لطالما كانت المديونيّة العالية أحد أبرز المشاكل التي عصفت بالإقتصاد اللبناني خلال الفترة التي تلت الحرب الأهليّة، حيث دارت الحكومات المتعاقبة في حلقة مفرغة من ارتفاع في الدين العام وتسجيل عجز متكرّر في الموازنة نتيجة الفوائد المرتفعة على هذا الدين.

وبحسب دراسة لـ"بنك الإعتماد اللبناني"، فقد أدّى هذا إلى لجم النموّ الإقتصادي وتصاعد وطأة الدين العام وإلى وضع لبنان في مصاف الدول التي تعاني من أعلى نسب مديونيّة إلى الناتج المحلّي الإجمالي في العالم.

وقد شرعت الحكومة بالإستدانة في أوائل التسعينات في ظلّ السياسة الماليّة التوسعيّة المتّبعة حينها، وخطة إعادة الإعمار الرامية إلى إعادة تأهيل البنية التحتيّة المدمّرة نتيجة الحرب الأهليّة أملاً في تعزيز النموّ الإقتصادي ومضاعفة الناتج المحلّي الإجمالي للفرد الواحد. وقد نما الدين العام بمعدّل سنوي مركّب بلغت نسبته نحو 40% خلال الفترة التي امتدّت بين العامين 1993 و1998، حيث ارتفع من ثلاثة مليارات دولار فاصلة تسعة وثلاثين إلى ثمانية عشر مليار دولار فاصلة ستة وخمسين، ووصل بحسب الدراسة خلال نيسان من العام 2016 الى ما فوق أربعة وسبعين مليار دولار.

فما هي الحلول الممكنة لكبح هذا الإرتفاع الجنوني في الدين العام، وتخفيف الضغط على الإقتصاد الوطني؟ هل يمكن لملف النفط والغاز وإقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص إعادتنا إلى السكة الصحيحة؟ ماذا عن قدرة القطاع المصرفي بتمويل حاجات الدولة للإستدانة؟ وهل نسير نحو الإنهيار المالي والإفلاس؟ ... أجاب على هذه الأسئلة الخبير الإقتصادي د. ​إيلي يشوعي​ في مقابلة خاصة مع "الإقتصاد".

- برأيك ما هي الحلول الممكنة لكبح الإرتفاع الجنوني في الدين العام .. وتخفيف الضغط على الإقتصاد الوطني؟

قبل الحديث عن الوضع الحالي للمديونية العامة، يجب علينا البحث عن سبب وصول هذا الدين إلى هذه المستويات المرتفعة ..  فالفوائد المرتفعة والجنونية التي وضعها البنك المركزي والمصارف على الليرة اللبنانية في فترة التسعينات هي السبب في رفع حجم الدين.

وفي تلك الفترة لم يكن هناك أي مبرر لهذه النسب المرتفعة من الفوائد .. والهدف منها كان إغراق الدولة بالديون لتحقيق ومكاسب شخصية ومصالح لبعض السياسيين ورجال الأعمال.

والدين العام لا يبلغ فقط أربعة وسبعين مليار دولار كما يقال .. بل تخطى الـمئة مليار دولار، حيث أن البنك المركزي إستدان ثلاثين مليار دولار من البنوك ويدفع فوائد مرتفعة على هذا المبلغ.

أما بالنسبة للحلول فهي تبدأ – برأيي - من تغيير حاكمية البنك المركزي، وتعيين فريق جديد يطبق قوانين إقتصاد السوق وقواعده في كل المجالات (النقدي، والمالي، والإستثماري، والخدماتي، والإجتماعي ... )، فالسياسة النقدية المتبعة حالياً مرفوضة تماماً، لأنها سياسة معاقبة الدولة، ومعاقبة الشباب، ومعاقبة الإنتاج .. وتشبه كل شيء إلا السياسة النقدية.

وهنا يجب الإشارة إلى أن الإقتصاد لا يبنى فقط على قطاعين أو ثلاثة .. فالبنك المركزي اليوم راضٍ على القطاع العقاري والقطاع المصرفي .. ولكن أين الدعم لباقي القطاعات، فلا يمكن قيام إقتصاد إلا من خلال دعم كل شرايينه وريّها (القطاع الصناعي، الزراعي، السياحي .. وغيرها).

- هل يمكن لملف النفط والغاز وإقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص إعادتنا إلى السكة الصحيحة؟

السلطة السياسية الحاكمة لا تريد حلحلة ملف النفط والغاز ولا تريد إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص .. فكل ما يهمهم هو تقاسم الحصص والإستفادة الشخصية.

وفي هذا الموضوع. أنا أرفض أساساً استخدام إيرادات النفط والغاز المتوقعة مستقبلا لتسديد الديون وتخفيض الدين العام .. لأن هذا الأمر سيكون خطأً فادحاً إن حصل، فنحن يجب أن نستخدم تلك الإيرادات لبناء إقتصاد جديد قائم على أساس اللامركزية وإعادة بناء المؤسسات.

وعلى كل حال لا أتوقع من الطبقة السياسية الحاكمة أي قرارات أو إجراءات إيجابية قادرة على تحسين الوضع، لأن هذه إلسلطة انتهت، ووصلت إلى مرحلة الإفلاس الفكري.

- هل يمكن الإستمرار بالإعتماد على القطاع المصرفي في تأمين حاجات الدولة للإستدانة؟

لا شك أن المصارف إستفادت في فترة ما بعد الحرب من تقديم القروض بفوائد مرتفعة للدولة اللبنالنية، ولكن المصارف ليست السبب الأساسي في ما وصلنا إليه، بل السياسة النقدية المتبعة منذ انتهاء الحرب وحتى اليوم.

ولا شك أن المصارف لن تبقى قادرة على الإستمرار بهذه السياسة القائمة .. ولا بد من تأثيرات سلبية عليها في المستقبل، فكلما ارتفع حجم الدين، تأثر تصنيف القطاع المصرفي اللبناني سلباً.

- هل تعتقد أننا نسير نحو الإنهيار المالي والإفلاس؟

نحن مجبرين على إقرار موازنة متوازنة وهذا ليس أمراً إختيارياً بل أمر ضروري .. وكما قلت سابقاً: إن الطبقة السياسية القائمة لا تريد الإصلاح، وهدفها الإمساك بكل مصادر الإستفادة الشخصية والمحاصصة.

وفيما يخص الإنهيار المالي والإفلاس .. فليس هناك أي دولة في العالم تصل إلى الإفلاس بل الشعوب والشركات هي التي تصل إلى الإفلاس، ولكن الإستمرار في هذا الطريق سيوصلنا إلى مزيد من الديون والفقر والبطالة.