيات السياسية ،فيما ان  القطاع الخاص يذهب الى الانكماش. وتطبيق الاصلاحات يبدأ في قطاع الكهرباء وبرفع الدعم عن المحروقات . ويشار هنا الى ان تعرفة الكهرباء وضعت في العام 1996 على اساس برميل النفط ب 26دولاراً. وصل سعره الى 30دولاراً ثم عاد الى 50دولاراً ولم تسجّل اي خطوة. كانت نسبة 50% من العجز تعود الى التحويلات المالية  للكهرباء فيما يسجل التراجع  في النفقات الاستثمارية.

زيادة الضرائب خط احمر

ويجزم غبريل انه غير وارد زيادة اي ضرائب ،لان اي خطوة في هذا القبيل ستنعكس سلباً على تحرّك المستثمر  وطاقة المستهلك معاً. وبالتالي، لايجوز تطبيق اي ضريبة لاعلى الارباح، ولا على الدخل، ولا ايضاً على السوق العقاري.

وبدلاً  من ان تؤدي هذه الضرائب  الى جمع الواردات ستنتج انكماشاً، وتراجعاًفي الواردات الضريبية، سيما وان العدالة الاجتماعية تقضي بمكافحة التهرّب الضريبي في الاقتصاد الموازي. والجميع يعلم بوجود عدد من الشركات المسجلة بشكل رسمي دون  ان تقوم بالايفاء بالتزاماتها الضرائبية. لذا ،من المفترض مكافحة التهرّب الضريبي وتحقيق جباية فعلية مما سيسمح بتأمين مدخول للدولة بما يعادل المليار دولار  سنوياً.

واللافت في مجال التهرّب الضريبي وجود حوالي مليون و600 الف سيارة  مسجلةّ في لبنان بينها فقط 600 الف سيارة تسدّد رسوم الميكانيك. 

ويقول غبريل تخفيض النفقاتلا يعني ابداً التقشف بل تحديد النفقات غير الانتاجية . ومن اجل ذلك يجب ان تكون هناك ارادة جامعة سياسية وتصميم جدي.

كما انه لايجب ربط مشكلة النزوح السوري باي واقع اقتصادي متردي.

تخفيض الضريبة على القيمة المضافة

وعن اقتراح  جمعية تجار بيروت حول خفض نسبة الضريبة على القيمة المضافة من 10الى 5% يبدي غبريل تأييده لافتاً الى ان ذلك يحفّز الاستهلاك . ولكن ذلك يبقى غير كاف اذا لم تواكبه اجراءات اخرى . ويوضح انه لايجب ان  ننسى ان العبء على الاقتصاد ليس  ناتجاً عن الوضعين الامني والسياسي، بل من الاعباء التشغيلية الكبيرة التي يتحملها  القطاع  الخاص والتي تأكل من ارباحه .

اما اذا منح هذا القطاع الحوافز اللازمة، فبالتأكيد سينجح في استيعاب الخّضات الاقتصادية.

وفي هذا السياق ، هناك رزمة من الحوافز والاصلاحات التي يجب تنفيذها بدءا ً من تخفيض كلفة الكهرباء، انشاء بنية تحتية سليمة من شبكة طرقات واتصالات ، الى تخفيف كلفة الضمان الاجتماعي وسواها من المعاملات الادارية في القطاع العام .

باختصار ، "الازمة بنيوية ولها علاقة بوجود الدولة ومؤسساتها او عدم وجودها. ولا يستقيم بحث اي وضع مالي ومعالجته في غياب المؤسسات السياسية؛" هذا ما يردده الوزير خليل .وهذا أمر متفق عليه من قبل الجميع.

الا ان طرق المعالجة  تختلف بين كل الافرقاء ، فاقرار سلسلة الرتب والرواتب التي ينظر اليها البعض بطريقة سلبية يرى فيها  البعض الآخر اذا واكبتها اجراءات لتعزيز الواردات، عنصراً ايجابيا على الاقتصاد.

الأزمة المالية تحتاج الى معالجة فورية والى حسم الخيارات المناسبة خصوصا وان موضوع النفط الموعود  لن يؤتي بثماره الا في المدى المتوسط والبعيد ، وسيكون  بالتأكيد جزءاً من مالية الدولة.