هزّ خروج ​بريطانيا​ من الإتحاد الأوروبي الأسواق المالية في العالم أجمع، وتداعياته الاقتصادية على الاقتصاد البريطاني ما زالت في خانة الغموض المُطلق مع توقعات سلبية بالتراجع في الأعوام المُقبلة.ويبقى السؤال عن التداعيات على لبنان وعلى الإقتصاد اللبناني.

أصبحت بريطانيا رسمياً خارج الإتحاد الأوروبي وهذا الأمر لا عودة عنه مع العلم أن هناك إمكانية بحسب القانون البريطاني والذي ينص على أنه إذا كان الفرق قليل بين الطرفين وعدد الذين إقترعوا أقل من 75% من مجمل الناخبين، يحق للحكومة إجراء إستفتاء ثاني. إلا أن الثمن السياسي الذي سيدفعه حزب المحافظين في حال أجرى هذا الإستفتاء الثاني سيكون كبيراً.

التداعيات الاقتصادية على بريطانيا

هذا الواقع الآليم سيكون له تداعيات جمّة على الصعيد النقدي حيث أن الجنيه الإسترليني فقد الكثير من قيمته (أكثر من 10% في أقل من 7 ساعات ليل 23 حزيران 2016) وسيفقد أكثر مع الوقت بحكم أن المصرف المركزي البريطاني لا يُمكنه التدخل بقوة تحت طائلة القضاء على النمو. فالشركات البريطانية والأجنبية ستُقلل من إستثماراتها نتيجة الغموض الذي يلف الاقتصاد البريطاني على إثر خروج المملكة من الإتحاد الأوروبي، وذلك بحكم أن شروط التبادل التجاري مع الإتحاد عادت إلى نقطة الصفر. وفي حال لم يتم إيجاد إتفاق في العامين المُقبلين، ستُطبق قواعد منظمة التجارة العالمية مما يعني ضربة قوية للصادرات البريطانية إلى الإتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لبريطانيا.

التداعيات الاقتصادية على الشركاء التجاريين

عالمياً العديد من الدول ستضرر على مثال الإتحاد الأوروبي الذي سيجد صادراته إلى بريطانيا تقلّ مع الوقت. أما في اليابان، فتأثير إرتفاع الين الياباني نتيجة هروب المُستثمرين من الجنيه الإسترليني إلى الين، سيُشكّل ضربة كبيرة للصادرات اليابانية. كما أن الإرتباط العضوي لبعض العملات العالمية كالدولار الكندي بالباوند البريطاني سيخلق تضخم ضمني في إقتصادات هذه الدول. أضف إلى ذلك ونتيجة ضعف الباوند مقابل الدولار الأميركي، فإن صادرات بعض الدول إلى بريطانيا ستتأثر بشكل ملحوظ على مثال الولايات المُتحدة الأميركية (46 مليار دولار أميركي – 2015)، المانيا (46 مليار د.أ)، سويسرا (34 مليار د.أ)، الصين (27 مليار د.أ)، فرنسا (27 مليار د.أ)...وغيرها.

التداعيات على الاقتصاد اللبناني

يتمتع لبنان بعلاقات تجارية مع بريطانيا تتمثل بتبادل تجاري سنوي قيمته 575 مليون دولار أميركي بحسب المركز الدولي للتجارة (أرقام العام 2014). وتبلغ قيمة صادرات لبنان إلى المملكة المُتحدة 38 مليار دولار أميركي مُقارنة بـ 537 مليون دولار من البضائع التي يستوردها لبنان من بريطانيا. وكنتيجة لخروج هذه الأخيرة من الإتحاد الأوروبي وما خلّف ذلك من تداعيات على سعر صرف الجنيه الإسترليني الذي إنخفضت قيمته مُقابل الدولار الأميركي، سيكون هناك توفير حسابياً بنسبة 6% على قيمة البضائع المُستوردة أي ما يقارب الـ 30 مليون دولار أميركي. لكن هذا التوفير غير أكيد لأنه يفترض أن الأسعار لن تتغير وهذا الأمر قليل الإحتمال نتيجة التضخم الذي سيخلقه الإنخفاض في سعر صرف الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأميركي.

من جهة أخرى يعيش في بريطانيا جالية لبنانية تعدادها يبلغ عشرات الألوف من المغتربين اللبنانيين الذي يعيشون في المملكة كمهاجرين أو كمغتربين بهدف العمل (18 ألف بحسب مركز الأمم المُتحدة للهجرة العالمية). وككل اللبنانيين المُنتشرين حول العالم، يُرسل هؤلاء الأموال إلى ذويهم والتي بلغت 153 مليون دولار أميركي في العام 2015 بحسب البنك الدولي. وتُشكّل هذه التحاويل 2.14% من مجمل تحاويل المُغتربين اللبنانيين المُنتشرين في العالم.

الجدير بالذكر أن حجم تحاويل المُغتربين اللبنانيين في بريطانيا إنخفض في الأعوام الخمسة الماضية من 181 مليون دولار أميركي في العام 2010 إلى 160 مليون د.أ في العام 2014 و153 في العام 2015.

وبالتالي ومع إنخفاض سعر صرف الباوند والتضخم في بريطانيا الذي سينجم عن هذا الإنخفاض، من المُتوقع أن تنخفض قيمة تحاويل المُغتربين اللبنانيين إلى ذويهم بنسبة 8% أي بقيمة 12 مليون دولار أميركي. هذا الأمر سيكون له تداعيات بالطبع على الإستهلاك الداخلي في لبنان بحكم أن قسم كبير من الأموال التي يُحولها المُغتربون اللبنانيون إلى ذويهم تذهب إلى الإستهلاك بحسب دراسة جامعة القديس يوسف (2015).

أيضاً يتوجب علينا ذكر الشركات المالية والمصارف اللبنانية التي تمتلك أصولاً بالجنيه الإسترليني أو عملات أخرى تضررت نتيجة الإستفتاء (اليورو مثلاً) والتي قد تكون خسرت الكثير من الأموال في حال لم تأخذ إحتياطاتها. وإذا لا يُمكن لنا معرفة قيمة هذه الخسائر المُحتملة نظراً للسرية التي تُحيط بها، يبقى على مصرف لبنان أن يُعلم الرأي العام بقيمة هذه الخسائر في حال وُجدت.

التداعيات على المغتربين اللبنانيين في بريطانيا

من المعروف أن أحد أسباب خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي هو الهجرة الكبيرة التي فرضتها القوانين الأوروبية على بريطانيا. وفي الداخل البريطاني، نلاحظ ارتفاع نسبة العنصرية تجاه المهاجرين من دول أوروبا الشرقية ومن الدول العربية. ومع خروج بريطانيا من الإتحاد، والتوقعات بتراجع الاقتصاد البريطاني نتيجة خسارة الشريك التجاري الأساسي – أي الإتحاد الأوروبي –  وإنخفاض أسعار النفط، من المُتوقع أن تزداد البطالة في بريطانيا نتيجة خفض الشركات البريطانية والأجنبية لإستثماراتها في المملكة. هذا الأمر سيدفع بالسلطات البريطانية إلى التصويت على قوانين مُتشدّدة تجاه المهاجرين والتي ستطال دون أدنى شكّ اللبنانيين المُقيمن هناك. لذا نرى أن هناك إحتمال لصرف بعض اللبنانيين من أعمالهم وحتى طردهم خارج بريطانيا في حال كانت إقامتهم مُرتبطة بعملهم. لكن عدد الذين قد تطالهم هذه الإجراءات قد لا يتجاوز العشرات.

في الختام لا يسعنا القول إلا أن شظايا القنبلة التي فجرها خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي ستطال لبنان. وإذا كانت الخسائر الناتجة عن هذه القنبلة هي قليلة في المُطلق إلا أنها تبقى مُهمة نسبة لحجم الاقتصاد اللبناني الذي يُعاني من جراء التخبط السياسي والأزمة السورية وما نتج عنها من نزوح يقضي على أوصال الاقتصاد اللبناني.