أعلنت شركة كينيري للطاقة التي يوجد مقرها في مدينة بوسطن الأمريكية، أنها ستقوم بإنشاء خطيْن في لويزيانا لمعالجة الغاز الطبيعي وتصديره من الولايات المتحدة إلى باقي دول العالم، بمساعدة مبلغ حجمه 1.5 مليار دولار حصلت عليه من مجموعة ​بلاكستون​.

ولم يتضمن الإعلان الإشارة إلى أن هناك مستثمريْن يشتركان مع بلاكستون وصندوق تقاعد المعلمين في لويزيانا، هما صندوقا الثروة السيادية في الصين وسنغافورة.

وتأتي هذه الصفقة عند نقطة تحوُّل، فالربع المنتهي بنهاية حزيران (يونيو) هو الفترة الأولى التي يسهم فيها الغاز الطبيعي والفحم بالتساوي في توليد الطاقة في الولايات المتحدة. فالتكنولوجيا المتغيرة التي تقف خلف الغاز الطبيعي إنما تأتي من تحوُّل ديناميكيات الطاقة في أكبر اقتصادات العالم. وبلاكستون هي واحد من المستثمرين الأذكياء في مجال الطاقة وتخطط إلى الاستثمار بقوة في هذا المجال مستقبلا.

وتحقق بلاكستون متوسط ربح يبلغ 5.7 ضعف من أموالها المستثمرة في مجال الطاقة، وهو رقم قياسي يستدعي حسد أقرانها. فالفحم الذي كان يعتمد عليه في توفير نصف الطاقة التي يتم توليدها، انخفضت نسبة استخدامه الإجمالية إلى 40 في المائة حالياً. ويقول مراقبو الصناعة إن الرقم قد ينخفض إلى 30 في المائة خلال 20 عاماً. وفي مطلع تموز (يوليو) طلبت شركة باتريوت كوول التي خرجت من مجموعة بيبودي للطاقة عام 2007، حمايتها من الدائنين بموجب الفصل الحادي عشر. وهي أحد أوائل المتضرّرين من هذا التحوُّل، وقد تكون واحدة من العديدين الذين أُضيروا. وما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يتكرّر مرة أخرى في أي مكان في العالم

وتسعى الصين بصورة مثابرة إلى اختبار احتياطياتها من الغاز الصخري لتطوير التكنولوجيا التي تمكّنها من السير على خُطى الولايات المتحدة عاجلاً وليس آجلاً، وذلك في إطار جهودها من أجل السيطرة على مصيرها الاقتصادي. وهي تستعين بالمؤسسة الصينية للاستثمار للمساعدة على بلوغ هذا الهدف، وهذا هو السبب في أن المؤسسة الصينية للاستثمار وضعت أموالها إلى جوار أموال بلاكستون في مشروع شينير.

إلا أن الظروف المعاكسة التي واجهت شينير وباتريوت لا تعني أن كل صفقات الغاز الطبيعي هي صفقات ذهبية مربحة، أو أن صفقات الفحم كافة هي مجرد نفايات لا قيمة لها، فالاستثمار في الطاقة دائم التقلب.

وما على المرء سوى النظر في تأرجح حظوظ "فلاينج جي" Flying J، وهي شركة تهتم بالنفط وتكريره مقرها في ولاية يوتاه، قدرت قيمتها بمبلغ 17 مليار دولار منذ 18 شهراً، قبل أن تعلن الإفلاس عام 2007، بعدما أطاح بها مزيج من أسعار النفط المنخفضة وخيارات الأعمال السيئة، بما في ذلك عمليات استحواذ كارثية.

وعندما فشلت "فلاينج جي" التي أصبحت الآن "إف جي مانيجمينت" في استيفاء متطلبات الفصل الحادي عشر في كانون الأول (ديسمبر) 2007 كان لسان حالها يقول إنها ليست متأكدة إذا ما كانت زيادة التمويل التي تحتاج إليها ستفيد في ظل وجودها تحت حماية المحكمة، وفقاً لفليب هوفارد، المدير الإداري لعملية إعادة هيكلة بلاكستون. وقبل منتصف عام 2009 وبفضل الإدارة الأفضل والانتعاش في أسعار النفط، لم يتلق الدائنون 100 في المائة فحسب من ديونهم البالغة 1.8 مليار دولار أمريكي، بل تعافى السهم من متاعبه تماماً.

وفي تلك الأثناء، لم يكن انخفاض أسعار الفحم وحده هو الذي أغرق شركة باتريوت. فعندما انفصلت عن بيبودي، أكبر شركة منتجة للفحم في الولايات المتحدة، تحمّلت باتريوت مسؤوليات بيئية ثقيلة، إضافة إلى ما لديها من إرث باهظ من المسؤوليات، خاصة ما يتعلق بالمنافع الصحية لعمالها.

وعندما كانت أسعار الفحم مرتفعة، كان بإمكان الشركة أن تدعم كلاً من مديونيتها البالغة 450 مليون دولار ومسؤولياتها، لكن مع انخفاض أسعار الفحم صار الحمل مرهقاً.

وكثير من شركات الفحم، خصوصاً الصغيرة منها وبعض الشركات الكبيرة العامة أيضاً، ستمضي كما هو متوقع على طريق محاكم الإفلاس الذي سبقتها إليه باتريوت. ففي الوقت الحالي يدور كثير من السفن حول العالم بشحنات فحم لا يرغب المشترون فيها. كذلك لدى باتريوت مسائل متعلقة بالمستهلكين لم تحل بعد. ولا يزال الوقت مبكراً لشطب الفحم الحراري الذي يستخدمه منتجو الطاقة لتفادي التقلبات العشوائية في الغاز الطبيعي. وتقترب الأسعار اليوم من التكلفة الحدية للإنتاج. وبالفعل تقلص حجم المعروض، وقد يؤدي إعصار أو شتاء بارد إلى تحوُّل هذه الأساليب والديناميكيات.

والآن يعتبر الفحم الحراري والفحم المعدني، المستخدمان في إنتاج الحديد الصلب، سلعتين عالميتين تخضعان لحالات الجزر والمد في العرض والطلب. ويشير تباطؤ الاقتصاد الصيني إلى أن الطلب على النوع الأخير من الفحم سيبقى ضعيفاً لفترة ما. والغاز الطبيعي لم يرق إلى حد اعتباره سلعة عالمية، وذلك بسبب التحديات التكنولوجية والافتقار إلى البنية التحتية اللازمة لنقله. والشركات مثل شينيير تعمل على تغيير ذلك، وعندما تنجح فإن سعر الغاز الطبيعي سيرتفع في الولايات المتحدة وينخفض فيما عداها.

إن جمال صفقة شينير يكمن في قول المستثمرين إنها ستؤتي ثمارها بغض النظر عن أسعار الغاز. فبالنسبة لمستثمري الطاقة هي الأقرب إلى أقصى قدر من السعادة التي يرجونه.